طلع البدر علينا.. من ثنيات الوادع
وجب الشكر علينا.. ما دعا لله داع
ايها المبعوث فينا.. جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة.. مرحبا يا خير داع
تلك هي أناشيد الترحيب التي استقبل بها أهل المدينة، الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حين هاجر من مكة إلى المدينة.
تلك الذكرى العطرة التي يحتفل بها المسلمون مع بداية كل عام هجري جديد. هي ذكرى تحمل في طياتها العديد من المعجزات والذكريات التي نأخذ منها العبر والعظات. ففي هجرة الرسول معجزات حسية هي من أعلام نبوته ودلائل ملموسة على فضله ومنزلته، وحفظ الله ورعايته له، ومن ذلك ما جرى له مع أم معبد، وما حدث مع سراقة بن مالك ووعده إياه بأن يلبس سواري كسرى.
درونا كمسلمين في ذكرى الهجرة أن نترك المعاصي والذنوب التي تعد في عصرنا هذا من أهم الهجرات التي تجب على كل مسلم ومسلمة، وهي هجرة دائمة لا تنقطع في كل زمان ومكان تعد من الجهاد الأكبر.
من هنا يجب أن يكون العام الهجري الجديد فرصة وبداية للاجتهاد والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة والحسنة، وأن تكون بداية العام الهجري فرصة للتفكير في الأهداف والتطلعات الجديدة للعام القادم، والتواصل والتضامن بين أفراد المجتمع، والعمل على التوبة الرجوع إلى الله.
كانت الهجرة النبوية مصدر إلهام كبير للأدب والشعر عبر العصور المختلفة ،بدءا من صدر الإسلام وانتهاء بالعصر الحديث، ففي صدر الإسلام كان توثيق أخبار الهجرة في الشعر ، وفي العصر العباسي وما تلاه من عصور أتاح شعراء المديح النبوي والمتصوفة حيزا في قصائدهم لذكرى الهجرة النبوية وأخبارها، ثم أطل العصر الحديث فاتخذ الشعراء من الهجرة مناسبة دينية وقومية ينظمون فيها قصائدهم التي يعبرون فيها عن رفضهم للاستعمار الغربي، ويوردون فيها آراءهم الجريئة في نقد مجتمعاتهم، والأوضاع السياسية في أوطانهم، وتوجيه النصح للأمة وتعليق الآمال على المستقبل القريب.
ومع كل ذلك فإن كثيرا من شبابنا يجهلون أحداث الهجرة ولا يعلمون شيئا عن الشهور الهجرية أو العام الهجري، بل إن بعضهم طالب بإلغاء التقويم الهجري طالما نعمل في مصر بالتقويم الميلادي. ولكن الخير يظل في أمتى طالما أن هناك ما يسمى “الأزهر”. فطلاب الأزهر يرون أن هذه من المعلومات التافهة مطالبين بضرورة القضاء على الأمية الدينية لدى الشباب الناتجة عن تغييب الدين في التعليم العام.
كانت بوحي وتوفيق إلهي
“الهجرة النبوية”.. لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
د. حسن القصبي: نقطة الانطلاق من الضعف إلى القوة
د. عبدالمنعم سلطان: بداية تأسيس الدولة
تحقيق – جمال سالم
رغم مرور 1445 عاماً على الهجرة النبوية إلا أنها كانت وستظل رحلة فريدة ومتميزة تستفيد منها الاسترتيجيات المعاصرة في الإعداد والتخطيط والتنفيذ. حيث كانت الرحلة المباركة بوحي وتوفيق إلهي، وقام الرسول صلى الله عليه وسلم بدراسة المخاطر وتجنبها، ووضع الخطط والإستفادة من إمكانيات كل فرد من الصحابة بل التعاون مع بعض غير المسلمين لإنجاح رحلته التي كانت النواة الأولى لتأسيس دولة الإسلام الوليدة التي تقوم على أن الإسلام دين عالمي وليس خاصا بمكان معين كما كان الحال مع كل الرسل والأنبياء السابقين.
غيرت مسار التاريخ
بداية يؤكد د. حسن كمال القصبي أستاذ الحديث بكلية الدراسات الإسلامية العربية بالقاهرة، جامعة الأزهر، أن الهجرة النبوية تعتبر رحلة بأمر إلهي غيرت مسار التاريخ حيث هاجر رسول الله من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في لية الجمعة في اليوم السابع والعشرين من صفر من السنة الثالثة عشر للبعثة، والذي يوافق اليوم الثالث عشر من الشهر التاسع من عام 622 م، وقد لبث في “غار ثور” ليالي الجمعة والسبت والأحد، وانطلق ليلة الإثنين في الأول من الشهر الثالث من السنة الرابعة عشر من البعثة إلى المدينة المنورة حيث وصل إلى قباء في يوم الإثنين، الثامن من الشهر الثالث للعام الرابع عشر من البعثة، ووصل المدينة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول.
يضيف : هاجر الرسول من بلده ومسقط رأسه وسط أهله وذويه إلى مكان غير معلوم، ما هي أسباب ودوافع هذه الهجرة أو هذا الانتقال؟ ليس من السهل أن نحصر أسباب هجرة الرسول في سبب واحد، إذ أن الهجرة لها أوجه مختلفة، فهي لها أسباب تتعلق بالاضطهاد الذي تعرض له المسلمون في مكة، وأسباب أخرى لها علاقة بنشر الدعوة خارج مكة ذاتها.
