بقلم الأستاذ الدكتور: عادل القليعي
أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
بداية لابد أن نضع كما يقال النقاط على الحروف ونبدأ بتعريف المصطلحات التي قد تكون مستغلقلة الفهم على البعض.
نبدأ بمصطلح المهرطق ، المهرطق هذا هو الشخص العابث المنكر للدين ، هو يعتنق دينا لكن يعتنقه صوريا شكليا ظاهريا لا هو مؤمن ولا هو ملحد كمن يدس السم فى العسل ، ظاهره كأنه يدافع عن الدين وباطنه خلاف ذلك ، أداة يستعملها كل من يدفع أكثر ، وكل من يدلع ويغدق فى العطايا ، يكيد للدين فيطعن فى الثوابت مثلا يطعن فى القرآن ويطعن في السنة ويشكك فى الفقهاء وعلماء الدين ، ليس هذا وحسب بل ويطعن فى المعجزات الإلهية ، حجته واهية لكن يعتنقها ويروج لها أصحاب المصالح والمنافع الذين يرون الدين عقبة كئود فى سبيل تحقيق مصالحهم ومآربهم الشخصية أولئك هم المنافقون ، هم كأعراب المدينة الذين قالوا إن بيوتنا عورة وما هي بعورة لكنهم أرادوا التخلف عن الجهاد والغزوات مع رسول الله ، كعبد الله بن سلول ، ويبدوا أن لكل عصر ابن سلوله
أولئك المهرطقة الذين يقلبون الحق باطلا والباطل حقا.
وقد تقال الهرطقة على أنصار البدع الذين يأتون بأمور مخالفة للدين ، وقد يطلق لفظ هرطيق على الزنديق.
وهذا المصطلح يوناني الأصل واستخدم فى العصر الكنسي فى العصور الوسطى على الذين خرجوا على تعاليم الكنيسة.
ولكل عصر هراطقته الذين اشتروا الدنيا بالآخرة مؤثرون دنياهم على آخرتهم وذلك هو الخسران المبين.
أولئك الذين اعتنقوا أفكارا هدامة غرضها ضرب الدين فى صميمه أي في ثوابته منفذين أجندات مشبوهة سخرت رأس المال الحقير عن طريق شراء أمثال هؤلاء وتوفير كآفة السبل لبثوا سمومهم وللأسف استعملها من بني ديننا وبني جلدتنا من يسر لهم مهمتهم ، فبات جل غرضهم هدم الدين الإسلامي على وجه الخصوص مستخدمين مناهج الجدل السوفسطائي والأغاليط المنطقية آلتي تقوم على حجج واهية ، نعم تبث سمومها فى عقول الشباب صغار السن الذين وجدوا مرتعا لا أقول خصبا وإنما مرتعا ملوثا بفضائيات مأجورة تدفع لها مليارات الدولارات فى كل العالم العربي والإسلامي لتخريب عقول الشباب سواء من خلال شيوخ لا يعلمون عن الدين إلا القشور أو من خلال برامج ترفيهية إلهائية تروج للشذوذ والإباحية بحجة الخطاب التوعوي التنويري ، لكن ليس هذا تنويرا ولا توعية وإنما تغييب عن الوعي وتضليل ونشر الفكر الإلحادي ، وإنا لكل هؤلاء لبالمرصاد.
وهنا لابد أن أوجه خطابي إلى الأزهر الشريف فعليه أن يقوم بالدور المنوط به من خلال نشر الفكر الديني الإسلامي الوسطي المستنير من خلال منابره المعتبرة ، وكذلك على أساتذته القيام بدورهم في التصدي لكل هذه الخروقات من خلال الندوات والمؤتمرات الدولية ومن خلال منصات الأزهر الإعلامية ومن خلال توعية شباب الأزهر فى كلياته وفي قاعات درسه.
أما ثاني هذه المصطلحات ، مصطلح الثابت والمتغير ، السؤال لماذا الجمع بينهما ، لأن الثابت ضده المتغير فلكي يستقيم الحديث لابد من الحديث عنهما مترابطين ، فما المقصود بالثوابت ، الثوابت هي كل ما لا يمكن أن تغيره الأزمنة ولا الأمكنة ، بل هو ثابت راسخ رسوخ الجبال ، فنجد على سبيل المثال القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، ثوابت لا تتغير ، فالقرآن ثابت والدليل على ثبوته أن أكثر من ألف وأربعمائة وخمس وأربعين عاما لم تغيره ، لماذا لأنه تنزيل من رب العالمين ، لا يقبل شكا ولا مراء ولا تحريف ولا تبديل ولا تدليس وكل من حاول العبث به تحريفا أو تدنيسا رد كيدهم فى نحورهم وخاب مسعاهم ، وضرورة ملحة أن نفرق بين الثبات والجمود ، فالثبات عدم التغير والتحول ، أما الجمود فعكس الحركي ، والقرآن حركي مستمر يصلح لكل زمان ومكان ، فثبوته في حركيته وحركيته في ثبوته ، وهذا ما حرك وأجج النيران في قلوب أعدائه فراحوا يهرطقون ويشككون ويحرقون.
و تارة يقولون أنه من تأليف محمد صل الله عليه وسلم ، وتارة أنه نزل لفترة زمانية بعينها وتارة التدليس على آياته وأخرى بتسليط السفهاء على تدنيسه وحرقه ، وتارة أخرى التشكيك فى إعجازه ومعجزاته وخصوصا معجزة الإسراء والمعراج ، وتحويل القبلة ، وبالمثل حدث مع السنة المطهرة ، فظهر المدلسون الطاعنون على سنته الغراء بافتراءات وشناعات على الأئمة الأربعة حماة السنة المباركة ولا تزال الفريات والشبهات مستمرة ولا يزال العلمانيون مستمرون فى افتراءاتهم وادعاءاتهم والحجة التجديد والعقلنة واعمال العقل ، وهل الدين يمنع إعمال العقل ، هل الدين يرفض المعاصرة والمواكبة ، لماذا تريدون العبث بالثوابت لماذا تريدون فصل الدين عن الحياة ، فصل الدين عن الأخلاق ، فصل الدين عن الدولة والسياسة الدولة بلا دين لا تقوم ، بلا تشريع لا تنهض ، القانون الوضعي لا يكفي بل لابد من تشريع يقف خلفه ، لماذا تأخذون رأي فضيلة المفتى في قضايا الإعدام ، تريدون استفتاء الشرع ، لماذا تريدون إلغاء خانة الديانة من البطاقات الشخصية ، إنه العبث والفوضى والخرافة بعينها ، لماذا تريدون تخريب عقول الشباب ، لماذا تريدونا أن نكون مسخ بلا هوية بلا دين ، لماذا تريدون تحجيم الدين فى التكليفات الإلهية من صوم وصلاة حتى أمور العبادة هذه ، تريدون تفريغها من محتواه ، أقول لكم لماذا ، لأنكم تعلمون جيدا أن الإسلام لو نهض من سباته فلن يكون لكم مكان هنا أو هناك ، لكن أنتم مخطئون في ذلك سيكون لكم مكان فالدين الإسلامي لا يلفظ أحدا وإنما يقومه ويهذبه ويعيد تأهيله.
أما المتغير فهو المتحول من إلى ، وإلى من ، نأخذ مثالا على ذلك تغير الأزمان والدهور ، تقلب فصول العام ، عدم ثبات على حال ، صيرورة مستمرة وهذا فى حد ذاته ضمان للبقاء ، وإبراز لدور الثابت ، فلا يمكن أن يستمر هذا التحول وهذه الصورة من تلقاء نفسها وإنما لابد من وجود علة فعالة ثابتة لا تتغير ، هو الله تعالى مسبب الأسباب جميعا ، الأول والآخر ، الظاهر والباطن.
أما مصطلح القيم ، فالقيم كل ما هو غال ونفيس وثمين ، فالقيم الخلقية هي جواهر مصقولة تراكم عليها التراب نظرا لظروف معينة سواء ظروف مادية أو ما شابه ذلك من ظهور اتجاهات بعينها الغرض منها محو هذه القيم من وجودنا ونشر الرذيلة فى المجتمع ومحو هويتنا الخلفية وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ، ونشر الأنانية ومحو الغيرية ، وتدمير الايثار والعمل بشتى الطرق على نشر الأنا وحب النفس.
ومن ثم بات الأمر ملحا للتصدي بكل ما اوتينا من قوة لوقف هذه الهجمات الشرسة التي ليست جديدة ولا غريبة على الإسلام ، فالإسلام منذ عهد النبي صل الله عليه وسلم يتعرض لهذه الهجمات الشرسة والكل سيزول وسيفنى وسيبقى الإسلام شوكة فى حلوق هؤلاء وأمثالهم ، فأين ذهب من قال أنا ربكم الأعلى ، أين ذهب قارون وهامان وجنودهما ، أين ذهب من أنكر النبوة ، من حرق القرآن ، من أنكر الموت ، من أنكر الجنة والنار ، هلكوا مع الهالكين.
وأختتم حديثي بقوله تعالى (فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا)
وقوله تعالى(إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا)
وقوله جل وعلا (ليميز الله الخبيث من الطيب)
ثم الآية الجامعة المانعة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة)
ونحن لهؤلاء المهرطقة ومن شايعهم ومن سار على نهجهم بالمرصاد.