أصرَّ على تسجيل القرآن مرتلا عندما علم محاولات تحريفه
عرض: جمال سالم
حصلت الباحثة عائشة سالم- المدرس المساعد بقسم أصول اللغة، كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، مدينة السادات- علي درجة الدكتوراه وموضوعها “من الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم من أول سورة المُلك إلى آخر سورة نوح.. دراسة تطبيقية على ترتيل الشيخ الحُصري” وتكونت لجنة المناقشة والحكم من الأساتذة الدكاترة: أحمد علي ربيع، سوسن حسانين الهدهد، إعتماد عبدالصادق عفيفي، محمد متولي منصور.
أوضحت الباحثة أنها تناولت وجوه الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم والإعجاز الصوتي في القرآن الكريم إما أن يكون إعجازًا صوتيًا توقيفيًا وهو ذلك الذي نزل من عند الله تعالى على هيئة مخصوصة من التشكيل أو البناء الصوتي، سواء أكان في كلماته، أم في جمله، أم في آياته، أم على مستوى إيقاع السورة بأكملها، ومدى ملاءمة ذلك وانسجامه مع المعاني التي تقصدها السورة القرآنية، وإما أن يكون هذا الإعجاز مكتسبًا، وهو ذلك الذي تُبرزه طرق الأداء من ترتيل أو تجويد وهو ما يمكن أن يُسمَّى بـ(الملامح الأدائية) من نبر، أو تنغيم، أو تزمين، ومدى اتساق كل هذا مع معاني الآيات أو السور، ولاشك أن تكاتف الإعجاز التوقيفي مع الإعجاز المكتسب يزيد النص القرآني جمالًا صوتيًا من شأنه أن يُدخل المعنى إلى القلب والعقل معًا؛ لأن الأذن تتلذذه وترتاح إليه، وتتمتع بسماعه، والإعجاز الصوتي يتم عن طريق الكشف عن طبيعة العلاقة بين الكلمة ودلالتها، وعلى أساس أن هذا البحث يعالج الصوت القرآني بصفة خاصة فإن المعالجة تكون بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين الصوت وما يدل عليه سواء بواسطة المحاكاة بين الصوت والمعنى قوةً أم ضعفًا، أم بواسطة استيحاء هذه العلاقة واستنباطها من مخرج الصوت وصفته، مع الاستئناس بالتراث اللغوي المتمثل في الرجوع إلى كتب اللغة، وكتب الأصوات؛ للوقوف على العلاقة بين الصوت والمعنى.
هدف الرسالة
أشارت الباحثة إلى أن الهدف من الدراسة يتمثل في محاولة الكشف عن بعض مظاهر الإعجاز الصوتي للقرآن الكريم عن طريق تحليل الصوت ، والأداءات الصوتية أو (الملامح الأدائية) عينة الدراسة بأحد آليات المعالجة الصوتية الحاسوبية اعتمادًا على نطق أحد أئمة القراءة في العصر الحديث ، أما عينة الدراسة ونوعها فقد تَطَلَّب الأمر:
ـ تحديد السور موضوع الدراسة؛ إذ لا يتسع المقام لدراسة جميع سور القرآن، فجاء التحديد من أول سورة المُلك إلى آخر سورة نوح.
ـ تحديد المُقرئ (القارئ) الذي سيتم التطبيق على ترتيله؛ فوقع الاختيار على الشيخ (الحصري)ـ رحمه الله ـ وهو المشهود له بحسن الأداء وجودته.
ـ تحديد الرواية: وهي رواية حفص عن عاصم.
ـ تحديد نوع القراءة: وهي الترتيل.