وعن أهم الأسباب الهجرة يقول د. القصبي: كان ذلك بسبب اضطهاد قريش لهم وللمسلمين معه في مكة وخاصة بعد أن بدأ عددهم في مكة في الازدياد، شعرت قريش بأن الميزان يميل لصالح الإسلام، مما يهدد مصالحها الدينية والاقتصادية والاجتماعية لأنه يهدم ما تقوم عليه من أسس، فالإسلام يساوي بين السادة والعبيد في الحقوق والواجبات، وهذا ما رفضه سادة قريش، ولهذا أشتد إيذاء الكفار حتى وصل للاعتداء على رسول الله وصحابته، وليس هذا في مكة فقط بل حدث إيذاء له في يوم الطائف عندما ذهب الرسول ليدعو أهلها إلى الإسلام فرفضوا ورأى منهم أشد أنواع الرفض والاعتداء.
ويشير إلى أن الرسول بوحي وتوفيق من ربه قرر الهجرة ونشر الدعوة الإسلامية خارج مكة، وخاصة أن الإسلام دين عالمي ، لم ينزل على رسول الله لكي ينذر مكة فقط ،بل أنزل عليه ليكون رسالة لكل الأمم بأن تعبد إلا الله وحده ولا تشرك به شيئًا، وكانت المدينة المنورة آنذاك من أهم المراكز التي يمكن أن تكون هي المركز الأساسي لنشر الدعوة وخاصة أن بعض الأنصار في المدينة بايعوا رسول الله قبل دخوله، ووجد منهم الطاعة وحب الإسلام على عكس كفار مكة، ولهذا كانت الهجرة إلى المدينة أمرًا ضروريًا حتى يجمع المسلمون قوتهم ويبدأوا في نشرها إلى العالم كله.
عوامل النجاح
وعن كيفية هجرة الرسول يوضح د. عبد المنعم سلطان رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق، جامعة المنوفية، بأن قرار الهجرة لم يكن انفراديا حماسيا غير مدروس، وإنما كان قرارا استراتيجيا قائم على الإعداد والتخطيط لأنه قرار مصيري في تاريخ الإسلام، ولهذا كان التخطيط المحكم لاتخاذه في الزمان والمكان المناسبين، وأعد الرسول العدة التي شكلت الخطوات الرئيسية لعملية الهجرة:
– أولا:السرية: فقد كان قرار الهجرة سريًا إلى أقصى حد، ودقيقًا وسريا إلى أبعد مدى مما ساعد علة نجاحها.
– ثانيا: اختيار الوقت المناسب للهجرة حيث قام الرسول بتحليل البيئة الداخلية ثم قام بالمشاركة والتشاور في وضع الخطة حيث لم ينفرد الرسول باتخاذ قرار الهجرة بل أشرك الجميع- كل حسب إمكانياته ووظيفته- في صناعة القرار واتخاذه.
– ثالثا: قرار اختيار وتجهيز المكان المراد الهجرة إليه وهو المدينة المنورة م من خلال تحليل البيئة الخارجية من كل الجوانب دينيًا وأمنيًا واقتصاديًا لأهل المدينة التي يسكنها طوائف وأديان مختلفة.
– رابعا : إعداد وسائل ومتطلبات الهجرة من حيث من الاستفادة من الموارد البشرية والمادية والمعنوية، وفي ضوئها تم تحديد آليات الهجرة خلال رحلة الخروج من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، مع وضع كل الاحتمالات وكيفية علاجها وتجنبها لأنها رحلة الحق والعقيدة والإيمان.
– خامسا: رسم خارطة محكمة لطريق الهجرة لتجنب المخاطر وذلك بتوزيع الأدوار على الصحابة والتابعين وذلك وفق قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب مثل تكليف عبدالله بن أبي بكر في الاستطلاع وتقصي الأخبار، وتكليف عامر بن فهيرة للتمويه ومحو الآثار، وتكليف أسماء بنت أبي بكر للمؤونة والإطعام، وتكليف عبدالله بن أريقط الليثي -وهو غير مسلم- كدليل طريق لخبرته في ذلك
– سادسا: تحديد مسار الهجرة حيث اتبع الرسول أساليب الشفافية والواقعية والمرونة والوضوح مما سهل عليه تحقيق مهمته بنجاح.
– سابعا: تحديد مسار عبقري للهجرة النبوية فمن يتأمل المسار الذي سلكه النبي وأصحابه تجنبًا لأذى زعماء قريش وكيدهم حيث بدأ من دار أم المؤمنين السيدة خديجة ثم فترة الاختباء في غار ثور ثلاثة أيام حتى منطقة قباء بالمدينة المنورة آخر محطات الركب النبوي حيث بلغ طول طريق الهجرة النبوية بـ 380 كم قطعها الركب النبوي في ثمانية أيام، وقد ذكرت بعض الروايات التي وصفت المعالم المكانية لطريق الهجرة أنه كان فيها 29 معلمًا متفق عليها، فمثلا بعد أن رسم النبي وصحابته مسير الهجرة للأيام الثلاثة الأولى وجهّز صاحبه أبو بكر راحلتين منذ أكثر من 4 أشهر من اليوم الأول للهجرة، وتقرر بدء طريق الهجرة من منزل السيدة خديجة والحزورة، ثم منزل أبي بكر وغار ثور خلال الأيام الثلاثة الأولى، وانتهت المسيرة بالمبيت في منزل أبي أيوب الأنصاري بالمدينة المنورة بعد اجتياز جبل حمراء الأسد، ثم طريق الظبي الموصل إلى حي العصبة ثم ديار بني أنيف ثم إلى قباء.
