نعيش هذه الأيام ذكرى مناسبات جليلة، يكاد المرء يستشعرها ويستنشق عبيرها، ولا أُبالغ إن قلت: أننى أستشعر نسائم شهر رمضان المبارك، الذى يأتينا بنفحاته وبركاته وكرمه بل وأخلاقياته وقيمه التى تتجسَّد فى سلوكياتنا وتعاملاتنا.
لذلك أعتبر هذه الأيام المباركات هى أيام “التحويل” والتغيّر فى حياتنا، خاصة وأننا نستذكر العظات والعِبَر من حادثة تحويل القِبْلَة، وما فيها من جلال وإرضاء إلهى لسيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- “فلنولّينك قِبْلَة ترضاها” فضلا عن قيم الانتماء والولاء وكذا استجابة الصحابة السريعة بمجرد الإخبار بتحويل القِبْلَة، والأهم هو التمحيص و”الغربلة” التى تمَّت بسبب تحويل القِبْلَة فى صفوف المسلمين ليميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق.
وإذا كان هذا “التحويل” قد ميَّز ومحَّص، فما أحوجنا ونحن نسترجع أيامه وذكراه أن نُطبِّقه فى حياتنا المعاصرة، فنجعل هذا “التحويل” والتحوّل الطارئ فى سلوكياتنا وتعاملاتنا إلى “طبع” ومنهج حياة دائم، ولينظر كلٌ منّا إلى تصرفاته ويُقيّمها بنفسه، دون انتظار أحد أن يُقيّمه، فللأسف الشديد، بعضنا يتصرَّف بـ”عنجهية” وسوء أدب وصَلَف، وهو يعرف ويدرك ذلك، لكنه يستمرئ ويظن أنه بذلك يُحقق المراد وكل ما يتمنى، ربما يكون ذلك صحيحا أن يحصل على كل ما يريد، وأحيانا كثيرة يحصل على غير حقه، لكن ليست هذه هى العِبْرَة فى التعامل الإنسانى، فهو يُدرك افتقاده لاحترام الآخرين له، حتى وإن أبدوا العكس فى الظاهر، بل هؤلاء يتمنّون اختفاءه ويدعون ربَّهم أن يُعجِّلَ أُمنيَّتهم ويُريحهم من ذاك المُزعج المحسوب على الإنسانية، وهى منه براء!
هذا “التحويل” الذى أقصده، أن نسعى جميعا لتحويل مسار حياتنا بتغيير سلوكياتنا، وفرض قيم الأدب والأخلاق والرُقى بدافع شخصى داخلى وليس بإجبار خارجى- سواء كان هذا الإجبار مؤسَّسيًّا أو فرديًّا- فكم ننبهر ونُعجب بسلوكيات أُمم وشعوب صنعوا حضارتهم المُستحدَثَة بأخلاقهم، وهم أنفسهم كانوا يتطلّعون للاقتداء بنا والتعلّم من سلوكياتنا وحضارتنا، منذ 50 عاما فقط؟! فما الذى حدث وتغيَّر حتى تنقلب الأوضاع ونصير فى هذا الدرك الأسفل من الأخلاق والتدنّى، بالرغم من تفاخرنا وتباهينا بأننا أتباع دين يحثّ على الأخلاق والكرامة والرفعة والاحترام؟! إضافة إلى تفاخرنا بأننا أصحاب حضارة بل حضارات عريقة علَّمت البشر معنى الإنسانية والحضارة، صحيح الأيام “دُوَل” فهذه سُنَّة الحياة وإرادة الخالق سبحانه وتعالى، حتى لا تكون حِكرًا على شعب أو اُمَّة دون غيرها، لكن أن نصل لهذه المرحلة من الازدواجية و”الشيزوفرينيا” فى شخصياتنا وسلوكياتنا، فهذا ما لا يتصوَّره عاقل!
لا أُعمِّم، ولا أُحب جَلْدَ الذات، ولا أغلق باب التفاؤل، لكنها خواطر ومقارنات فرضت نفسها على تفكيرى، ونحن نعيش هذه الأيام الجميلة، واُمنيَّات أدعو الله تعالى أن يُحقِّقها فيما بيننا، ببركة الأيام والأشهر الكريمة التى تهلّ علينا، فالإنسان يصعب عليه وضعه وحاله، وتتألم نفسه، حينما يرى الأخلاق الطيّبة والحميدة غائبة فى مجتمعه، وحاضرة بشكل طبيعى فى مجتمعات أخرى.
لا أريد سرد دلائل أو آيات أو أبيات شعر وأقوال مأثورة، كلنا يعرفها ويُردّدها، وإنما أُريد- وجميعنا يريد- أن نعيش اليوم الذى نجد فيه ما نتمناه فى مجتمع تُظلِّله الأخلاق، وهذا ليس بالتمنّى وإنما بالعمل، فهل نبدأ؟!