الهدف الأساسي للرسالة خدمة كتاب الله تعالى، بمحاولة الوصول إلى بعض مظاهر إعجازه، فيمكن أن يكون لأداء بعض القراء المجيدين دورٌ في تجلية هذا الإعجاز، لاسيما إذا كان القارئ واحدًا من شيوخ القراء الذي يمس القلوب بقراءته وأدائه، فتراك تتعايش معه في التلاوة، وإذ بك تسأل نفسك عن سر هذا الجمال الأدائي لهذا القارئ تحديدًا، وما العوامل التي ساهمت في إحداث هذا الجمال؟ وهل قصد الشيخ استخدام هذه العوامل أم أنها جاءت عفوية؟
ولعل هذه الأسئلة كانت السبب الرئيسي لاختيار الموضوع، وقد اعتمدت على ترتيل الشيخِ (الحُصريّ) وهو المشهودِ له بحُسنِ الأداءِ وجودتِه فقد ملأ صوتُه الأرض بتلاوته للقرآن الكريم مرتلًا ومجودًا، وكان على يديه أولُ جمع صوتي للقرآن الكريم مرتلًا ويكفيه شرفًا اختيارُه قارئًا رسميًا للسورة في المسجد الحُسَيني من قِبل لجنةٍ مكونةٍ من فضيلةِ الشيخِ علي محمد الضبع ـ شيخِ عموم المقارئ المصريةـ والشيخِ عبدِالفتاح القاضي ـ شيخِ معهد القراءات ـ والشيخِ عامر السيد عثمان ـ شيخِ مقرأة الإمام الشافعي ـ من بين أشهرِ عشْرةِ قراءٍ في مصرَ والعالمِ الإسلاميِّ ،وهم الشيخُ الفشني، الشيخ عبدالباسط، الشيخ البنا، الشيخ البهتيمي، الشيخ عبدالعظيم زاهر، الشيخ مصطفى إسماعيل، الشيخ أبوالعَيْنين شعيشع، الشيخ المنشاوي، الشيخ محمد سلامة ،وقد قررت اللجنةُ بالإجماعِ اختيارَ الشيخِ الحصريِّ القارئَ الرسميَّ للسورة بالمسجد الحسيني ؛لأنه أجدرُ القراءِ المذكورين تلاوةً، وأحسنُهم أداءً، ولأن قراءتَه أكثرُ مطابقةً لقواعدِ التجويدِ وقوانينَ الأداء.
قامة وقيمة
أوضحت الباحثة أن الشيخ الحصري تقلَّد مناصبَ عدةً كلَّها في خدمة القرآن وكان بعيد النظر في كثير من الأمور الخاصة بالعقيدة، فقد أحس بخطورة التبشيرِ وحملات التنصير في أفريقيا، والتي بدأت بمحاولاتٍ لتحريف القرآن، فأراد أن يكون القرآن مسجلًا على شرائطَ كاسيت أو أسطوانات، فبدأت رحلتُه في تسجيل المصحف المرتل، بعد أن رفض العديدُ من المشايخ والقراءِ الفكرة من بدايتها وبذلك أصبح الشيخُ (الحصريُّ) أولَ صوتٍ يجمع القرآن مرتلًا على أسطواناتٍ في العالم كلِّه ،وكان ذلك بروايةِ (حفصٍ عن عاصم)، وقد كُتب لهذا التسجيلِ نَجاحٌ منقطعَ النظير وظلت إذاعةُ القرآنِ الكريم تقتصرُ على إذاعة صوتِه منفردًا مدة (عشْرةِ أعوامٍ) ثم تابع الشيخُ هذه الرحلةَ بتسجيلِ المصحفِ برواياتٍ عدةٍ، فقد مكث مدةً تقتربُ من العشْرِ سنواتٍ لتسجيل المصحفِ مرتلًا بالروايات المختلفة وقد زار (الحصريُّ) العديدَ من دولِ العالمِ الإسلاميِّ والغربيِّ ورتل القرآنَ الكريمَ في أنحاءِ العالمِ وكان سببًا في هداية العديدِ من الفرنسيين والأمريكيين؛ حيث أشهروا إسلامَهم على يديه بعد سماعِهم تلاوتَه للقرآنِ الكريم ولقَّنهم الشهادتين ،ولأنه خدم القرآنَ الكريم بحق استحق هذه المنزلةَ العاليةَ الرفيعةَ التي جعلتْه علمًا من أعلام التلاوة والترتيل، فإذا ذكر الترتيل كان الشيخُ (الحصريُّ) وإذا ذكر الشيخُ (الحصريُّ) كان الترتيلُ.
نتائج هامة
وعن التوصيات التي توصلت اليها الباحثة أوضحت أن أهم النتائج:
1ـ أثبتت الدراسة أن الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم يكمن في انتقاء الأصوات المناسبة للدلالة على المعنى المراد؛ اعتمادًا على السياق الذي يرد فيه.