ويشير د.عبدالمنعم سلطان إلى أن رحلة الهجرة لم تقف لمجرد الوصول للمدينة المنورة وإنما قام الرسول ببناء المسجد ليكون قاعدة إنطلاق لدولة الإسلام، ثم آخي بين المهاجرين والأنصار، ووضع وثيقة المدينة لتحديد العلاقة بين المسلمين وأهل المدينة من غير المسلمين، وهذه الوثيقة أول دستور مدني يحدد حقوق وواجبات المواطنين بعد هجرة الرسول إلى المدينة، وإقامة قواعد المجتمع الإسلامي، كان من الضروري تنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة، من أجل توفير الأمن والسلام للناس جميعا، لذا كانت هذه الوثيقة لتنظيم العلاقة بين المسلمين ومن جاورهم من القبائل، وبما أن قبائل اليهود كانت أكثر القبائل حضوراً في المدينة فقد جاءت أغلب بنود تلك الوثيقة متعلقة بتنظيم العلاقة معهم.
ويؤكد أن رحلة الهجرة وضعت أساس دولة الإسلام لأن من يتأمل بنود الوثيقة يجد أنها تضمنت بنوداً خاصة للمؤمنين بين المهاجرين والأنصار، وبنوداً خاصة لليهود تتعلق فيما بينهم وبين والمؤمنين، وبنوداً عامة تشمل الجميع فمثلا ما جاء من البنود في حق المؤمنين منها بالنص (المؤمنون أمة واحدة من دون الناس) وهذا البند يشمل المؤمنين جميعهم مهاجريهم وأنصارهم، ومن تبعهم ممن لحق بهم وجاهد معهم، وأنهم أمة واحدة من دون الناس قد جمعتهم رابطة العقيدة، فاتحدت قبلتهم ووجهتهم وولاءهم مما يعني إلغاء الروابط والعصبيات وذوبان جميع الفوارق التي تحول دون تحقيق هذه الوحدة الشاملة.
وينهي د. سلطان مؤكدا أن أهم البنود المتعلقة باليهود فيما بينهم وبين المؤمنين :”ينفق اليهود مع المؤمنين ما داموا محاربين، أن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، وأن لبقية اليهود من بني النجار وغيرهم ماليهود بني عوف، إلا من ظلم نفسه وأثم فإنه لا يهلك إلا نفسه” .وهذا البند يحدد الانفاق المشترك في الدفاع عن المدينة، العلاقة بين اليهود وبين الفئة المؤمنة، ويعتبرهم جزءاً من مواطني الدولة الإسلامية، ويكفل لهم حريتهم الدينية ما داموا قائمين بالواجبات المترتبة عليهم، وبنود هذه الصحيفة مبنية على نصوص ثابتة، وقواعد شرعية، ومصالح معتبرة، منها قول الله تعالى: “لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”، وقوله صلى الله عليه وسلم:” المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده”.
اعتبروها من الجهاد الأكبر :
العلماء: هجر الذنوب والمعاصي.. أفضل أنواع الهجرة في الوقت المعاصر
د. العواري: نحتاج هجرة بذاءات اللسان وآفاته
د. قزامل: جهادنا المعاصر في ميدان الحياة والعمل
كتبت- إسراء طلعت
شدد علماء على أن هجرة المعاصي والذنوب تعد من أهم الهجرات التي تجب على كل مسلم ومسلمة، مشيرين إلى أن هذا النوع من الهجرة الدائمة التي لا تنقطع في كل زمان ومكان تعد من الجهاد الأكبر.
بداية يقول د. عبدالفتاح العواري عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: من أهم الدروس المستفادة من الهجرة النبوية في مفهومنا العصري أن ترك المعاصي وهجر الذنوب من الجهاد الأكبر، فذلك النوع من الهجرة هو الواجب علي كل مسلم ومسلمة وهي الهجرة الدائمة التي لا تنقطع في كل زمان ومكان وهي هجرة الذنوب والمعاصي المأمور بها في قوله تعالي {والرجز فاهجر} .
يضيف: يجب علي الناس ترك المعاصي والذنوب التي يقبل عليها الناس، ونحن في زمان نحتاج فيه إلي هجرة بذاءات اللسان وآفاته وموبقاته من الكذب والسب والقذف الفاحش من القول وترك الاتهام بالباطل والاحتيال ونكران الجميل وإفشاء الإسرار والنفاق”.
وأكد أننا نمر بمرحلة شديدة الدقة نحتاج فيها إلي هجرة آفات اليد وآثامها من الضرب والحرق والتعذيب والتضليل وحمل السلاح وترويع الآمنين والتخريب والتجسس والوقيعة بين الناس، مشددا على أن هجر المعاصي من الأمور المهمة في حفظ مجتمع المسلمين وصيانة دينهم وعفافهم، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله يقول: (كل أمتي معافي إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه).
أشد أنواع الجهاد
من جانبه يقول د. سيف رجب قزامل أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر: هجر المعاصي والذنوب هي من جهاد النفس لان هذا النوع من الهجر من اشد أنواع الجهاد الذي يساعد الإنسان علي العودة إلي الله و العمل الصالح بالإضافة إلي البركة في الرزق. وقالت اننا نحن الآن في اشد الحاجة إلي جهاد النفس وهجر المعاصي والعمل من اجل استقرار وسلامة الوطن لأن ترك كل الأعمال المؤذية للوطن نوع من جهاد النفس, مطالبة الجميع بضرورة العمل وترك كل الموبقات والآثام والتفرغ للعمل الصالح الذي فيه مصلحة العباد والوطن.
يضيف: الهجرة النبوية المشرفة كانت مرحلة فاصلة في تاريخ الإسلام والمسلمين، وجاءت بعد أن تعرض النبي وأصحابه الكرام إلى أصناف كثيرة من التضييق والإيذاء حتى من الأقارب. لافتا إلى أن ما تعرض له الصحابة الكرام من تعذيب وإيذاء لا يتحمله بشر، فقد قاموا بتعذيب سيدنا بلال بن رباح بأن وضعوه على الرمال في الشمس الحارقة ووضعوا الحجارة على صدره، ولكنه ظل ثابتًا على الحق، وفي ذلك درس لنا نستلهم منه أننا في وقت الصعاب علينا أن نظل ثابتين على الحق وعلى المبادئ القويمة.
