الصيام يصقل شخصية المسلم، ويهذبها، ويسمو بها نحو قيم التراحم، ومكارم الأخلاق، وهو تدريب عملى للصائم على الامتناع باختياره وإرادته عن تلبية رغباته وشهواته لفترة معينة، وأن يعلو على غرائزه لوقت معلوم، وحين يتكرر هذا السلوك الإرادى شهراً كاملاً، فإنه يصبح طبعاً راسخاً فى حياة الفرد المسلم، ذلك الصيام هو صوم البدن والجوارح، صوم من يوقن بأن فى صيامه كل الخير، وكل الهدي، وكل الصلاح والنفع، ومن ثم فلا يضجر، ولا يتبرم، ولا يتأفف، ولا يتسارع غضبه، أو تسوء معاملته للآخرين بدعوى الصيام، أو يخمل ويتكاسل ويقصر فى عمله بسبب الصيام.
والصيام ليس معناه أن تصوم عن الطعام والشراب، ثم تفطر على أعراض المسلمين والمحرمات.
فلسانك لا تذكر به عورة امرئٍ
فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك معايبا فصنها
وقل يا عين للناس أعين
فالصيام أن تصوم عينك عن الحرام، ويصوم لسانك عن الغيبة والنميمة والفحش، وبطنك عن أكل الحرام، وإلا فلا حقيقة للصيام، فعن عبد الله بن مسعود – رضى الله عنه- قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَاَل لنَا رَسُوُل اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم:-: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ متفق عليه .
ويصف النبى – صلى الله عليه وسلم – الصيام بأنه وقاية للمسلم، بما يُلزمه به من معان فاضلة وأخلاق سامية: فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه- أَنَّ رَسُوَل اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَاَل: “الصِّيَامُ جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن إمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين”
فهذه مدرسية الصيام حفظ اللسان وغض البصر، وحفظ الفرج والجوارح، فمن لم يفعل ذلك فليعلم أنه لم يستفد من صيامه، بل حظه من الصيام الجوع والعطش.
وقد نبه الصحابى جابر بن عبد الله – رضى الله عنهما – إلى هذا المعنى فقال: «إذا صُمتَ؛ فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء »
ومن أخلاقيات الصيام الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية رجاء الثواب الذى أعده الله لعباده فى الآخرة وإنها أيام معدودة فى الدنيا ثم نغادرها لنفضى إلى ما قدمنا، وأن الصبر عاقبته حميدة ولذلك يقول الله تعالى لعباده المؤمنين يوم القيامة: «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى الْأيَّامِ اْلخَالِيَةِ »الحاقة: 24 فبعد الثواب ينسى المسلم التعب وينال ثواب الله تعالى على ما قدم. وبالصيام فإن المسلم يصبر على الجوع والعطش فترة محدودة يعقبها فرحة الإفطار الذى ينسى بعدها التعب وشدة الجوع والعطش.
ومن شهر رمضان نستمد الإرادة والعزيمة وفى رمضان نحرص على الحلال والبعد عن الحرام وفى رمضان نتربى على مراقبة الله فى أعمالنا بالإتقان والإحسان فيها قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» البيهقى فى شعب الإيمان.
وإذا لم يعطِ الصيام ثمرته السلوكية فقد أضحى عملاً ميتاً لا روح فيه، وقد قَاَل أَبوهُرَيْرَةَ – رضى الله عنه-: قَاَل رَسُوُل اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم «مَنْ لمْ يَدَعْ قَوْل الزُّورِ وَاْلعَمَلَ به فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَة فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ » البخاري.
وبالصيام نرتقى بأخلاقنا إلى الأفضل. نتعود على الصبر والحلم، نهذب ألفاظنا، ونتحمل ما يصدر من الآخرين، استجابة لأمر ربنا- عزوجل – ونبينا، صلى الله عليه وسلم.
ومما يتعلمه المسلم فى مدرسة رمضان البذل والسخاء، فقد كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ ، كما أن السخاء والبذل باب من أبواب الخير لأولئك الذين لا يقدرون على مشاركة المسلمين صيامهم لمرض ونحوه، فشرع لهم إطعام المساكين فدية للصيام الذى عجزوا عنه، فلئن فاتتهم مشاركة الفقراء والمحرومين فى ألم الجوع، فلن تفوتهم المساهمة فى إطعامهم ورفع جوعهم.
وختاماً
“الصِّيَامُ جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن إمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين”..صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم