لعل من أخطر الأمور على الإنسان أن يعرِّضَ نفسه لشدة غضب الله – عز وجل – فيطبع الله على قلبه، أو يجعل على بصره غشاوة، فلا يبصر الحق ولا يراه، أو يجعل في أذنيه وقرًا، فلا يسمع ولا يبصر ولا يعقل، ولا يعي الحق من الباطل، بل لا يفرق بين ما ينفعه وما يضره، فيصير كالأنعام بل أضل، أو كالموتى، حيث يقول الحق سبحانه: “إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ” (النمل :80-81) ، ويقول سبحانه: “فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ” (الروم : 52) ، بل إن الحق سبحانه وتعالى قد عدهم بمثابة الأموات، فقال سبحانه: “وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُور وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ” ( 22:19) ، ويقول سبحانه: “إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ” (الأنفال :22) ، ويقول سبحانه: “إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ” (الأنعام: 36).
ويقول سبحانه: “أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” (النحل: 108) ، ويقول سبحانه: “فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ”، ويقول سبحانه: “قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ” (النحل: 22) ، ويقول سبحانه : “كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ” (المطففين: 14) ، ويقول سبحانه: “أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ”(محمد:24-25) .
وبيّن الحقُّ سبحانه أن العمى الحقيقي ليس عمى البصر، بل عمى البصيرة فقال سبحانه: “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” (الأعراف : 179) ، وقال سبحانه: “أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” (الحج:46).
ومن الآفات المؤدية لذلك: الكبر، والتعالي، والتعاظم بالمال، أو بالجاه، أو بالحسب، أو النسب، أو بالعلم، فأول الهالكين إبليس لعنه الله كان آفته الكبر والاستعلاء، حيث قال عن آدم عليه السلام: “قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” (ص:76) ، ونسي أن الذي خلقه من نار وخلق آدم من طين هو الله الذي أمره بالسجود.
ومن التعالي بالمال ما كان من قارون ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: “قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ” ، وكانت النتيجة أن خسف الله (عز وجل) به وبداره الأرض: “فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ” (القصص : 81).