في رحاب الحياة ووفق تعاملاتها توَّدُ أن تُخبرنا أنَّه لا بَقَاءَ لأحدٍ، وأنَّ النَّفْسَ تحتاج من وقت لآخر لمن يُقوم مُعوجها، ومن يضبط اتجاهها نحو المطلوب، لتحقيق العبودية الكاملة لله الواحد سبحانه، والسير في الحياة بخطىً ثابتة واثقة.
أدرك السابقون ـ من فقدناهم ــ أن الدنيا مُجرَّدَ مَحطَّةٍ من مراحل الحياة للقيام بالعبادة الصادقة حق القيام والاستفادة من الأيام الفاضلة المباركة، ثم بعد ذلك يواجهوا هذا المصير المحتوم بمفردهم! كيف هو حالهم؟ وما مصيرهم الذي ينتظرهم؟ فإن كانوا من أهل الإيمان واليقين الحق أكرمهم الله سبحانه وتعالى بالجنة، وإن كانوا من الصنف الآخر ساروا في ركب أهل الضلال والبغي كما كانوا يعيشون في الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله!
لقد كان ما مضى من عمرنا بأتراحه وأفراحه مجرد وقفة من وقفات العمر، لضمان استمرارية حياتنا وما نحن عليه الآن فهل أحسنَّا فيما مضى حتى نضمن حُسن ما نحن فيه الآن!؟ قد يكون ما نحن فيه الآن اختبار من الباري عز وجل ليرى مقدار صبرنا وتحملنا كي يُكرمنا بما نستحق في قادم الأيام إن كنَّا فعلاً أهلاً لهذا الإكرام والفضل.
نعيش أيام عمرنا كاملة بين فرح وحزن وصحة وسقم لا لشيء ! إلا لبيان عدالة الله في الدنيا للبشر، فكم من أناس فقدناهم كانوا لنا مصدر أمن وأمان، وكم أصدقاء ـ أظهرتهم صدق المواقف بخذلانهم ـ كانوا لنا بعد الله سبحانه عوناً وسنداً، حياة لا تخلو من عناء ومرار وحلو وسخاء، تلكم هي طبيعة الحياة التي تستوجب على الإنسان أن يقف لها بقوة الإيمان وصدق اليقين لمواجهتها حين تريد الاعوجاج عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، إنها الحياة!!
رحل الكرام ومن أحببناهم في الله لا غير وتركوا كل غال ونفيس لانتهاء أجلهم وبقي لهم العمل الصالح الذي يسيرون به لملاقاة الله عز وجل، كذلك هي الأيام الفاضلة ترحل بكل ما فيها من نفحات وبركات وعطاءات وهبات من الله سبحانه وتعالى، فالسعيد السعيد من يغتنم صحبة من يستفيد منه ويتعلم، ويراعي الله فيه لأن الأيام شاهدة على الجميع، والأنفاس والجوارح كلهم شهود بين يدي الله على العبد!
الغياب المفزع!!
رحيل كل شيء جميل أدركناه، ناهيكم عن وجود الوالدين، وصحبة من نحبهم في الله لا غير، كل ذلك رحل دون رجعة وبقي العناء في عدم وجودهم، إلا أن الله يُصبرنا بطيب ذكرهم بين الخلق، وعملهم الصالح الذي لا ينقطع بفضل الله أبداً، فاللهم أحسن لهم الجزاء وأكرمنا في دنيانا بحُسن العمل والذرية الصالحة التي تعين على طاعتك وعبادتك.