بقلم الدكتورة: فاطمة عنتر
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وهو يعلم ما يصلحه ويقيم حياته ويجعله يحيا بميزان بين مكوناته الأربعة، النفس، والجسد، والعقل، والروح.
فالنفس غذاؤها إشباع الرغبات وتلبية الحاجات، والجسد غذاؤه الطعام والشراب، والعقل غذاؤه المعلومة التي يكتسبها.
أما الروح فغذاؤها الوصل مع الله سبحانه وتعالى؛ لأنها سر من أسراره، والوصل مع ربّ العالمين لا يكون إلا عن طريق العبادة، وعلى الرغم من احتياج الإنسان لغذاء روحه بالعبادة حتى تكتمل أركانه الأربعة؛ إلا أنّ البعض نظرته للعبادات تقتصر على أنها طقوس مبهمة تربطه بغيب مجهول، فهي بالنسبة له مجرّد أعمال غامضة وحركات لا معنى لها يؤدّيها حتى تخرج من ذمّته، وتُنجّيه من عذاب يوم القيامة.
والمتأمل في حقيقة العبادة يرى أنها على عكس ذلك تماما، فالفرائض التي فرضها الله علينا هي بمثابة التمارين الأخلاقية لتنظيم حياة الإنسان وضبط العلاقة بينه وبين ربّه، وتقوية الصلة الحقيقيّة بخالقه، والله سبحانه وتعالى غني عنها وعن أدائها.
وكل النصوص الشرعيّة تؤكّد أن التذوّق لا يكون في مجرّد الأداء وإنما يتحقق بالإقامة الحقيقية للعبادة، فهناك فرق بين إقامة الصلاة وأدائها، فالأداء هو الحركات دون إدراك لمعانيها وحضور الذهن فيها، أما الإقامة فهي الأداء على أكمل وجه مع حضور الذهن وتذوّق المعاني والوقوف على الحكمة منها، يقول الحق سبحانه: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر).
ومن أسباب تذوّق العبادة أيضا، الاهتمام بالكيف وليس بالكم، قال صلى الله عليه وسلم: “ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ”، فقد يُمسك الإنسان عن الطعام والشراب طول اليوم وليس له حظ من التأثّر؛ لأنه وقف على المعنى المادي للصيام، وهو جوع الجسد دون تذوّق العبادة ومعرفة حكمة الصيام.
فعلينا أن نعي تماما أن العبادة هي حياة للقلب، ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ”، وحال الإنسان لن يستقيم إلا بتغذية أركانه الأربعة، فغذاء الرّوح بالعبادة لا يقل أهمية عن غذاء الجسد بالأطعمة.