د. أندريه زكى: قرار مجتمعى وليس سياسيا.. بـ”حياة المحبة والتعاون”
د. سيد مهران: تأسيس الدولة الإسلامية ترسيخ فعلى للمواطنة الحقة
الأنبا باخوم: “العيش المشترك”.. فى الفعاليات الجماعية
د. منتصر مجاهد: المبدأ الأول.. الحقوق مقابل الواجبات
د. عبدالحليم العزمى: أساس الوحدة الوطنية.. وغرس الانتماء والولاء
الشيخ أشرف الجندى: الرؤية الشرعية تجديدية لإصلاح الإنسان والبنيان
مصطفى ياسين
أكد العلماء أن جميع الأديان السماوية، بل حتى الحضارات والثقافات القديمة والحديثة، إنما جاءت لصالح الإنسان وإسعاده، ومن ثمَّ كان إقرارها وترسيخها لمبدأ المواطنة، فعليا وعمليا، لكل بنى البشر، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، وفى مختلف العصور والأنظمة السياسية.
فى البداية يشير د. القس أندريه زكى- رئيس الطائفة الإنجيلية، رئيس الهيئة القبطية للخدمات الاجتماعية- إلى أن المواطنة ليست قرارا سياديا وإنما هى تتحقّق حينما يُكافح الناس معا من أجل أن يصير العيش المشترك ممكنًا، ويجب ألا تُحصر فى المفهوم السياسى فقط، فالمواطنة مفهوم شامل، وهى أن يكون لدى الناس فُرَصٌ متساوية فى التعامل مع الثروة ومصادر الدخل، فرص متكافئة فى الحياة الاجتماعية، فالمواطنة بجانب كونها سياسية، هى أيضا اجتماعية واقتصادية وترتبط بالعدالة والجماعة ككل، فهى ليست فكرة بل ممارسة، لذا حينما نقول بأن الرئيس السيسى يحقق المواطنة على أرض الواقع، هو يحقّقها بمجموعة من الأفعال وليس الكلمات، وبالتالى فهى تتحقق بالفعل والعبور إلى الآخر واحترامه واحترام الاختلاف معه وتأكيد القيم المشتركة.
وبالتالى، فأى جماعة إذا أرادت أن تعيش حياة المواطنة عليها أن تكافح مع شركائها، تعمل معا، فالمواطنة تتحقق بالفعل وليس بالكلام.
السلام المجتمعى

يضيف د. أندريه: نحن نهتم بشكل كبير جدا بالسلام المجتمعى، وهذا أساس المواطنة، فعلى مستوى الطائفة نساعد عددا كبيرا جدا من كنائسنا على أن تهتم بخدمة المجتمع ككل، لأن أى جماعة تقدِّم خدمة للمجتمع هى تبنى جسورا معه، فمثلا فى أحداث كورونا الأخيرة، كان هناك عدد كبير من الكنائس يقدِّم خدماته للمجتمع ككل، يقدِّمون كراتين أطعمة، مُطهِّرات، توعية ونصح وإرشاد للناس فى التعامل مع الوباء، ولم تكن محصورة على شعب الكنيسة بل كانت للمجتمع المحيط كله، وهذا فى حدِّ ذاته خطوة مهمة للغاية لتطبيق المواطنة وتحققها على أرض الواقع.
وكثير من الكنائس تقوم بعمل أنشطة اجتماعية لخدمة المجتمع ككل، وكثير من الندوات التى تنظّمها الكنائس تكون بالتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف فهى للمجتمع المحيط، وتجد علاقات وثيقة بين الشيوخ والقساوسة. والكنيسة الإنجيلية تهتم كثيرا بموضوع العيش المشترك.
يستطرد د. أندريه: أما الهيئة الإنجيلية، فهى سواء على مستوى التنمية أو الحوار تشارك بفاعلية فى دعم “العيش المشترك”، وفى المؤتمرات التى تُطرح فيها القضايا التى يجب مناقشتها والتعامل معها بعمق وغنى فكرى، وكثيرا ما نسمع عن قصص ومبادرات قام بها الشيوخ والقساوسة، من المشاركين فى المنتدى، فى مجتمعاتهم المحلية، ويتبادلون العلاقات والزيارات، والتفاهم فى كثير من قضايا المجتمع، فنحن نهتم ببناء اللُّحمة الوطنية، والإسهام بدورنا فى إقامة مجتمع السلامة، العيش المشترك، قبول الآخر، حيث أن التنوّع قوّة إيجابية وليست سلبية.
وقد وصلنا بالفعل إلى عشرات الملايين من المصريين- مسلمين ومسيحيين- وقدَّمنا خدمات تنموية على مستويات عديدة، بدءًا من المشروعات الصغيرة إلى مشروعات الإسكان، الإرشاد الزراعى، الزراعة النظيفة، العمل مع ذوى الاحتياجات الخاصة، قضايا التعليم والصحة بتنوّعاتها، وعِمالة الأطفال وغيرها من القضايا التى وصلت إلى عشرات الملايين، فمتوسِّط ما نخدمهم سنويا يصل لـ 3 ملايين مواطن، وأنا شخصيا أشعر بسعادة بالغة حينما أزور مجتمعات نعمل فيها وأرى تأثير التنمية المستدامة على جموع المواطنين، مسلمين ومسيحيين معا، فى بناء مجتمع جيّد، العيش فيه متطور ومقبول.
