في شهر رجب من كل عام تحتفل الأمة الإسلامية بذكرى الإسراء والمعراج، لما تمثله من أهمية خاصة في نفوس جموع المسلمين في العالم، ولارتباط هذه الذكرى بني الأمة محمد- عليه الصلاة والسلام- ولما تنطوي عليه هذه الذكرى من دروس من شأن الاهتمام بها، والعمل بمقتضاها أن تغير منظومة الحياة الإنسانية نحو الأفضل، والتحليق بها في آفاق بعيدة من التحضّر والرقي والازدهار الإنساني، ويتجلّي ذلك من خلال قراءة التقاء النبي بالأنبياء جميعا في بيت المقدس فقد جاء في حديث الإسراء:” ثم أسري برسول الله إلى بيت المقدس راكباً على البراق صحبة جبريل عليه السلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماماً، وربط البراق بحلقة باب المسجد، ثم عرج به إلى السماء الدنيا” وهذا اللقاء يجسد لقاء رجال الدين على مر العصور– وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعا- وأنهم جميعا أرسلوا لترسيخ وإرساء مكارم الأخلاق في دنيا الناس، ولتحقيق معاني التعاون الإنساني، والتعايش السلمي بين البشر الذي دعا إليه القرآن الكريم:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” الحجرات (13)
وفي هذا إشارة هامة، ودلالة عظمى، على ضرورة التقاء رجال الدين من أتباع الأديان في العالم، في كل زمان ومكان، وكل عصر ومصر، لما يحدثه ذلك من تقارب في الفكر، وفي إرساء معاني المواطنة بين الشعوب بما تمثله من التساوي في الحقوق والواجبات، والتعاون الإنساني في الارتقاء بمنظومة الكون، من أجل العروج بحضارة الإنسان، وبمكارم الأخلاق، بما يخدم البشرية كلها.
وإن مما يشبه ذلك في الفترة الحالية لقاء الأزهر بالفاتيكان، ووضع وثيقة الإخاء الإنساني، للتقريب بين الشعوب، والبناء على القواسم المشتركة، وهي كثيرة جدا، ونبذ فكر التعصب والتطرف ضد الآخر، وترسيخ معاني التعددية الفكرية والثقافية بين الشعوب، فضلا عن نبذ الإرهاب، ومواجهته بكل سبيل، والعمل على الحفاظ على النفوس الآدمية، وعدم إهانتها، أو الانتقاص من قدرها، لأن في ذلك تحقيقا لمعاني السلام الذي دعت إليه الأديان قاطبة، وفي ظلاله تنعم الآدمية بالحياة، والإنسانية بالرقي الحضاري، والعروج بمنظومة القيم في الإطار الذي دعت إليه الأديان، والذي أشار إليه القرآن الكريم في قول الله تعالى:” يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ” الرحمن: (33)
ويجسد معنى المعراج ملمحا آخر في ضرورة التأكيد على معراج البدن والروح معا، فكما أن الإنسان مطالب بالمعراج والارتقاء بمنظومة القيم والسلوك، والعمل، وتعمير منظومة الكون والخلافة عن الله في الأرض، فهو مطالب أيضا بالارتقاء بالجانب الروحي، لأن الإنسان جسد وروح، وكلاهما مكمل للآخر لا بقاء له في الحياة إلا بهما معا، الأمر الذي يؤكد على ضرورة التأكيد على حرية العقيدة لدى الإنسان، وعدم إكراه إنسان على عقيدة لم يؤمن بها قال تعالى :”لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” البقرة: (256) وضرورة إتاحة ممارسة الشعائر الدينية للإنسان بغض النظر عن جنسه، أو لونه، أو دينه، من أجل تزكية نفس الإنسان، والعروج بالروح في ملكوت السموات والأرض، وهذا الأمر يلقي بظلال المسئولية الكبرى على عاتق رجال الدين، لأنه لن يكون هناك سلام بين الشعوب، إلا إذا كان هناك سلام حقيقي بين الأديان، وهذا المعنى ما أكدت عليه رحلة الإسراء ولقاء النبي بالأنبياء، ورحلة المعراج التي تقتضي تطوير منظومة الأخلاق بين شعوب العالم حتى تنعم البشرية بظلال الأمن والأمان، والتعاون الإنساني المشترك بما يحقق ويجسد كل معاني الخير والسلام للإنسان في العالم.
حفظ الله مصر ** حفظ الله الجيش