لقد كرم الإسلام المرأة، وأعلى من شأنها، وكفل لها حق المشاركة في الحياة العامة ، وأتاح لها الإسهام في بناء الحضارة، وإرساء دعائم الدولة الإسلامية.
والقارئ لتاريخ الخلافة الراشدة يجد نماذج عديدة لهذا الدور الريادي للمرأة في مختلف الميادين، ففي عهد الصدّيق- رضى الله عنه- شاركت المرأة بالقتال في حروب المرتدّين والممتنعين عن دفع الزكاة، حيث تذكر كتب التاريخ ان نُسيبة بنت كعب (أم عمارة) استأذنت من سيدنا أبي بكر الصديق في الالتحاق بالجيش، فقال لها: لقد عرفنا بلاءك في الحرب فاخرجي على اسم الله، فخرجت ومعها ابنها حبيب بن زيد بن عاصم، وأبلت في هذه المعركة بلاءً حسنًا، وتعرضت للكثير من المخاطر، وهي ثابتة مقدامة، وكانت تتمنى الشهادة، وأسَر مسيلمة الكذاب ابنها وعذّبه حتى مات، وخرجت أم عمارة مع ابنها عبدالله إلى معركة اليمامة، وكانت معركة قاسية أظهرت فيها من الفدائية ما يذهل أعظم الرجال، وكانت حريصة على أن تقتل مسيلمة بيدها ثأرًا لابنها الحبيب، ولكن تمكَّن منه ابنها عبدالله مع وحشي بن حرب، وخرجت أم عمارة من المعركة باثني عشر جرحًا بعد أن فقدت ذراعها، وفقدت ابنها الآخر عبدالله، وقد زارها أبو بكر (رضي الله عنه)، وقال عن ذراعها الذي فقدته بأنّه قد سبقها إلى الجنة.
وكان رأي المرأة معتبرا في الحياة السياسية وشئون الحكم، فقد أشارت أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- على أخيها الفقيه العالم عبدالله في مسألة التحكيم، وأخذ برأيها.
ويذكر ابن كثير أن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه كان يستشير الناس في أمر مبايعة عثمان رضي الله عنه، (ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس وأقيادهم جميعًا وأشتاتًا، مثنى وفرادى، ومجتمعين، سرًا وجهرًا حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن).
وكانت الشفاء بنت عبدالله بن عبد شمس بن خلف القرشية صحابية جليلة ذات عقل وفضل ورجاحة وكان عمر بن الخطَّاب يقدمها في الرأي، ويفضلها، وقد ولاَّها ِاْلحسبة، وهذا يعني أنَّها كانت مستشارة للفاروق رضي الله عنه.
كل هذه المواقف وغيرها تجلي الدور الريادي للمرأة في عصر الخلافة الراشدة، مما يؤكد أن الإسلام لم يظلم المرأة، بل كفل لها من الحقوق ما للرجل، ووضعها في المكان اللائق بها، وأعلى من قيمتها ومكانتها على مرِّ التاريخ الإسلامي.