رابطة الأوطان
ويوضح د. سيد مهران- الأستاذ بكلية أصول الدين، بجامعة الأزهر بأسيوط- أن المواطنة مصطلح مدنى معاصر يشير إلى رابطة الأوطان بقاطنيها، وباعتبار الصورة المعاصرة للأوطان والتى تتمثّل فى دولة مرسومة الحدود مسبقا فى نظام قانونى عالمى يمنحها السيادة فى ذاتها ويمنعها التسيّد الاستبدادى على غيرها من الدول، بهذا الاعتبار أضحى المصطلح وصفا للرابطة القانونية التى يرتبط بها أهل كل دولة بدولتهم ولاءً وانتماءً، متضمنة باقة حقوقية متبادلة بين نظام الدولة وشخص من يتوطّنها دون تمييز فى هذه الحقوق بين شخص وآخر على أساس العِرق أو اللون أو الديانة.
يضيف د. مهران: والشريعة الإسلامية لا تتسع أحكامها للمواطنة بهذا المفهوم فحسب بل إن مفهوم الدولة فى الشريعة ما قام أصلا إلا على هذا المفهوم، بل ليس زعما بلا سند أن تقول بسبق الشريعة فى تقرير وتكريس مفهوم المواطنة القائمة على التعددية فى العرق واللون والدين، وتجريم التفرقة بين مواطنيها على أساس من ذلك.
فمن نافلة القول أن نذكر بأن ثوابت الأحكام فى الفقه تؤكد على أن غير المسلمين من قاطنى دولة الإسلام لهم فيها ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات، اللهم إلا واجبا يُصادم عقيدتهم فتعفيهم منه احتراما لمعتقدهم، مع تقرير واجب بديل لا يصادم معتقدهم، أو تعفيهم مطلقا وتحيلهم إلى ممارسة هذا الحق أو الواجب وفق معتقدهم.
تأطير فقهى
يستطرد د. مهران قائلا: وهذه الأحكام جاوزت كونها عموميات فقهية تأطَّرت فيها موسوعات فقهية- سابقة وسبَّاقة- لعل أشهرها السِفر العظيم المسمّى “السبر الكبير” للحبر والبحر الموسوعى العلامة محمد بن الحسن الشيبانى، أشهر تلاميذ الإمام أبى حنيفة النعمان، وهو مشتهر بين أهل الفقه، ومطبوع مع شرح رائع للإمام السرخسى، عَلَم الحنفية المعروف، وفيه أفاض فى بيان العلاقات الدولية للدولة الإسلامية وعلاقتها بقاطنيها من غير المسلمين، وكذلك الوافدين منهم للإقامة أو الزيارة، وعلاقة مواطنيها من المسلمين وغيرهم بغيرها من الدول، وكلها أحكام ومفاهيم تساير العصر بل تسبقه، رُقيًّا وتحضّرا، وغير ذلك من مؤلفات لعلماء بقية المذاهب فيما صار علما يعرف بعلم السياسة الشرعية.
الانتماء والولاء
ويصف د. منتصر محمود مجاهد- أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس- المواطنة بأنها من الوطن وهي انتماء الفرد الي وطنه، وأن يتمتع بعضويته في بلده وما يترتب علي هذه العضوية من امتيازات، فهي حقوق يقابلها أداء واجبات. وهي مكفولة للجميع بموجب العقد المبرم بين الفرد والدولة. وكونها حقوق وواجبات. فمن يأخذ حقَّه يؤدي ما عليه من واجب، والاسلام كفل كل ذلك دون تفرقة، والمرجعية في هذا ما حدث في وثيقة الصلح في المدينة التى كفلت كل الحقوق لكل الاديان دون تفرقة بين الافراد. فهي حالة التزام من جميع الافراد دون النظر الي عقائدهم او ثقافتهم يأخذوا حقوقهم، وفي حالة وقوع الخلل وعدم تحقيق أمر الدولة والانتماء اليها يعاقَب المقصِّر دون النظر الي ما ينتمي اليه.
أفعال لا أقوال
ويؤكد الأنبا باخوم- النائب البطريركي لشؤون الإيبارشية البطريركية، المتحدث الرسمي للكنيسة الكاثوليكية بمصر- أن المواطنة بدأت تتحقق بالفعل فى مصر، وتعمَّقت أكثر خاصة عقب تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية، الذى يحرص فى كل كلماته بل أفعاله على إقرار وترسيخ قيم ومبادئ المواطنة بين الجميع بلا تفرقة أو تمييز، حيث وجدناها أمرا واقعيا سواء على مستوى القوانين التى تشمل الجميع من حيث الحقوق والواجبات، أو حتى واقع الحياة المعاش.
ويقترح الأنبا باخوم لمزيد من تعميق وترسيخ قيم ومبادئ المواطنة، أن يتم تنظيم فعاليات مشتركة تجمع كل المصريين- مسلمين ومسيحيين- فى مختلف القضايا والأمور المشتركة، وهى كثيرة ومتنوعة وتشمل كل مناحى الحياة، حتى نضع الأسس القوية والمتينة لـ”العيش المشترك”.
الوحدة الوطنية
