مصر بحاجة لمبادرة «100 مليون صحة إنجابية».. طفل كل 13 ثانية مصيبة
الأزمة السكانية «معقدة» وتحتاج إلى حلول جذرية وإلا وقعت كارثة مجتمعية
حور- منى الصاوي:
عقودٌ مضت وثقافاتٍ تبدلت ولا تزال الأزمة السكانية في مصر تمثل المعضلة الكبرى، التي عجزت الحكومات السابقة عن مواجهتها، مولودٌ كل 13 ثانية، أرقام مرعبة تنذر بكارثة قادمة لا محالة، إلا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي اقتحم الأزمة، ووقف على خط النار لمواجهة ذلك «البعبع»، الذي يهدد جهود التنمية ويلتهم ثمار النمو، وأطلق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، الذي يهدف إلى رفع الوعي المجتمعي بشأن تنظيم الأسرة.
الرئيس السيسي تحدث في مناسبات عدة عن خطورة التضخم السكاني، خاصة وأن الدولة تقود خطة تنموية شاملة في ظل المساعي الحكومية للاكتفاء الذاتي، واعتماد الدولة على مواردها ومصادر دخلها القومي، ويلتهم المواليد الجدد نبتة ثمار التنمية، الذي يذهب ريعها إلى توفير الاحتياجات الأولية من الأدوية والأغذية والخدمات، بدلًا من أن يتم استثمارها في القطاعات التي تدفع عجلة الإنتاج، وتنعش موارد الدولة، لتحديث أنظمة التعليم والبحث العلمي وتطوير البنية التحتية وترفع الخدمات الصحية.
«عقيدتي» فتحت الملف الشائك، والتقت د. طارق توفيق، نائب وزير الصحة، ورئيس المجلس القومي للسكان، فماذا قال؟
** ما أبرز التحديات التي تواجه الدولة المصرية في أزمة الانفجار السكاني؟
-الأزمة السكانية «معقدة»، وذات أبعاد متعددة، خاصة في ظل النمو السكاني «غير المنضبط»، إذ يتزايد عدد السكان في السنة الواحدة بمقدار 2 مليون مواطن على أقل تقدير، فضلًا عن سوء توزيع السكان، وتمركز المواطنين في 7% فقط من المساحة الكلية لمصر، أي يعيش نحو 1400 مواطن في كل كيلومتر مربع.
الأزمة السكانية ألقت بظلالها على كافة مناحي الحياة، وتأثرت بها كافة القطاعات، بداية من الصحة، مرورًا بالتعليم، وصولًا إلى تأثر البنية التحتية للدولة، فضلًا عن غياب العدالة في إتاحة فرص العمل، الأمر الذي يؤجج أزمة البطالة، ويرفع نسبة الأمية، خاصة في القرى والنجوع، والبيانات الرسمية الأخيرة أفادت بأن نحو ثلث سكان مصر أميون، و48% من نساء مصر لا يجيدن القراءة والكتابة..ما قبل عام 2015، كانت الدولة تسير بلا استراتيجية سكانية، إلى أن تم وضع استراتيجية بأن يصل سكان مصر عام 2020 إلى 94 مليون نسمة، غير أن الرقم في أكتوبر الماضي، بلغ 101 مليون نسمة بزيادة 7 ملايين عما كان مخططا له، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة.
تنفيذ الإستراتيجية

** إذن، على من تقع مسؤولية تنفيذ تلك الاستراتيجية؟
-الدولة خاضت رحلة طويلة على مدار سنوات عدة لتنظيم الأسرة، بغرض السيطرة على معدل النمو السكاني المتضخم، إلا أن الاستراتيجية السكانية موزّعة على 48 جهة، من بينها وزارات الصحة، التعليم، الشباب والرياضة، مؤسستا الأزهر والكنيسة، ووزارتا الثقافة والتخطيط، الأمر الذي أدى إلى تفتت الجهود، لاسيما مع غياب نظام المتابعة والتقويم، الذي من المفترض أن يقوم على أدلة ومؤشرات واضحة للأزمة السكانية.
