د. مهدي حسين: طيب اللسان.. محبوب من الله ورسوله والناس أجمعين
الشيخ عنتر محمد: أولى الناس بطيب الكلام الوالدان وذوو الرحم
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتى
أكد العلماء المشاركون فى الندوة التى أقيمت بمسجد خديجة محمد علي، بالمنيب، محافظة الجيزة، بالتعاون بين جريدة عقيدتي ووزارة الأوقاف، برعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، تحت عنوان:” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” أن الله أمر المسلم بان يقول لكل الناس حسنا وليس للمسلمين فقط لأنه طيب القول، ومحب للجميع.
أشاروا إلى أن صاحب القول الطيب محبوب من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الناس لأن الله يكتب له القبول في الأرض فيحبه كل من فيها.
وطالبوا بتنشئة الأجيال على الكلم الطيب الذي يقود صاحبه إلى الجنة في الآخرة، ومحبة الناس في الدنيا لأن المؤمن يألف ويُؤلف ولا خير فمن لا يألف ولا يُؤلف.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتى، أن المؤمن التقي القوي الأمين لا ينطق إلا بما يرضي الله تعالى ورسوله، فهو يزن كلامه لأنه يعلم أن الله رقيب عليه، وأنه سيحاسبه على كل كلمة ينطق بها، وقد زادت وسائل التواصل الاجتماعي تأثير الكلمة الطيبة فيثاب قائلها بشكل أكبر، والعكس صحيح إذا كانت الكلمة سيئة، ولهذا يجب على المسلم أن ينطق بالكلام الطيب، وإلا فليسكت عن الكلام حتى لا يغضب الله، وقد أخبرنا النبي أن ابن آدم إذا أصبح فإن كل أعضائه تقول للسان: “اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن أعوججت أعوججنا”، ومن مظاهر استقامة اللسان قول الحق وكثرة ذكر الله وقراءة القرآن والأحاديث النبوية، وقراءة العلم النافع المفيد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، أما مظاهر إعوجاج اللسان فهي: اغتياب الناس أي أن تذكر المسلم بما يكره كالسخرية، السب، اللعن، الشتم مجالس النميمة، والكذب وغيره من فواحش القول.
طيب القول
أكد د. مهدي حسين، عضو المكتب الفني لوزير الأوقاف، أن الإسلام يحرص على أن تسود المشاعر الطيبة بين الناس، ومراعاة الآخرين، فقال تعالى:” وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا”، فالقول الحسن من مكارم الأخلاق التي حث عليها الإسلام حتى تسود المودة والمحبة بين الناس، فيقول تعالى:” وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ”. فمن أراد أن يتكلم فليقل خيرا أو ليصمت، قال رسول الله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»، فمن وصايا الرسول أنه يحثنا على الكلمة الطيبة وأفضل الناس قولا من قال خيرا فغنم أو سكت فسلم، لأن الصمت في مواضعه من شيم الرجال، والنطق في مواضعه من كريم الخصال، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فاللسان إذا نطق بالخير أحبه الناس، وكان أفضل ما في الجسد، وإذا نطق بالسيئ من الكلمات فإنه يصبح شر ما في الجسد، ومن وصايا النبي لحفظ اللسان قوله: «لا تقل بلسانك إلا معروفا»، وقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وتأكيده على ذلك بقوله:«كف لسانك إلا من خير».
عن جزاء الذين لا يكفون لسانهم عن أذى الناس أوضح د. مهدي حسين أن هذا يبينه لنا النبي فيقول: “إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ”، فالكلمة قد تتسبب أن يتعذب بها الإنسان كما بين المشرق والمغرب في النار، على العكس من ذلك من يحسنون القول ، فيقول النبي:” إِنَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها، وباطِنُها من ظَاهِرِها”، فقال أبو مالِكٍ الأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هيَ يا رسولَ اللهِ؟ قال:” لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ، وأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وباتَ قائِمًا والناسُ نِيامٌ”.