يشير إلى أن في الهجرة النبوية معاني راقية ودروسا مهمة علينا أن نستلهمها في حياتنا كلها، وفي مقدمتها حب الوطن والإخلاص له، فهجرة النبي وصحابته الكرام لم تكن باختيارهم أو رغبة منهم، ولكنهم كانوا مكرهين عليها، وتجلى ذلك في كلمات النبي وقت الهجرة عندما وقف ونظر تجاه مكة وقال: “والله إنك لأحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”.
ويؤكد د. قزامل أن حب الوطن والتمسك به من الأمور المهمة في حياة الإنسان، وترك الوطن أمر عظيم على النفس، ولذلك فالقرآن عندما تحدث عن بني إسرائيل قال: {اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ}، فساوى الخروج من الأوطان بقتل النفس كأنه قتل للجانب المعنوي للإنسان، وهو ما يعلمنا حب الوطن والإخلاص له.
وحول كيف يمكن للإنسان أن يهاجر الآن يوضح أن النبي قال: “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية”، مؤكدًا أن هجرتنا وجهادنا الآن يجب أن يكون في ميدان الحياة والعمل، وهو ما يستطيع من خلاله الإنسان المساهمة في رفعة وطنه والبشرية والإنسانية كلها.
ويضيف د. قزامل أن من معاني الهجرة كذلك أن نهجر كل ما يؤدي إلى كدر الحياة، وأن نؤدي أعمالنا على أكمل وجه بإعمال ضمائرنا في وظائفنا وحياتنا كلها، وأن نصبر على مغريات الحياة وضيقها حتى نظل ثابتين على الخلق القويم، فليست الهجرة فقط ترك مكان لمكان ولكن ترك المعاصي والسلوكيات الذميمة إلى الطاعة والعمل الصالح.
وتعجب من انهيار الأخلاق وانتشار السباب بين الناس خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن المسلم ليس بفحاش ولا لعان ولا بذيء، وضرب مثلًا بسيدنا أبي بكر الصديق عندما سبَّه رجل وأكثر منسبه وكان النبي حاضرًا، فلما همَّ أبو بكر أن يرد على الرجل قام النبي، فسأله أبو بكر عن ذلك، فقال له النبي: “كان معك مَلَك يردُّ عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان”، مضيفا: “وهذا من الهجرة الحقيقية الآن، فالنبي قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
هجرة دائمة
ومن جانبه يقول د. حسن القصبي الأستاذ بجامعة الأزهر : إننا في عصرنا الحالي علينا أن نهجر ما نهانا الله عنه، فمن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه، عاجلا أو آجلا ولكنكم تستعجلون، فالمسلم في هجرة دائمة كهجر للشرك والكفر والمعاصي، والذنوب والخطايا، قال سبحانه: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}، فعن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما، عن النبي قال: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من يهاجر من نهى الله ورسوله عنه”.
أضاف: يجب علينا أن نهجر الصفاتِ الذميمة، والأخلاق الرذيلة، فالهجرة خصلتان هجرة تامة فاضلة لا يساويها ولا يوازيها شيء، وهي الهجرة من مكة وغيرها إلى المدينة، وهذه انقطعت وانتهت بفتح مكة، وهجرة دائمة مستمرة وهي هجر المنكرات والمعاصي والسيئات، فعن عبدالرحمن بن عوف، ومعاوِية بن أَبِي سفيان، أَن رسول اللهِ قال: “الهجرة هجرتان: أَحدهما أَن يهجر السيئات، والأُخرى أَن يهاجِر إِلى الله ورسوله، ولا تنقطع الْهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبةُ مقْبولة حتى تطْلع الشمس من المغرب، فاذَا طَلَعت طُبع كل قلب بما فِيه، وكفي الناس العمل.
.. وعلماء يطالبون بأن تكون بداية جديدة للاجتهاد الديني والدنيوي
العام الجديد .. فرصة للتقرب إلى الله والتضامن بين أفراد المجتمع
د. سعد عبدالدايم: “منبه” يذكر الإنسان بالإداجتهاد والأعمال الصالحة
– د. عمرو الكمار: فرصة للتوبة والرجوع إلى الله
تحقيق – سمر هشام
طالب علماء بضرورة أن يكون العام الهجري الجديد فرصة وبداية للإجتهاد التقرب إلى بالأعمال الصالحة والمبادرة بالأعمال الحسنة. مشددين على ضرورة أن تكون بداية العام الهجري فرصة للتفكير في الأهداف والتطلعات الجديدة للعام القادم، والتواصل والتضامن بين أفراد المجتمع، والعمل على التوبة الرجوع إلى الله.
فى البداية يقول د. سعد عبدالدايم الأزهرى، من علماء الأزهر: عندما تمر الأعوام وتنقص الأعمار ينبغي أن تتأثر النفوس وتتعظ القلوب، ويحاسب كل امرئ نفسه وإن كان المناسب أن يحاسب نفسه كل يوم بل يحاسب نفسه في كل لحظة ونفس يمر عليه، فالعاقل من يحاسب نفسه بالأنفاس لا بالأعوام قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ {الحشر: 18}، وقال سيدنا عمر بن الخطاب: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم”.