كما أن الخطة الموضوعة كانت «عشوائية» بلا أهداف واضحة أو تمويل محدد الجهة، فضلًا عن تشابه المجهودات المبذولة بين كل جهة والأخرى.
جهة مستقلة
** لماذا لم يتم تشكيل جهة مستقلة لمواجهة أزمة الانفجار السكاني؟
-كان هناك مقترح مقدم لهذا الشأن منذ 2017، إلا أن أهدافه تفتت دون أسباب واضحة، إلى أن تصدر المشروع الساحة مرة أخرى، أثيرت مقترحات حول تشكيل جهة مخصصة من الخبراء والوزراء المعنيين بالقضايا السكانية، ويتم وضع خطة ممنهجة أكاديمية مبتكرة لمتابعة تطورات القضية، ويعمل الجميع تحت مظلة واحدة، لإذابة العراقيل والعمل على إيجاد حلول فعلية تتماشى مع احتياجات الدولة ومتطلباتها والمتغيرات التي طرأت عليها، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي، قد أمرا بتنفيذ مشروع «تنمية الأسرة»، الذي يهدف إلى الارتقاء بخصائص السكان، وتقديم خدمات تنظيم الأسرة بشكل فعال لعرقلة النمو السكاني، وقد تشهد الفترة المقبلة خروج المشروع وتنفيذه، على أن ينطلق المشروع من المناطق الأكثر فقرًا على مستوى الجمهورية.
حل الأزمة
** هل وضعت الدولة موطئ قدم في طريق حل أزمة الانفجار السكاني؟
-الأزمة السكانية لن تحل دون تضافر الجهود، الحلول المنفردة لن تأتي بنتائج، بل ستزيد الأمور تعقيدًا. ومصر بحاجة إلى خطاب ديني «مُتزن» يتم من خلاله إيضاح المفاهيم المغلوطة والتائهة بين تحديد النسل وتنظيمه، إضافة إلى تغيير «لهجة» الخطاب الإعلامي التقليدي والإعتماد أكثر على الأساليب الإعلامية الجاذبة لإيصال مدى خطورة القضية السكانية على المجتمع، واختيار مواد تناسب جميع الثقافات، فلا يمكننا مخاطبة محدودي التعليم مثل الأميين مثل الحاصلين على شهادات عليا، فلكل منهم مستواه الفكري ، فمثلا ضبط النمو السكاني ليس مقتصرًا فقط على تنظيم الأسرة، لكن مصر بحاجة إلى رفع وعي الشعب تجاه القضية السكانية، والعمل على كسب تأييد شعبي للقضية.
التحول الرقمي
** اليوم القومي للسكان جاء تحت شعار «قضايا السكان في ظل التحول الرقمي»، كيف يتم تحقيق ذلك في ظل ارتفاع نسبة الأمية؟
-هناك خلط في المفاهيم حول استخدام التحول الرقمي في القضية السكانية، وربط البعض تطبيق التكنولوجيا الرقمية على المواطنين، وهذا غير صحيح، التحول الرقمي هنا يعني «حوكمة قضايا السكان بطريقة رقمية»، وهذا يعني أن يطلّع كل مسؤول عن بيانات النمو السكاني في المحافظة، بما يشمل القرى والمراكز والنجوع، لقياس مؤشرات النجاح والإخفاق للاستراتيجية الموضوعة للسيطرة على الأزمة السكانية، فالتحول الرقمي هنا يخص فقط مؤسسات الدولة المعنية بالقضية السكانية وليس مواطنيها.
رقمنة الدولة
** ضمن خطة الجمهورية الجديدة تتجه الحكومة إلى «رقمنة الدولة»، كيف تعالج التكنولوجيا القضية السكانية؟
-التكنولوجيا الرقمية باتت تتحكم في جميع مناحي الحياة، فلا بد من مواكبة التطورات لبناء نهضة حقيقية يشعر بها المواطن المصري ، والاعتماد على السوشيال ميديا لتوجيه المواطنين حول خطورة القضية السكانية بات أمرًا مُلحًا، لكن لا بد وأن ندرك جميًعا أن قرى مصر ونجوعها بحاجة إلى طرق أكثر بساطة من التكنولوجيا.