أوضح أن القول اللين والحسن صفة أساسية في المسلم الحق، والود لا يجلب بالشتم، إنما يجلب باللين حتى مع من يخالفك في العقيدة أو حتى مع من يكف بالله، فقد أمر الله تبارك وتعالى سيدنا موسى وسيدنا هارون- عليهما السلام- لما أتيا فرعون الذي قال أن بكم الأعلى، بالقول اللين، فقال تعالى:” فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ”، فما بالنا بذوي الرحم ومن يشاركك في الدين والوطن، قال النبي:” أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا وألطفُهم بأهله”. وعلينا أن نتأسى بما كان في بيت النبي، فقد كان يجلس مع زوجاته ويحاورهن بلطف وحب ولين، ففي جلسة مع السيدة عائشة الله رضي الله عنها وأرضاها، قال لها: “إنِّي لَأَعْلَمُ إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى”، قالَتْ: فَقُلتُ: مِن أيْنَ تَعْرِفُ ذلكَ؟ فقالَ:” أمَّا إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، فإنَّكِ تَقُولِينَ: لا ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْراهِيمَ”، قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، واللَّهِ- يا رَسولَ اللَّهِ- ما أهْجُرُ إلَّا اسْمَكَ”. فيجب على الزوجين أن ينادي كل منها الآخر بما يحب، وأن يجيبه بما يحب، وأن يحافظ على أسراره .
وحذر د. مهدي من عواقب الغيبة والنميمة باعتبارهما من آفات اللسان البعيد عن القول الحسن، فقد مر النبى ليلة الإسراء والمعراج على قوم لهم أظافر من حديد يخمشون بها وجوههم فقال: «من هؤلاء؟». فقال جبريل عليه السلام: “هؤلاء الذين كانوا يأكلون لحوم الناس في الدنيا”. فالذي يغتاب الناس هو ممن قال تعالى فيهم:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”، كما أخبرنا النبى بفئة ممقوتة فقال: «شر الناس يوم القيامة ذو الوجهين النمام، الذي يأتي يوم القيامة له لسانان من نار». ولاشك أن الكاذب يكرهه الله، ولا يحبه الناس، وكذلك سيئ الأخلاق الذي يغتاب الناس أو يقوم بالنميمة، فلا يصاحبه أحد، بل يبتعدون عنه لشره وسوء خلقه فقال ﷺ:” عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا” وقال أيضا:” إِيَّاكُمْ والظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ”، وبيَّن الرسول وجوب كف الأذي فقال:” إِيَّاكُمْ والْجُلُوسَ على الطُّرُقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا؛ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: ومَا حَقُّهُ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وكَفُّ الْأَذَى، ورَدُّ السَّلَامِ، والْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، والنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ”.
وعرض د. مهدي لبعض النماذج من القول الحسن حتى مع الحيوانات، فقد ورد في الأثر أن عيسى- عليه السلام- مرَّ به خنزير، فقال له عيسى: مر بسلام، فقال له أحد حواريه: كيف تقول هذا وهو خنزير؟ قال: أعوِّد لساني الخير”. ويقول يحيى بن معاذ:” ينبغي للمؤمن أن يسوق إلى غيره الآتي: إن لم يستطع أن ينفعه فلا يضرّه، وإن لم يستطع أن يسرّه فلا يغمّه”، ولهذا قال النبي: “.. والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ”، فيجب على المسلم أن ينتقي كل كلمة يتكلم بها، ويدع ألفاظ السوء، وإذا تكلم بالكلام الحسن مع المسلمين وغير المسلمين لأنهم إذا رأوا منك طيب اللسان مدحوا الإسلام، ورغّبتهم فيه، والعكس صحيح إذا كنت فظًّا غليظ القلب. لذلك أمرنا الله تعالى بأن نتكلم مع غير المسلمين بأحسن الكلام، لأن كل كلمة تُسجَّل، تنسخ، وتكتب، والله تعالى يقول:” وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ”، ولذلك بيَّن النبي أن أسوأ الناس عند الله الألدّ الخصم، الذي إذا غضب تفوّه بأقبح الكلام، وكذلك جعل البشارة لمن ترك المجادلة، واللدَدَ، والخصومة فقال:” أنا زعيمٌ ببَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإنْ كان مُحِقًّا، وببَيْتٍ في وسَطِ الجَنَّةِ لِمَن ترَك الكَذِبَ وإن كان مازحًا، وببَيْتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُه”.
