لما عرج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، وكان الأمر بالجسد والروح، إذا بالعطاء الإلهي والفضل الرباني يشمل الأمة المحمدية ليجعل لها معراجا بالروح كل يوم خمس مرات، ففرضت الصلاة ليقف العبد بين يدي ربه، متوجها لخالقه، مناجيا مولاه.
الصلاة
هذه الصلاة التي فرضها الله على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أمته، فقال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]. كتابا أي: فريضة، موقوتا: محددة بوقت فلكل صلاة وقتها التي لا تصح إلا فيه، ولعظم الصلاة وأهميتها نجد أن لها خصيصة في دين الله وهي أن جميع التكاليف الشرعية فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض إلا الصلاة، فرضها الله على رسوله مباشرة بدون واسطة فرضها عليه في أعلى مكان يصل إليه بشر، وفي أفضل وقت مر على النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت عليه ليلة المعراج، وهو فوق السموات السبع، قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10]، وكانت أول ما فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وفي هذا دليل واضح على محبة الله لها وعنايته بها، وأنها جديرة بأن يستوعب المسلم فيها جزءا كبيرا من وقته؛ لأنها الصلة بينه وبين ربه وخالقه يجد فيها راحة نفسه وطمأنينة قلبه.
إقام الصلاة
ولكن الله تبارك وتعالى خفف عن الأمة المحمدية، فكانت خمسا بالفعل وخمسين في الميزان، ولذلك كانت قرة عين الرسول صلى الله عليه وسلم، الصلاة التي هي ركن الإسلام الثاني، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت الحرام » . يقول : بني الإسلام ، ومعنى ذلك أن هذه الأصول هي دعائم الإسلام التي لا يمكن أن يقوم إلا بها ، كما لا يقوم البناء إلا بأساسه، ومن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى، جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم عاصمة للدم والمال، ولأهميتها فإنها أول ما يحاسب عليه العبد من الأعمال يوم القيامة، وصلاحها – بالمحافظة عليها وإتمامها – سبب للفوز والنجاة وإضاعتها والتساهل فيها سبب للخسار يوم القيامة.
فزع الي الصلاة
وهي عون للمرء على عمله كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر قام إلى الصلاة، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول لـ بلال رضي الله عنه: ( أرحنا بها يا بلال ) أي: أدخل الراحة والأمن واللذة والمتعة في قلوبنا بها،
وفي الحديث الشريف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) صحيح مسلم.
ينبغي للعبد أن يدرك أن من خصائص الصلاة: أنها العبادة الوحيدة التي لا تسقط من على المسلم في أي حال من الأحوال ما دام يملك عقله، فلا تسقط بعدم الاستطاعة، وإن لم تستطع أن تصلي إلى القبلة صل إلى غير القبلة، قال تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:115].
ولقد كانت آخر وصيةٍ لنبيكم صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت، وقد جعل يردد هذه القولة، وهذه الوصية الغالية؛ جعل يقول ( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ).
ولك أن تتدبر كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم لترى ما للصلاة من ذكرٍعظيمٍ في آيات كثيرة فيدعو بها الخليل إبراهيم عليه السلام قال تعالى: {رَبّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصلاةِ وَمِن ذُرّيَتِى} [إبراهيم:40].
ويسير الذبيح إسماعيل عليه السلام على منهج أباه فيحافظ على الصلاة ويأمر أهله بها، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصلاةِ وَالزكاةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:54-55]. ويأتي الأمر بها لكليم الله موسى عليه السلام في أول ما أوحى إليه، قال تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا اله إِلا أَنَاْ فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصلاةَ لِذِكْرِى} [طه:13-14].
أوصاني بالصلاة
وييثني الوحي بها إليه وإلى أخيه هارون، قال تعالى: {أَن تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصلاةَ} [يونس:87]. وينطق بها عيسى في مهده مؤكدا على الوصية الإلهية بها حيث أخبر الله عنه أنه قال: {قَالَ إِنّى عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصلاةِ وَالزكاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} [مريم:20-21]. ويثني الله تعالى على عباده المؤمنين بقوله جل وعلا: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقَامَ الصلاة وَإِيتَاء الزكاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:73].
إذا أدرك المسلم قيمة الصلاة وقدرها عَلِم أنها أم القربات وأشهر شعائر الدين، وأفضل أعمال الإسلام، وأنها غذاء القلوب، وزاد الأرواح، مناجاةٌ ودعاء، خضوعٌ وثناء، تذللٌ وبكاء، وتوسلٌ ورجاء، واعتصامٌ والتجاء، وتواضعٌ لكبرياء الله، وخضوعٌ لعظمته، وانطراحٌ بين يديه، وانكسارٌ وافتقارٌ إليه، تذللٌ وعبودية، تقربٌ وخشوع لجناب الربوبية والألوهية،
وأنها ملجأ المسلم، وملاذ المؤمن، فيها يجد البلسم الشافي، والدواء الكافي، والغذاء الوافي، إنها خير عُدةٍ وسلاح، وأفضل جُنة وكفاح، وأعظم وسيلة للصلاح والفلاح والنجاح، تُنشئ في النفوس وتُذْكي في الضمائر قوةً روحيةً، وإيماناً راسخاً، ويقيناً عميقاً، ونوراً يبدد ظلمات الفتن، ويقاوم أعتى المغريات والمحن، وكم فيها من الأسرار والحكم والمقاصد والغايات التي لا يعقلها كثيرٌ ممن يؤديها! فما أعظم الأجر، وأوفر الحظ لِمَن أداها على وجهها.