الاحتكاك المباشر بالمواطنين البسطاء وتعريفهم بمدى خطورة القضية بحسب درجة ثقافتهم واستيعابهم لهذه الأمور أمر لا يقل أهمية عن التحول الرقمي، فكلاهما حلول حتمية لمواجهة أزمة الانفجار السكاني، إذ يحتاج بسطاء مصر إلى أساليب بدائية وملخصة دون تعقيد، فالأزمة الحقيقية تبدأ عندهم وتنتهي عندهم أيضًا.
الخطاب الموجه لكل شريحة مجتمعية مختلف عن الأخرى، فلابد أن تستند الدولة إلى أسس علمية قائمة على الدراسات والأبحاث والأرقام، على أن يتبنى حملات التوعية تلك مجموعة من المتخصصين في علوم النفس والاجتماع الأسرة.
عيادات الأسرة
** ماذا عن عيادات تنظيم الأسرة في المستشفيات؟
-لا تزال عيادات تنظيم الأسرة تعمل تحت إشراف وزارة الصحة والسكان، وكبدت الدولة مليارات الجنيهات على مدار السنوات الماضية،ونحن بحاجة إلى الدخول في عقول المواطنين قبل بيوتهم، فالمرأة البسيطة تتلقى معلوماتها من مصادر ليست مؤهلة مثل جارتها أو والدتها، وهناك نحو 9.4 مليون سيدة مستهدفة ضمن برنامج ضبط النمو السكاني.
وأناشد مؤسسات الدولة المعنية بعمل ندوات ثقافية ومناقشات فكرية حول القضية السكانية، بالتزامن مع تفعيل الدور الحقيقي لعيادات تنظيم الأسرة، على أن يكون في كل عيادة أخصائي نفسي وطبيب مختص للإجابة على أسئلة السيدات بشكل علمي.
التنمية المستدامة
** كيف تؤثر القضية السكانية على جهود التنمية المستدامة؟
-رحلة ضبط النمو السكاني بها مطبات كثيرة، والبرنامج القومي لضبط النمو السكاني يهدف بحلول عام 2022 إلى خفض عدد المواليد بمعدل 400 ألف طفل في العام، ذلك ضمن خطة الدولة للتنمية المستدامة 2030. ومؤشرات الزيادة السكانية «مرعبة»، حيث تتناسب طرديا مع عجلة التنمية، وتقوض كافة الفرص لتوفير حياة كريمة للمواطنين، وتلتهم الزيادة السكانية نصيب الفرد من الدعم والخدمات والمرافق، فضلًا عن مستوى وجودة التعليم، فكلما زاد عدد الأطفال في الفصول كلما انخفضت جودة التعليم في ظل النقص الشديد في عدد المدارس والفصول.كما تؤرق الزيادة السكانية الموازنة العامة للدولة من حيث تأسيس البنى التحتية، وبناء المستشفيات والجامعات والطرق والكباري والمنشآت، الأمر الذي يكبد الدولة مليارات الجنيهات سنويًا.. كم تؤثر الزيادة السكانية على معدلات الأجور في القطاعين العام والخاص، حيث يقل نصيب الفرد من الدخل في الدول الأكثر اكتظاظًا بالسكان، فضلًا عن تقليص الرقعة الزراعية وظهور المناطق العشوائية وارتفاع معدلات الجريمة، وانتشار ظاهرة عمالة الأطفال.
وتواجه مصر أزمة حقيقية في المياه، وتبذل جهودًا مضنية لتقليص تلك الفجوة في ظل تنامي العجز في الموارد المائية مقابل الزيادة السكانية، فإن الدولة المصرية تسعى جاهدة إلى خفض الفجوة بين الموارد المائية والاحتياجات المتصاعدة للسكان، من خلال مشروعات تبطين الترع وإعادة تدوير المياه.
لم تؤثر الأزمة السكانية على التنمية المجتمعية فحسب، بل تقضي أيضًا على الأخضر واليابس وتعرض حياة الطبيعة للخطر، فيرتبط زيادة عدد السكان طرديًا مع حاجتهم للموارد، ما يدفع الإنسان إلى إزالة الغابات والأشجار وتجريف الأراضي المنزرعة، الأمر الذي يزيد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ويقلل نسبة الأكسجين.
