أكد د. نادى عبدالله- أستاذ الحديث وعلومه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الازهر بالقاهرة- أن الإحتفال بالمولد النبوى أمر مستحب وليس بدعة كما يدعى البعض لأن بعثته كانت رحمة للعالمين لكن ما يؤخذ على الإحتفال هو وقوع بعض الأخطاء والمخالفات الشرعية من قبل البعض وهذا ما لا نقبله.
أشار إلى أن الطعن فى صحيح البخارى وروايات أبى هريرة المراد منه إسقاط السنة النبوية وليس طعنا فى شخص البخارى وأبو هريرة، واستنكر مطالبة ما يطلقون على أنفسهم بالقرآنيين بتنحية السنة النبوية جانبا والإكتفاء بالقرآن الكريم لأنهم لو كانوا قرآنيون حقا لاتّبعوا سنّة النبى لكن دعوتهم خبيثة يراد بها باطل.
فى السطور القادمة يُلقى الضوء على جهود علماء الحديث فى حفظ سنة النبى وتفنيد الشبهات المثارة حولها.
* نحن فى شهر ربيع الأول حيث مولد النبى يثار الجدل كل عام حول الإحتفال بالمولد النبوى فالبعض يجيزه والآخر يراه بدعة، فما موقفك؟
**للأسف هذا واقع نراه ونسمعه كل عام لكننى أقول أن الإحتفال بمولد النبى من السنة وأمر مستحب ،ويجب على الأمة الإسلامية كلها أن تفرح بمولد النبى لقول الله: “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”،
فنحن نفرح حينما تقع الرحمة والنعمة ومما لا جدال فيه أن ميلاد النبى وبعثته كانت رحمة للبشرية ونعمة كبيرة لا ينكرها إلا جاحد، لذا وجب على الجميع أن يفرحوا بمولد النبى ،ومن لم ينشرح صدره ويفرح قلبه بميلاد النبى ففى روحانيته شئ خطأ وعليه أن يراجع إيمانه، أما من يقولون ببدعة الإحتفال فهم يعتقدون أننا نجعل مولد النبى عيدا يماثل عيد الأضحى وعيد الفطر وهذا غير صحيح ،فمحبة النبى تكون بطاعته وطاعة الله حيث يقول النبى: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده” وفى رواية “ومن نفسه والناس أجمعين”.
مخالفات الرافضين
* لكن هناك مخالفات كثيرة تقع من البعض عند الاحتفال بالمولد وهذا ما يأخذه التيار الرافض للاحتفال؟
** هذه حقيقة فنحن أفضل من يستقبل المناسبات لكننا بكل أسف نسيئ التعامل معها واستغلالها الاستغلال الأمثل! وهذا ما قاله الشيخ الشعراوى ،فالمفترض أننا نحتفل بمولد النبى باتباع سنّته ومدارسة حياته وغزواته ونتّخذه قدوة لنا فى حياتنا وهذا هو الإحتفال الحقيقى.
الطعن فى البخارى
*برغم القول بأن كتاب البخارى هو أصح الكتب بعد كتاب الله إلا أنه لم ينج من الطعن فيه ووصفه بأوصاف يعف اللسان عن ذكرها، فلماذا كيلت الاتهامات للبخارى تحديدا؟ وهل هناك سقطات للبخارى كما يدّعى هؤلاء؟
** القول بأن كتاب البخارى هو أصح كتاب بعد كتاب الله، هذه حقيقة لا جدال فيها، كما أن كتاب الامام البخارى تلقّته الأمة بالقبول واذا اجتمعت الأمة على شئ فان اجتماعهم عليه يدل على قبوله وتحققه ،فالطعن ليس فى شخص الامام البخارى رضى الله عنه إنما هو طعن فى سيرة النبى، فحينما نطعن فى صحيح البخارى نحن نطعن فيما جاء به ومن يشوّهون كتاب البخارى يعلمون جيدا أن هذا الكتاب هو أصح الكتب نقلا لسيرة وأحاديث النبى وهم يريدون الطعن فى السنة النبوية لكن بطريق غير مباشر ،أما عن وجود سقطات للامام البخارى أستطيع القول أن علماء الحديث لا يحابون أحدا، فأشد ميزان موضوع لمعرفة الجيد من الردئ تجده فى السنة فقد وضع علماء السنة أشد القواعد والضوابط للتحقق من صحة الاحاديث وتنقية الصحيح من الدخيل ،والامام البخارى طبق هذه القواعد بل زاد عليها وكان أكثر تشددا من سابقيه فى قبول الحديث ،فقد نص علماء الحديث على عدم قبول أى حديث إلا اذا كان التلميذ معاصرا للشيخ ،لكن الإمام البخارى لم يكتف بالمعاصرة وشدد على ضرورة أن يكون التلميذ قد التقى بالشيخ وأخذ عنه ليقبل حديثه ،كما شدد على ضرورة أن يثبت ذلك بالادلة والبراهين ليقول بصحة الحديث، كما أنه كان شديد التحرى فى قبول أى حديث بعد تطبيق كل هذه القواعد حيث كان يغتسل ويصلى ركعتين ويستخير الله إن كان هذا الحديث ورد عن النبى أم لا فإن وفقه الله وشرح صدره وضعه فى صحيحه لكن إن لم يشرح الله صدره بعد توافق كل هذه الشروط لا يأخذه، وتوجد جزيئة فى غاية الأهمية تغيب عمن يطعنون فى سنة النبى وهى أن كلامه نور هذا النور لا يعرفه الا أهل محبة النبى فالعملية ليست حسابية فقط وتطبيق قواعد وشروط فقط ومن يريد أن يطعن فى كلام النبى لانه لا يعجبه غاب عنه هذا النور فقد قال بعض السلف: إن الحديث له ضوء كضوء القمر نعرفه وله ظلمة كظلمة الليل ننكره ،فعلماء الامة لم يكتفوا بالشروط الموضوعة إنما من كثرة حبهم للنبى واخلاصهم لله كانوا يميزون بقلوبهم النقية إن كان الكلام الذى بين أيديهم هو كلام النبى أم لا، فمن يطعنون فى سنة النبى هم أهل ظلمة وليسوا من أهل النور، ومن هم حتى يطعنوا فى أحاديث النبى؟
البخارى والإسرائيليات
** برأيك هل تم اختراق كتاب صحيح البخارى بدس أحاديث فيه غير صحيحة ولم ترد عن النبى كما يوجد فى بعض كتب السيرة من اسرائيليات؟
** كل ما يوجد فى صحيح البخارى أحاديث صحيحة مائة بالمائة ووردت عن النبى وهذا قولا واحدا لا جدال فيه ،لكن ما أخذه البعض على الإمام البخارى هو تقصير فى فهم المراد من الحديث فالبعض فهم بعض أحاديث وردت فى صحيح البخارى فهما خاطئا فقام بالطعن فيها.
