طرد الله بنى إسرائيل من القدس مرتين، لأنهم أفسدوا فى الأرض وخربوا البيت المقدس، وعلوا علوا كبيرا. أما وقد عادوا من جديد إلى ما نهوا عنه من فساد فى الأرض وقتل الأبرياء بغير حق، فإن الله يقول: “وإن عدتم عدنا”.
وفى ذلك يقول الله تعالى فى سورة الإسراء: “وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرائيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً” (الإسراء من ٤ – ٦).
فقد أخبر الله تعالى فى هذه الآيات أن بنى إسرائيل سيفسدون فى الأرض مرتين، ويتجبرون فيها، وقد حصل ذلك منهم، فأرسل الله عليهم فى المرة الأولى بختنصر، فاستباح بيضتهم، واستأصل شأفتهم، وأذلهم، وقهرهم، جزاء وفاقا، ثم رد الله لبنى إسرائيل قوتهم، ومدهم كأول مرة، فعتوا كسابق عهدهم، وحصل منهم إفساد فى الأرض كالإفساد الأول أو يزيد، فأرسل الله عليهم من فعل بهم مثل فعل “بختنصر” أو يزيد، وهو “بيردوس” ملك بابل، وبعد أن هزمهم وقهرهم، ودب اليأس فى قلوبهم، بين لهم عز وجل أنه سيرحمهم إن تابوا وأنابوا، فإن عادوا للإفساد سلط الله عليهم من يهينهم، وذلك قوله: “وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا”، قال قتادة: فعادوا، فبعث الله عليهم محمدًا – صلى الله عليه وسلم – فهم يعطون الجزية بالصغار.
وقال البيضاوى – رحمه الله -: “عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ” بعد المرة الآخرة، “وَإِنْ عُدْتُمْ” نوبة أخرى “عُدْنَا” مرة ثالثة إلى عقوبتكم، وقد عادوا بتكذيب محمد – صلى الله عليه وسلم – فعاد الله بتسليطه عليهم، فقتل قريظة، وأجلى بنى النضير، وضرب الجزية على الباقين.
وأما قتال المسلمين لليهود فحق، وسينصرهم الله عليهم إن قاتلوا بصدق وإخلاص، كما قال الله تعالي: “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” (الروم:47)، وقال تعالي: “وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (آل عمران:139)، وقال تعالي: “وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ” (الصافات:173).
وأما عن اختبائهم بالشجر والحجر: فهو ثابت، كما فى الحديث الذى رواه البخاري، ومسلم فى صحيحيهما عن أبى هريرة – رضى الله عنه – عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: تعال يا مسلم، هذا يهوديّ ورائي، فاقتله”.
وفى لفظ لمسلم: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يختبئ اليهودى وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودى خلفي، فتعال، فاقتله، إلاّ الغرقد”.
ولكن الوقت الذى يقع فيه ذلك لا يعلمه إلا الله، والمفسرون يرجحون أن يكون ذلك عند خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم – عليه السلام -، وظهور المهدي.
قال الحافظ ابن حجر فى فتح الباري: وفى رواية لأحمد من طريق أخرى عن سالم عن أبيه: “ينزل الدجال هذه السبخة – أى خارج المدينة -، ثم يسلط الله عليه المسلمين، فيقتلون شيعته، حتى إن اليهودى ليختبئ تحت الشجر والحجر، فيقول الحجر والشجر للمسلم: هذا يهودى فاقتله.
وعلى هذا، فالمراد بقتال اليهود: وقوع ذلك إذا خرج الدجال، ونزل عيسى عليه السلام فى آخر الزمان، وهل نحن إلا فى آخر الزمان؟.
اللهم لطفك ونصرك لعبادك المؤمنين المرابطين الصابرين المحتسبين الضعفاء المظلومين، فأنت حسبنا ونعم