وطالب د. سعد بضروة أن يقف المسلم مع العام الجديد وقفة أخرى فينظر في حال نفسه، ماذا سيفعل ويقدم؟ فالعام الجديد منبه يذكر الإنسان لأن يجتهد ويزيد من اجتهاده ويزداد وصلا وقربا من الله، فلنبادر بالأعمال ولنسارع ونجتهد دون توقف أو ملل فلقد علمنا ديننا إذا قامت الساعة وبيد أحدنا فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل. إذا هو اجتهاد دائم لا ينقطع حتى وإن كانت نهاية الدنيا فالمسلم الفطن هو من يقوم بعمل ما طلبه الله منه دون أن يصرفه صارف. يؤدي ما خلقه الله لأجله، إذ خلق الله الإنسان لعبادته وتعمير الأرض وتزكية النفس، ولذلك مع بداية عام هجري جديد وجب على كل ذي لُبٍ أن ينظر في هذه الثلاثة، كيف حال عبادته؟ كيف حال تعميره للكون؟ كيف حال تزكيته لنفسه؟
تطلعات جديدة
من جانبه يوضح د. عمرو الكمار- دكتوراه في الحديث- أن السنة الهجرية الجديدة مناسبة مهمة تحتفل بها جميع المجتمعات الإسلامية، ويعتبر هذا الحدث بمثابة فرصة للتفكير في الأهداف والتطلعات الجديدة للعام القادم، وللتواصل والتضامن بين أفراد المجتمع، والعمل على التوبة الرجوع إلى الله. مشيراً إلى إن رسول الله حينما وضع قدمه على أرض الإسلام في المدينة المنورة بدأ بداية جديدة لوضع أسس الدولة الإسلامية الوليدة، فشرع في أمرين عظمين أساسيين هما: بناء المسجد، والمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، فالمسجد ليس دار عبادة فحسب؛ بل كان منبراً إعلامياً ومدرسة يتعلم فيها المسلم الأخلاق وكثير من شؤون الحياة النظرية والتطبيقية من نظم اقتصادية وعلوم عسكرية وفنون الإدارة والحكم، وكلها تستمد منهجها من الكتاب والسنة.
ويشير د. الكمار إلى أن العام الهجري بداية جديدة وفرصة أن يرجع العبد لربه، وأن يزداد قربًا من مولاه، فباب التوبة مفتوح لا يُغلق حتى أدنى الأجلين: أن تطلع الشمس من مغربها، وحينها (لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا){الأنعام:158}، أو حين تبلغ الروح الحلقوم، قال تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ..){النساء:18}، والله تبارك وتعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، بل يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه، فسارع إلى الدخول في رحمة الله، واحذر من تأخير التوبة، فإن الإنسان لا يدري متى ينتهي به العمر، ولن يستطيع أحد أن يحول بينك وبين التوبة.
ويؤكد د. الكمار أن المسلم إذا أراد أن يرجع إلى الله لا يحتاج لواسطة بينه وبين الله تعالى، فإذا توضأت وكبرت فإنك تقف بين يدي الله يسمع كلامك ويجيب سؤالك، والتوبة النصوح ينبغي أن تتوفر فيها شروط أن يكون صاحبها مخلصاً في توبته لا يريد بها إلا وجه الله، وأن يكون صادقاً في توبته، فلا يقل تبت بلسانه وقلبه متعلق بالمعصية؛ فتلك توبة الكذابين، وأن يترك المعصية في الحال، أن يعزم على ألا يعود ، وأن يندم على وقوعه في المخالفة، وإذا كانت المعصية متعلقة بحقوق الآدميين فيجب عليه رد الحقوق إلى أصحابها أو التحلل وطلب العفو منهم.
تجلت أحداثها في العديد من الأبيات والقصائد الشعرية:
“الهجرة النبوية”.. مناسبة ثرية للأدباء في مختلف العصور
شعراء العصر الحديث عبروا بها عن رفضهم للاستعمار
البوصيري وشوقي.. أكثرهم إبداعا
تقرير: طارق عــبدالله
ألهمت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، غالبية الشعراء والأدباء في مختلف العصور الاسلامية المختلفة الكثير من المشاعر وتسجيل الأحداث المهمة التي غير مجرى التاريخ ، والتي أدت إلى نقلة كبرى في حياة العرب العقدية، والاجتماعية والسياسية والأدبية.. حيث ظهر أثر الهجرة في صور الشعر والأدب.. ففي صدر الإسلام كان توثيق أخبار الهجرة في الشعر ، و في العصر العباسي وما تلاه من عصري المماليك والأتراك أتاح شعراء المديح النبوي والمتصوفة حيزا في قصائدهم لذكرى الهجرة النبوية وأخبارها، ثم أطل العصر الحديث فاتخذ الشعراء من مناسبة الهجرة النبوية مناسبة دينية وقومية ينظمون فيها قصائدهم التي يعبرون فيها عن رفضهم للاستعمار الغربي، ويوردون فيها آراءهم الجريئة في نقد مجتمعاتهم، والأوضاع السياسية في أوطانهم، ممهدين لها بتحسرهم على ضياع مجد أمتهم القديم، وقد لا تخلو قصائدهم من الثورة على المستعمر، وتوجيه النصح للأمة وتعليق الآمال على المستقبل القريب.
نشيد الترحيب
البداية كانت مع ذلك النشيد الذي استقبله به أهل يثرب (المدينة) الرسول صلى الله عليه وسلم بحفاوة، مرحبين به وبمن معه من المهاجرين: “طلع البدر علينا.. من ثنيات الوادع، وجب الشكر علينا.. ما دعا لله داع، ايها المبعوث فينا.. جئت بالامر المطاع، جئت شرفت المدينة.. مرحبا يا خير داع.