طعن خبيث
*ماذا عن أبى هريرة والطعن فيه والقول بأن فترة اسلامه قصيرة جدا ولا تتيح له رواية كل هذه الأحاديث عن النبى؟
**أبو هريرة صحابى جليل، وسبب الطعن فيه أنه أسلم متأخرا فقد أسلم فى عام خيبر، وصاحب النبى ثلاث سنوات، ومع ذلك هو أكثر من تحمل وروى الحديث عن النبى فقد روى أكثر من خمسة آلاف حديث، وهناك أسباب هيَّأت أبا هريرة ليكون أكثر الرواة، هذه الأسباب تغيب عن الحاقدين الذين يطعنون فى السنة النبوية منها ما هو معنوي وهى أن النبى دعا له بعد ما شكى له تفلّت الحديث منه ،والتفلّت هنا تعنى أنه كان يأتى بحرف مكان آخر ولا تعنى أنه سيئ الحفظ فدعا له النبى فلم ينس حرفا واحدا من أحاديث النبى بعدها، وهذا من أسرار النبوة ،كما أن النبى أمَّن على دعاء ابى هريرة حينما دعا الله وسأله علما لا يُنس، وتأمين النبى بمثابة الختم للدعاء والقبول من الله ،كما أنه رضى الله عنه كان ملازما للنبى حيث كان من “أهل الصُفَّة” والتى تعنى أنه كان يتواجد فى المسجد باستمرار مع بعض الصحابة الفقراء ويعيش على ما يمنحه لهم الأغنياء من المـأكل والمشرب فكان شديد الملازمة لرسول الله كما كانت لديه نية للحفظ ،فالطعن فى أبى هريرة طعن خبيث لأن أكثر مرويات الحديث عنه فعندما يتم الطعن فيه تسقط السنة.
القرآنيون والسنة
*بما ترد على جماعة القرآنيين الذين يقولون أنه لا حاجة لنا فى السنة النبوية ويطالبون بالاكتفاء بالقرآن؟
**هؤلاء لو كانوا قرآنيون حقا ما طالبوا بتنحية السنة النبوية وكانوا أول الناس عملا بالسنة لقول الله: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، فهذه الدعوة لا يُراد بها وجه الله وأود أن أسأل هؤلاء: كيف يؤدّون صلواتهم ويصومون ويخرجون زكاة أموالهم ويؤدون مناسك الحج والعمرة؟ فكل هذه الأمور تعلّمناها من النبى وأخذناها عنه ،فالسنة النبوية هى اللائحة المفسِّرة للقرآن.
تدوين السنة
*بما ترد على الشبهة المثارة حول تدوين السنة والقول بأن النبى نهى أصحابه عن الكتابة عنه؟
** من قال بأن السنة لم تدوّن فى عهد النبى, فالسنة النبوية دوّنت فى عهد النبى لكنها دوّنت بشكل رسمى بعد وفاته لكن الإشكال هنا جاء أن النبى كان يخشى أن تتداخل الأحاديث النبوية مع الآيات القرآنية فنهى البعض عن الكتابة, ومن أمن له أنه لن يخلط بين الحديث والقرآن الكريم أجاز له ذلك فكان عبد الله بن عمرو بن العاص معه صحيفة يدوّن فيها عن رسول الله كما طلب من الصحابة أن يكتبوا لأبى شاه بعض الأحاديث النبوية فكان يوجد تدوين للسنة فى حياة رسول الله لكن كان الأصل الحفظ فى الصدور سواء لأحاديث النبى أم للقرآن.
جهود العلماء
*هل يمكن أن تطلعنا على جهود علماء الحديث فى الدفاع عن النبى وحفظ سيرته؟
**حقيقة أن الأزهر يقوم بدور كبير فى الدفاع عن النبى ورد كيد الطاعنين فى سنته صلى الله عليه وسلم، فيوجد مرصد لرد الشبهات، كما توجد مؤلفات ضخمة فى الدفاع عن السنة وتفنيد الشبهات والرد عليها بالأدلة العلمية ،لكن المطلوب هو اظهار ذلك للناس والنشر فى مختلف وسائل الاعلام وعلى السوشيال ميديا فنحن نحتاج قناة تخصص لنقل سيرة النبى ،كما أننا نقف بالمرصاد لمن يطعن فى سنة النبى والله كافٍ نبيّه وحافظه حيث قال: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”، فالذكر هنا يقصد به القرآن الكريم وسنّة النبى.