وأشار إلى أن الداعية إلى الله أولى الناس بأن يكون كلامه حسن مع عامة الخلق، لأنه مطلوب منه أن يحسن الكلام معهم حتى يستمعوا إليه ويجيبوا دعوته مصداقا لقوله تعالى:” ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”، فيجب علينا أن نتقى الله لأن ألفاظنا علينا معدودة، فقال تعالى:” مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” وقال:” وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ”، عوِّد لسانك قول الخير تحظي به، كما قال الشاعر:
عوّد لسانك قول الخير تحظى به.. إن اللسان لما عوّدت معتاد
أولى الناس
وأكد الشيخ عنتر محمد أحمد، كبير مفتشي إدارة وسط الجيزة، أن في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أمر بألا نتلفظ إلا بالحسن أو الأحسن، وأولى الناس بتطييب الكلام معهم الوالدان، ينبغي للولد ألا يتكلم مع والديه إلا بالحسن أو الأحسن، يترك هجر الكلام وسوءه وينتقي الكلمات التي تجلب إليه محبة أبيه وأمه، قال تعالى: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”. الأصل في حسن صحبة الوالدين حتى وإن كانا على غير الإسلام أن أحسن لهما القول، أتكلم معهما بالكلام السهل، بالكلام الأحسن، بأطيب الكلام، لا أتعالى عليهما لأن هذا ليس من دين الله في شيء، إنما الأصل في الكلام مع الوالدين أن تظهر لهما أنك أسير لديهما، أما سوء الكلام معهما يجلب سخطهما وإذا سخطا سخط الرب الذي أعطى الوالدين صلاحية لم يعطها لغيرهما أن ضمن رضاه رضاهما، وأن ضمن سخطه سخطهما، وأعطاهما صلاحية في دعوة مستجابة لا تُرد إذا دعاها الوالد لولده أو على ولده، وكذلك يجب على المسلم تطييب الكلام مع أهل بيته، لأن العلاقة الزوجية قائمة على الود والرحمة فقال تعالى:” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.
وأشار إلى أن أمر الله لعباده بأن يقولوا الكلمة التي هي أحسن على وجه الإطلاق وفي كل مجال فيختاروا أحسن ما يقال ليقولوه، بذلك يتقون أن يفسد الشيطان ما بينهم من مودة، فالشيطان ينزغ بين الإخوة بالكلمة الخبيثة تفلت وبالرد السيئ يتلوها، لأن الشيطان يتلمّس سقطات وعثرات اللسان فيغرى بها العداوة والبغضاء بين المرء وأخيه، والكلمة الطيبة تسدّ عليه الثغرات، حتى في الصيام الذي قد يكون الصائم فيه عصبيا إذا استُفز، فليكن حليما صبورا فقال النبى: «إنما الصوم جُنَّة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم”، طوبي لمن كان وجهه طليقا، وكلامه ليِّنا، فالكلمة الطيبة تزيل الجفاء، وتذهب البغضاء والشحناء، وتدخل إلى النفوس السرور والهناء والمحبة والمودة والوئام، بل إن الكلمة الطيبة، هداية الله وفضله لعباده فقال سبحانه: “وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ”، والكلمة الطيبة هي رسالة المرسلين، وسمة المؤمنين، والقرآن بيّن لنا أهمية الكلمة الطيبة وعظيم أثرها واستمرار خيرها، وبيّن خطورة الكلمة الخبيثة وجسيم ضررها وضرورة اجتثاثها، فقال تعالى:” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ”. يقول ابن القيم: “شَبّه الله سبحانه الكلمة الطيبة -كلمة التوحيد- بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح، والشجرة تثمر الثمر النافع”، ولا ريب أن هذه الكلمة تؤتي العمل المتقبَّل لقوله تعالى:” إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ”.
وأوضح أن رسول الله هو المثل الأعلى لأمّته لم يكن فظًا غليظًا، بل كان سهلًا سمحًا، لينًا، دائم البِشْر، يواجه الناس بابتسامة حلوة، ويبادرهم بالسلام والتحية والمصافحة وحسن المحادثة، علّمنا أدب التخاطب وعفّة اللسان فقال: «ليس المؤمن بالطعّان ولا اللّعَّان ولا الفاحش ولا البذيء”. فالكلمة الطيبة تحجب المؤمن من النار، فقال رسول الله: «اتّقوا النار ولو بشقِّ تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة”، وبالكلمة الطيبة تتحقق المغفرة لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام”، وحذرنا من إدمان القول السيئ ولو بالمزاح لأن حصائد اللسان السيئ مهلكة وتؤدي إلى دركات النار، ولنتأمل هذا الحديث الجامع والحوار الشيق والنصائح الغالية، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدْنِي مِنْ النَّارِ، قَالَ: “لَقَدْ سَأَلْت عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿يَعْمَلُونَ﴾، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!”
وأنهى الشيخ عنتر كلامه قائلا: الكلمة الطيبة هي كلمة الحق ثابتة الجذور، لا تُزعزعها أعاصير الباطل، ولا تحطِّمها معاول الهدم والطغيان، تقارع الكلمةُ الطيبة كلمة الباطل فتجتثها فلا قرار لها، ومن اعتاد طيب الكلام ثبّته الله في الدنيا والآخرة لقوله تعالى:” يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ”. ولله در الإمام الشافعي حين قال:
يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ.. فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيب
يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلماً.. كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ طيبا