بين البوصيري وشوقي
ثم توالت عبر العصور المختلفة العديد من الأبيات والقصائد الشعرية التي تتناول الهجرة النبوية ، تروي الأحداث وتتوقف عند العظات والعبر والاستفادات.. وهناك الكثير من الشعراء الذين كتبوا أجمل الأبيات في حق الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام -رضوان الله عليهم- حينما هاجروا من مكة المكرمة إلى المدينة المنور.. نبدأ بما نظمه الإمام البوصيري الذي قال :
جاءت لدعوته الأشجار ســــــاجدة .. تمشى إليه على ساقٍ بلا قــــــــــدم
كأنَّما سطرت سطراً لما كتــــــــــبت .. فروعها من بديع الخطِّ في اللقـــــم
مثل الغمامة أنَّى سار سائـــــــــــرة .. تقيه حر وطيسٍ للهجير حَـــــــــــم
أقسمت بالقمر المنشق إن لــــــــــه.. من قلبه نسبةً مبرورة القســــــــــمِ
وما حوى الغار من خير ومن كــرم .. وكل طرفٍ من الكفار عنه عــــــــم
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما.. وهم يقولون ما بالغار مــــــــن أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت علــى .. خير البرية لم تنسج ولم تحــــــــــم
وقاية الله أغنت عن مضاعفـــــــــةٍ .. من الدروع وعن عالٍ من الأطـــــُم.
فيما قال أمير الشعراء احمد شوقي في ذكرى الهجرة:
سل عصبة الشرك حول الغار سائمةً
لولا مطاردة المختار لم تسم
هل أبصروا الأثرالوضّاء أم سمعوا
همس التسابيح والقرآن من أمم
وهل تمثّل نسج العنكبوت لهم
كالغاب والحائمات والزغب كالرخم
فأدبروا ووجوه الأرض تلعنهم
كباطل من جلال الحقّ منهزم
قصائد معاصرة
وفي الزمن المعاصر يوجد العديد من القصائد التي تناولت الهجرة النبوية ومآثرها، ففي قصيدة بعنوان “قريش تمادت” للشاعر رضا الجنيدي تروي القصيدة قصة الهجرة منذ لحظات تمادي قريش في ظلم النبي واجتماعها لقتله صلى الله عليه وسلم. ففي مطلع القصيدة يقول الشاعر:
قريشٌ تمادتْ بظلمِ النبيِّ، فقامتْ إليه تُريدُ القتالْ
ومن كلّ قومٍ رجالٌ وسيفٌ، ونارُ العنادِ تزيدُ اشتعالْ
وفي قصيدة “من ألحان الهجرة” يحكي الشاعر محمد الهادي إسماعيل عن قصة الهجرة واختباء النبي وأبي بكر في الغار وانطلاقهما إلى يثرب، حيث يقول الشاعر في مطلعها:
قم رتل الذكر، واختر خير قيثار، فتلك ذكرى رسول الله في الغار، من ذا الذي يقطع البيداء ممتثلا، أمر السماء؟ ترى من ذلك الساري؟
ويتناول الشاعر بعض الدروس والعظات ومن أحداث الهجرة، ويدعو لاقتفاء الآثار كما كان النبي وصحبه، فدعا لهجرة الذنوب، والتآخى كما في يثرب.
وفي قصيدة “ذكرى الهجرة” للشاعر محمد مسعود الزليتني عن ذكريات الهجرة ومعانيها السامية في النفوس وتتناول لقطات من أحداث الهجرة ومواقف النبي.
ومطلع القصيدة: جوبي مسافات السنين وجددي، عهد الفدا في عمر كل موحد، شدي يدي إلى يديك وعاهدي، قومي على دحر الدخيل المعتدي.
طلاب التعليم العام لا يهتمون.. وطلاب الأزهر يعتبرونها أولية
غالبية شبابنا يجهلون المعلومات البسيطة عن السنة الهجرية!
د. محمد سالم: الأمية الدينية .. من أخطر الآفات
تحقيق – مروة غانم
في حالة غريبة وعجيبة، يجهل غالبية شبابنا الكثير من المعلومات عن الهجرة النبوية ولا يعرفون أسماء شهور السنة الهجرية. فضلا عن عدم إلمامهم بالكثير من المعلومات عن المناسبات الدينية البسيطة!
ونحن على أعتاب بداية السنة الهجرية، قمنا بجولة ميدانية، إلتقينا فيها بعض الشباب من البنين والبنات فى مراحل التعليم المختلفة للوقوف على معلوماتهم الدينية البسيطة، فكانت المفاجأة أن الغالبية العظمى منهم ليس لديه أى حصيلة معلوماتية عن المناسبات الدينية البسيطة!
ورغم أننا حصرنا أنفسنا فى المعلومات التى تتماشى مع العام الهجرى وبداياته وعدد أشهره وأسمائها وما هى الاشهر الحرم؟ وغيرها من المعلومات البسيطة جدا التى يدرسها الطلاب فى المرحلة الابتدائية، إلا أننا فوجئنا بضعف هذه المعلومات عند البعض وانعدامها عند البعض الاخر! والمفاجأة الأكبر أن الموضوع لم يقتصر على الشباب فقط، فقد طال بعض الكبار حيث فوجئت أثناء جولتنا بسيدة فى الخمسين من عمرها تخبر صديقتها فى العمل أن الاسبوع القادم به يوم اجازة بسبب حلول مولد النبى، فما كان من صديقتها إلا أن هنأتها بالاجازة مرددة “كل سنة وانت طيبة”، مما جعلنى استنكر الكلام وأتدخل مسرعة متسائلة :أى إجازة تقصدين؟ فأجابتنى بقولها: إجازة مولد النبى. فرددت فى نفسى: لا حول ولا قوة الا بالله، حتى الكبار لا يفرقون بين رأس السنة الهجرية ومولد النبى؟! ثم قلت لها بصوت عال: أنت تقصدين بالتأكيد رأس السنة الهجرية وليس مولد النبى؟! فشعرت بإحراج بعض الشيء، فاذا كان هذا هو حال الكبار فما بالنا بالشباب الذى لا علاقة له بالدين، لا فى المدارس ولا فى أى مكان من قريب أو بعيد.
