بقلم الداعية
د. نيفين مختار
أخذتنى لحظة أغمضت فيها عينى وسرحت بخيالى بعيدا إلى ما بعد الموت وراودنى سؤال خطير، لماذا عندما يرحل الإنسان يبدأون من حوله فى التحسر عليه ويعرفوا قيمته ويحزنوا عليه ويعيشوا فى المأساة الكبرى بينما وهو عائش بينهم ينسوه كثيرا ولا يهتمون به بما يكفى وكأنهم ضامنين وجوده، لماذا هذا العبث؟؟؟
العمر يا أصدقائي يجرى بسرعة مخيفة جدآ ولا أحد يعرف اللحظات القادمة ماذا تخبيء له، فلماذا ننتظر كى نسأل على بعض ونهتم ببعض !!!!!
أرى أشخاص يعيشون مع أهليهم وكأنهم أغراب، ثم عندما يفقدوا أحدا منهم يبكون ويتأثرون بشدة ثم يعودون لما كانوا عليه، لماذا كل ذلك ؟؟ إذا كنتم فقدتم أحدهم فالأخر مازال موجود، إلحقوه قبل أن يرحل هو الأخر، هل حقا رتم الحياة سريعا لدرجة أن جعل الناس مشغولون لهذه الدرجة، لقد باتوا غرباء تحت سقف واحد، وهناك أصدقاء عمر وأصبحوا بالاسم فقط وعند المواقف لا تجد أحدهم إلا قلة قليلة جدا، لكن بعد الرحيل يشعرون بما فقدوه وما كانوا تركوه ويبدأوا فى التحسر والندم بل يعطوا نفسهم ألف مبرر لهذا التقصير.
للأسف حقيقة مؤلمة أن لا نعرف قيمة الأشخاص إلا بعد رحيلهم من حياتنا سواء بالموت أو بالترك أو بالهجر التام ولكن الندم لا ينفع ولا يجدى، ستكون الحسرة شديدة وتأنيب الضمير مستمر، لذا أحذروا أن تقعوا فى هذا الألم.
وأقول رسالة لكل الناس بلا استثناء، أهتموا بمن حولكم قبل أن تفقدوهم ثم تبكوا بعدها على اللبن المسكوب ولن ينفع البكاء ولن يجدى، إن اهمال الزوج لزوجته والأبن لوالديه والصديق لصديقة والأب الذى يسافر تاركا أبنائه والأم التى تعيش فى النادى ومع قريناتها دائما، وصلة الأرحام المقطوعة والأخ الذى هجر أخاه والأخت التى قطعت أختها والصهر الذى غضب من صهره فحرم على زوجته دخول بيت أخيها وأبناء الأخوات الذين لا يعرفون أهلوهم، ما هذا العبث وما الذى يحدث فى زمان الكل يقول فيه نفسى نفسى ومعظمهم يهربون من ذويهم، هل نحن في آخر الزمان.
لقد رأيت حبات لؤلؤ الحياة تنفرط أمام عينى، وفى كل يوم نفقد عزيز وغالي، ونجلس بعدها نتحسر على الأيام الماضية ثم تسير الحياة بشكل مخيف ومرعب، لذا أقول لكم أهتموا بمن حولكم وأعطوهم الكلمة الطيبة الصادقة والابتسامة الحانية واقضوا حوائج بعض، وتلمسوا لبعض الأعذار فربما لم يعد فى العمر الكثير، وربما لو قلنا لبعض كلمة عنيفة تؤذى مشاعرنا وتشعرنا بالإحباط الشديد فلربما نندم على ما فرطنا فيه جميعا بعد الرحيل.
وإذا سألت أحدهم يدعى الزمان والعيب فى الزمان وضيق الوقت وأنه دائما مشغول واسمحوا لى أن أقول لكم ، نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا، ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا، نعم أكررها العيب فينا نحن، نحن المسيئون، نحن المذنبون، نحن المؤاخذون ، فلنغير من أنفسنا الآن ولنتدارك الحقيقة التى قد تكون شديدة المرار بأننا مقصرون فى حق بعضنا البعض، ادركوا سريعا ما تبقى من الوقت قبل الندم وقبل البكاء الشديد على ما بعد الرحيل.