الخطاب الديني
** هل يؤثر الخطاب الديني على معدلات النمو السكاني؟
-الشعب المصري أكثر شعوب العالم تدينًا، وكافة مناحي حياته مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأمور الدينية، وعلماء الإسلام مثلهم كمثل كل الفئات، منهم المستنيرين القارئون والمثقفون، ومنهم من هو ليس بالقدر الكافي الذي يؤهله للتحدث باسم الدين ، وهناك علماء أجلاء يسيرون على نهج الدولة لحل أزمة الانفجار السكاني، بينما يستغل البعض عدم وعي الكثير من أبناء الشعب المصري ويلعب على وتر الحديث الشريف، “تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة”.وعلماء الدين يقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في تصحيح المفاهيم المغلوطة حول مقولة «العيال عزوة»، فلابد من تضافر كافة الجهود الإسلامية والمسيحية لتصحيح المفاهيم المغلوطة لخفض التضخم السكاني.
التدخل الرئاسي
** طالبت مسبقًا بالتدخل الرئاسي العاجل لحل الأزمة السكانية، ماذا عن تصوركم لهذا التدخل؟
-تحدث الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة عن الأزمة السكانية، إذ اعتبرها التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة، وواجه السيسي تحديات لا تقل خطورة عن أزمة السكان بداية من الإطاحة بحكم الإخوان، وصولًا إلى جهود التنمية والمشروعات القومية، التي اجتاحت جميع المحافظات وأشاد بها العالم أجمع، ودائمًا ما يتخذ قرارات مصيرية جريئة تثير الجدل في بداية الأمر، لكنها في النهاية تحقق نتائج مبهرة، ولابد من تدخل رئاسي عاجل لوضع استراتيجية قومية لحل الأزمة السكانية، بمشاركة وزارة الصحة والسكان، والتضامن الاجتماعي، والمجلس القومي للمرأة، ووزارة التخطيط، والثقافة، والأزهر والأوقاف، والكنيسة، كل في مجال تخصصه، تحت مظلة واحدة لوضع معايير محكمة للحملة الإعلامية للمشروع.
تنمية الأسرة
** ماذا عن المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية؟
-وافق الرئيس السيسي في شهر مايو الماضي، على المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، وباتت ملامحه واضحة إلى حد كبير، وحرصت الدولة على رفع كفاءة مستشفيات التكامل الصحي بالمحافظات، فضلًا عن تقديم الدعم اللازم للمشروعات المرتبطة بخدمة المواطن وعلى رأسها مشروعات الصحة والتعليم، كما يهدف المشروع إلى تمكين المرأة، وتشجيعها على العمل وتغيير الثقافة السائدة عن دورها المجتمعي، إضافة إلى تحقيق الهدف من المشروع القومي الخاص بتنظيم الأسرة في ضوء المبادرات الحكومية والأهلية التي تستهدف الأبعاد الأسرية والمجتمعية والسكانية والثقافية، والتمكين الاقتصادي، ويحرص المشروع أيضًا على تدريب سيدات مصر على إدارة المشروعات وريادة الأعمال والتثقيف المالي، فضلًا عن إتاحة وسائل تنظيم الأسرة بالمجان لجميع السيدات من خلال توطين عدد من الأطباء الخريجين المدربين على وسائل تنظيم الأسرة.
ولم تتوان الدولة المصرية في رفع كفاءة الوعي المجتمعي، ووضعت ضمن المشروع محورًا ثقافيًا وتوعويًا وتعليميًا، يستهدف رفع وعي المواطنين بالمفاهيم الأساسية للقضية السكانية وبالآثار الاجتماعية والاقتصادية للزيادة السكانية، فضلًا عن البرامج التأهيلية للسيدات في سن الإنجاب، والشباب من الجنسين المقبلين على الزواج، وإقامة عدد من الفعاليات الثقافية لرفع الوعي بالقضية السكاني، كما خصصت الدولة مبلغ 2 مليار جنيه لصالح المشروع.
الإنفجار السكاني
