كان الله في عونِ شباب اليوم الذين يواجهون جيوشًا جرَّارة من الإفساد والتضليل لهدم القيم الإنسانية والمبادئ الأساسية لاستقامة الحياة البشرية، بهدف جرِّهم إلى مستنقع البهيمية في زمن المَسْخِ!
بل إن كل إنسان، سليم الفِطرة نقي السَرِيْرة، يعيش في هذا الزمان يقف حائرًا مضطّربًا يكاد يفقد عقله واتّزانه مما يرى ويُعايش من مظاهر فِتن الدنيا التي قلَبَت موازين القيم والمبادئ التي تربّينا عليها، مما جاءت بها الأديان السماوية أو الحضارات الإنسانية! وكأننا نعيش فترة الهَرَجِ والمَرَجِ، فلم يعد أحدُنا قادراً على تمييز الحقّ من الباطل، الصواب من الخطأ، النور من الظلام، الأخلاق صارت “موضة قديمة”، الالتزام أصبح “خُنوع وعَبَط”، الصدق والأمانة والإخلاص تحوّل إلى “هَبَل”! والأشد أَلَمًا أن النفاق والكذب والرياء هو “الشطَارة والفهْلوة” وطريق النجاح وصعود أعلى درجات السُلَّم الاجتماعي! والحقيقة أنه يهوي بنا إلى دَرَكات الانهيار والسقوط.
غابت- بل غُيِّبَت- القدوة الحسنة والنموذج الطيّب، وصعد الرويبضة الذين يتكلّمون- بل يُحدِّدون مصائر الناس- وهم توافِه!
ولم يقتصر الأمر على مجالٍ بعينه، إنما تحوّلت المأساة إلى “حالة عامَّة”! أصابت معظم إن لم يكن كلّ مناحي الحياة!
لكن الكارثة الحقيقية أن يصل هذا الداء العُضال إلى الحصن والملاذ الأخير الذي جعله الخالق سبحانه وتعالى مصدر الأمن النفسي والضمان الإلهي للسكينة والطمأنينة، في الدنيا قبل الآخرة، ألا وهو “دين الله الحق”!
وتزداد المأساة أَلَمًا وإيلاما حينما يكون ذلك على يد أحد الرجال المُفترَض فيهم أن يكونوا حُماته وتوضيحه للناس! ليصبح من المُضلِّين الضَلالِيّين! الذين يُحرِّفون الكَلِم عن مواضعه!
وإذا كانت المؤسّسة الدينية التي نحترمها ونُجِلَّها، اجتماعيا قبل دستوريا وقانونيا، قد فنَّدت ودَحَضَت هذا الفكر والسلوك “الضلالي”، فلابد أن يكون هناك رادع تنفيذي وسُلطوي يقف بالمرصاد لكلّ من تسوِّل له نفسه العَبَث بدين الله وأحكامه.
واذا كان الشئ بالشئ يُذكر، وبضدّها تُكتشف الحقائق، وفى مجال حديثنا عن تغييب القدوة وصعود الرويبضة، فلابد من الإيمان واليقين بأنه لا يصح إلا الصحيح، وهذا ما أكّده فعل المُسْعِفَيْن اللّذين وجدا ثروة ومبلغًا كبيرًا من المال والذهب مع أحد شهداء الحوادث بالطريق الصحراوي الغربّي للصعيد، ولم يتردَّدا لحظة في القيام بواجبهما الوظيفي في نقل الشهيد، ولم يساورهما الشيطان للحظة السقوط في حبائله، وسلَّمَا أموال الشهيد.
فهذه هي النماذج التي نحتاج لإبرازها وتقديمها للمجتمع، وتشجيعها وتحفيزها، حتّى وإن كانت تؤدّي واجبها الوظيفي والديني.
فما أحوجنا لتسليط الضوء على مثل هذه النماذج الطيّبة والقدوة الحسنة، وترسيخ قيم ومفاهيم الوفاء والانتماء والعرفان، والتوقّف عن اللهاث خلف التفاهَات، فإذا كان الخبرُ هو “الرجل الذي عضَّ كلبًا وليس العكس”، كما يتم تدريسه في العمل الصحفي والإعلامي، فإن “الخيرَ” هو ما ينفع الناس ولا يضرّهم؟!
هذا هو مجتمعنا الذي نعيش فيه، فلننظر ماذا نريد لأنفسنا، وكيفما نصنع ونزرع سنحصد، وليقُم كلّ راع بمسئوليته تجاه رعيته، فـ”خيريّة” الأمّة أو أيّ مجتمع مرهونة بـ”حُسْن” قيامنا بواجبنا، كلٌّ في مجاله ونطاق مسئوليته.
وصدق سيّدنا رسول الله؛ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم القائل: “كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيته…”.