بالتأكيد فإن هذا لا ينطبق على كل الشباب، فهناك عدد لا بأس به خاصة من طلاب الأزهر وجامعته على قدر كبير من الثقافة الدينية المطلوبة. إلا أنه في الوقت ذاته يوجد عدد كبير أيضا ممن لا يعلمون شيئا عن أبسط أمور دينهم!
مثقفون وأستاذة حملوا وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية مسؤولية ذلك. مؤكدين أن هناك دورا للمخطط الصهيونى والغربى للقضاء على الاسلام والمسلمين من خلال تمييع الوعى واختزال الثقافة والتحضر فى تعلم اللغات الاجنبية وتقليد العرب في سلوكه !
وطالبوا بضرورة تكثيف البرامج الثقافية والتوعوية فى كافة وسائل الاعلام، وإقرار مادة لطلاب التعليم الجامعى تشتمل على الثقافة الدينية والتاريخية والثقافة الوطنية تدرس لكل طلاب الجامعات المصرية.
نظرة استغراب
البداية كانت مع بعض الشباب الذى وافق بعضه على التصريح باسمه ونشر صورته ورفض البعض الاخر بشدة ذكر اسمه أو إلتقاط صورة له احراجا وخجلا من نفسه حيث قال (ف . م) طالب بالصف الثانى الثانوى دون تفكير حينما سألته: هل تعرف نحن فى أى سنة هجرية؟ طبعا احنا فى سنة 1945 هـ, ولما رأى نظرة استغراب فى وجهى طلب منى أن يفكر بعض الشيء ثم قال: بصراحة مش فاكر ومش عارف .
أما أخوه الذى كان معه، والذى يكبره بعام ونصف وكانا يسيران معا ليلحقا بأصدقائهما فى أحد صالات الجيم فلم يتوقف عن الضحك ،ولما وجهت له نفس السؤال كان رده منطقى وواقعى حيث قال :بصراحة أخر تاريخ كتبته من عدة سنوات فى المدرسة قبل أزمة الكورونا وأظن كنا فى سنة 1440هـ.
رمضان اول السنة!
أما شيماء السيد طالبة بالفرقة الاولى بكلية الأداب، فسألتها عن اسم أول شهر فى السنة الهجرية؟ فقالت بكل ثقة: طبعا رمضان هو أول شهر فى السنة الهجرية!
ولا يختلف الطالب محمد محمود بالصف الثالث الثانوى عن طالبة كلية الأداب الذى سألته عن الموعد الذى يحج فيه المسلمون فأجاب: طبعا فى شهر رمضان!
ومازلنا مع جولتنا حيث إلتقينا بعض الشباب الأزهرى الذى أثلج صدورنا وسخر من بساطة أسئلتنا بل اعتبرها تافهة حيث أجاب عبدالرحمن سيد الطالب بالفرقة الثالثة بكلية التجارة بجامعة الأزهر: دى معلومات أى طالب فى الصف الأول الابتدائى بأى معهد أزهرى يعرفها كويس وقال: طبعا احنا فى بداية 1446هـ وشهر محرم هو أول السنة الهجرية ولما سألته عن الأشهر الحرم رد باستخفاف: الأشهر الحرم أربعة أشهر هم (محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة) وهذه الأشهر كان محرم القتال فيها قبل الإسلام ولما جاء الإسلام أبقى عليها وظلت على وضعها.
وأرجع عبدالرحمن الأمية الدينية التى يعانى منها الشباب اليوم الى غياب دور المسجد وقصره على الصلوات فقط واختفاء درس العصر فضلا عن تهميش مادة التربية الدينية فى التعليم العام، مؤكدا أن أبناء الأزهر أفضل حظا من أبناء التعليم العام الذى لا يعرف أغلبهم من الدين سوى الصلاة والصيام حتى إن بعضهم لا يعرف أحكام الوضوء ولا مبطلاته فضلا عن عدم معرفتهم بأركان الصلاة ومبطلاتها!
وافقته الرأى كوثر السيد محمد الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الدراسات الانسانية شعبة رياض أطفال قائلة: بالطبع نحن طالبات الأزهر لدينا حصيلة معلومات دينية أفضل بكثير من طالبات التعليم العام.
وعودة لبعض شبابنا المغيب حيث قال (أ . س) :بصراحة أنا غير مهتم بالتاريخ الهجرى لأن كل تعاملاتنا بالتاريخ الميلادى فلا فائدة من معرفة الشهور الهجرية ولا السنة الهجرية.
التربية الدينية
تناول خيط الحديث سيد عبدالرحيم طالب بالفرقة الثالثة بكلية التجارة بجامعة عين شمس قائلا: نحن مقصرين فى تحصيل معلومات عن ديننا والسبب هو تهميش مادة التربية الدينية فى المدارس فقد كنا نذاكرها ليلة الإمتحان ومهما أخطأنا لم يرسب أي منا فيها!
رد صادم
أما رد سيف عبدالسلام الطالب بالفرقة الأولى بكلية الأداب، عن التقويم الهجرى فكان صادما حيث قال: لابد من إلغاء التقويم الهجرى طالما أن كل تعاملاتنا تتم بالتاريخ الميلادى!