2ـ أظهرت الدراسة الإعجاز المقطعي في القرآن الكريم حيث تناسبت عدد المقاطع ونوعها مع دلالة الآيات، كما أثبتت الدراسة الإحصائية مجيئ المقطع القصير (ص ح) في المرتبة الأولى فهو يعد الأكثر ورودًا في السور الخمس، يليه المقطع المتوسط المغلق (ص ح ص)، ثم المقطع المتوسط المفتوح (ص ح ح)، وأخيرًا المقطع الطويل المغلق (ص ح ح ص)، وكل هذا يتناسب مع دلالة الآيات.
3ـ تبيّن من خلال الدراسة الأداء السليم للشيخ (الحصري) حيث حقق مخارج الحروف تحقيقًا سليمًا، وراعى ظواهر النبر، والتنغيم، والوقف، والتزمين؛ مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم «زينوا القرآن بأصواتكم» فحصل له بأدائه حسن الأداء، والنطق الصحيح، ومراعاة قواعد التلاوة، وحسن التراكيب اللغوية التي تعطي إيقاعًا معينًا.
4ـ أظهرت الدراسة أن (الشيخ) اجتهد بدرجة كبيرة في الأداء لتوصيل دلالات معينة للمتلقي وقد وُفق في ذلك ؛فمعظم أداءات الشيخ جاءت متناسبة مع دلالة الآيات التي أشار إليها المفسرون وكأن (الشيخ) كان يقرأ في كتب التفسير قبل ترتيله، وكأن المفسرين كانوا يستمعون لترتيل الشيخ أثناء تفسيرهم، وبهذا يمكن القول: إن الشيخ (الحصري) الأكثر إجادة لأحكام التلاوة، وبهذا يكون أنموذجًا يحتذى به في الأداء القرآني.
5ـ استخدم الشيخ (الحصري) ملمح (الوقف) لإثبات دلالات معينة حيث إن المعتاد عند الشيخ عدم الوقوف أثناء الآية، لكنه وقف في بعض المواضع لإيضاح دلالات معينة.
6ـ جاء المنحنى التنغيمي للشيخ صاعدًا ـ في الأعم الأغلب ـ مع الجمل الاستفهامية وبهذا يكون أداؤه متفقًا مع القائلين بصعود المنحنى التنغيمي على الجمل الاستفهامية.
7ـ تفاوت المدى التنغيمي (السيميتون) صعودًا وهبوطًا عند الشيخ بما يتناسب مع الدلالة؛ حيث صعد المدى التنغيمي عند الانتقال من الجملة الخبرية إلى الجملة الاستفهامية، بينما انخفض المدى التنغيمي عند اتحاد الموضوع فضلًا عن الاتحاد في النوع (خبرًا أو إنشاءً).
8ـ أكدت الدراسة على أن نبر الجملة ليست له قاعدة ثابتة، بل هو يرجع إلى فهم (الشيخ) ،وما يريد أن يؤكد عليه من معانٍ؛ اعتمادًا على تذوقه للمعاني.
9ـ ربطت هذه الدراسة بين التزمين ـ سرعة الشيخ وبطؤه في الأداء ـ والدلالة، وكشفت عن الدلالات التزمينية السريعة، والمتباطئة وعلاقتها بالمقام الذي وردت فيه.
10ـ حاولت الدراسة تقديم وسيلة جديدة لتحليل الصوت اللغوي (القرآني) تبتعد كثيرًا عن الوسيلة التقليدية المعهودة التي كانت تنحصر في الإدراك السماعي، وأصبح من المقبول عمليًا تحليل هذا الصوت المسموع عن طريق الرؤية، فقد نقلت الصورة الطيفية الصوت المسموع إلى أفق الرؤية والمشاهدة ، بل ربما يأتي اليوم الذي تصبح فيه هذه الصورة الطيفية صالحة لأن تحوَّل إلى وسيلة اتصال لمن يتعذر عليهم التواصل السمعي.
11ـ حاولت الدراسة الجمع بين الدراسات اللغوية النظرية من ناحية، وبين الجانب التطبيقي العملي من ناحية أخرى، وذلك عن طريق تحليل لأصوات القرآن الكريم قائم على أحد البرامج الحديثة مع الاستئناس بالتراث اللغوي القديم.