أضاف: “هتفرق معانا أى احنا فى سنة كام هجرية” طالما أننا لا نستخدم التاريخ الهجرى فى أى شئ؟
وعى الأزهريين
ورجوعا مرة ثانية لبعض طلاب الأزهر، حيث قال عبدالله علاء أبو الخير الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الاعلام بجامعة الازهر : طبعا احنا فى سنة 1446هـ وأول شهور السنة الهجرية هو شهر الله المحرم وهو أحد الأشهر الحرم التى يحرم فيها القتال حيث كان الرجل فى الجاهلية يرى قاتل أبيه فى هذه الأشهر ولا يفعل له شيئا تقديسا لهذه الأشهر العظيمة.
ولفت أبو الخير إلى أن أغلب زملائه فى التعليم العام ليس لديهم أى معلومة دينية عن المناسبات الدينية المختلفة لذا يلجأون إلينا “نحن طلاب الأزهر” لنمدهم بالمعلومات المختلفة خاصة المعلومات الخاصة بالصيام ومبطلاته فى شهر رمضان.
وافقه الرأى فتحى جودة قائلا: لابد من إعادة النظر فى مادة التربية الدينية التى تدرس لطلاب التعليم العام ولابد من جعلها مادة تضاف الى المجموع لأنها إن ظلت كما هى لا تضاف الى المجموع ستظل مهملة وستظل معلومات الشباب الدينية كما نرى جميعا.
الأمية الدينية
حول تفسيره لجهل غالبية الشباب بالثقافة الدينية البسيطة علق د. محمد سالم، مدرس التاريخ والحضارة الاسلامية، قائلا بأن الأمية الدينية تعد من أخطر الآفات التى تواجه المجتمع المسلم، فهي قضية قديمة لها جذور وأسباب مختلفة وقد ترتبت عليها نتائج كارثية.
وأشار الى أن الاصل التاريخى لهذه القضية قديم قدم ميلاد النبى حيث وجد نفر من اليهود ومشركى مكة أنه لابد من مواجهة هذا الدين ومحاربته بكل الوسائل المادية والمعنوية، وبعد صراع طويل وقرون عدة وجد هؤلاء أن ما تفعله الأفكار أشد وأخطر مما تفعله الأسلحة والدبابات كما وجدوا أن القلم قادر على تغيير هوية أمم بأكملها وطمس تاريخها، بينما الرصاص وطلقات المدافع والبارود لا تقوى سوى على احتلال بضع كيلو مترات ولا تتمكن من حماية ما احتلته لفترات طويلة لذا كان التوجه للعبث بأدمغة وعقول الشباب المسلم وإبعادهم بكل الطرق عن دينهم وهويتهم وتاريخ اجدادهم المسلمين كما عمد هؤلاء الى خلق نشء مشوه لا يعرف من القرآن إلا رسمه ولا من الدين إلا اسمه ولا يقرب المصحف إلا فى رمضان يردد سوره وأياته كالببغاء لا يفهم أياته ولا يستوعب أحكامه , كل علاقته بالدين تنحصر فى اسم يحمله فى بطاقته الشخصية الا ما رحم ربى!
مخطط صهيونى
ولفت د. سالم الى أن المخطط الصهيونى والغربى للقضاء على الاسلام والمسلمين تم وضعه جيدا وتنفيذه بشكل دقيق وكان الهدف هو تزييف العقيدة اولا وتمييع الوعى والحيلولة بين هذا الجيل وبين القراءة والثقافة والفكر فضلا عن سعيهم لاختزال الثقافة والتحضر فى مظاهر الفرنجة من تعلم اللغات الاجنبية وترك العربية وارتداء الزى الاجنبى وتقليد الغرب فى سلوكياتهم وأفعالهم.
وشدد على ضرورة أن تبقى اللغة العربية والثقافة الاسلامية هى الهوية والشخصية المميزة لكل مسلم وتبقى أخلاق النبى هى النبراس والاسوة وهذا لا يتعارض مع تعلم اللغات الاجنبية ومحاكاة الغرب فى تقدمه وتطوره لكن ليس على حساب ديننا وهويتنا وثقافتنا الاسلامية.
جيل مشوش
وتساءل عن دور مراكز الثقافة وقصور الثقافة والمكتبات العامة ماذا تقدم هذه الهيئات للشباب لافتا الى أن العولمة والانفتاح غير المنضبط على الغرب خلق جيل هش مشوش إن سألته عن الصحابة أو عن أزواج النبى وأمهات المؤمنين لن يجيب إلا القليل! لذا كانت النتيجة التى نراها اليوم من جهل الشباب بأبسط المعلومات الدينية وإلحاد البعض الاخر وإرتماء البعض الثالث فى أحضان الجماعات المتطرفة متخيلا أنها المنجية والطريق الى الجنة.
وطالب بضرورة تكثيف البرامج الثقافية والتوعوية فى كافة وسائل الاعلام من خلال أساتذة متخصصين لديهم القدرة على التعبير والصياغة فى صورة سلسة وجذابة ومبسطة فضلا عن أهمية عمل بروتوكول تعاون بين الوزارات والهيئات المختلفة لتوعية الشباب وفتح باب الحوار معهم والوصول اليهم أينما وجدوا هذا بالاضافة الى تنظيم مسابقات دينية وثقافية تاريخية فى المراكز المختلفة وتشجيع الشباب على الاشتراك فيها لاثراء ثقافته الدينية هذا مع ضرورة الاهتمام بتدريس مادة التربية الدينية وجعلها مادة أساسيىة فى التعليم الاساسى واعادة النظر فى منهجها وصياغته بشكل سلس ومبسط كما طالب بإدخال مادة لطلاب التعليم الجامعى تشتمل على الثقافة الدينية والتاريخية والثقافة الوطنية تدرس لكل طلاب الجامعات المصرية.