“الدين للحياة”.. منهجنا لتطبيق العلوم النظرية واقعيا
الجهل بالدين.. سبب مشاكل كل المسلمين
حوار: مصطفى ياسين
حرص د. آدم عمر جبريل- رئيس جامعة الأنور بالنيجر- على الاعتراف بالجميل لمصر- قبل بدء حوارنا- فقال: أتقدم بجزيل الشكر إلى دولة مصر التى تقوم بالدور الكبير للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وحرصها على رعاية وحماية وتأهيل شباب العالم الإسلامى فى مواجهة حملات التطرف والانحلال.
وكذا أتقدم بالشكر للأزهر الشريف، قِبْلَة المسلمين وحصن الإسلام الوسطى المستنير، وحامل رايته وأمانة تبليغه للعالم كافة.
ولا نستطيع أن نجازي مصر وأهلها ما يستحقون من شكر، ولكن ندعوا الله لمصر وأهلها أن يحفظهم- فهم أصحاب قلوب رقيقة ورحيمة- ويرفع شأن مصر فهى أماننا و”أُمّ” الدنيا، ذلك الاسم المُسْتَحَقّ- على مُسمَّى كما تقولون- فهو لم يأت من فراغ، لأن مصر صاحبة تاريخ عريق فى الحضارة الإنسانية، وشَرُفَت بإقامة عدد كبير من الأنبياء والرسل، أولهم سيدنا إدريس، ثم يوسف ويعقوب وموسى وعيسى، حتى سيدنا محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- مرَّ بها فى الإسراء والمعراج، وجِدَّته أم سيدنا إسماعيل مصرية، وأم سيدنا إبراهيم بن محمد رسول الله، هى مارية القبطية، بل إن اسم “مصر” قيل أنه أحد أبناء سيدنا نوح، وقيل معناه “الحدود”- كما قال الطبرى- لوقوعها على الحدود بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا.
وأكثر من هذا فقد شرَّفها المولى عزَّ وجلَّ بالتجلّى على جبالها فى طور سيناء.ثم بدأ حوارنا التالى.
*نريد تعريفا موجزا عن دولتكم النيجر؟
** النيجر هى دولة تقع فى غرب إفريقيا، ولها حدود مع سبع دول: نيجيريا جنوبا من الشرق إلى الغرب، تشاد شرقا، ليبيا فى الشمال الشرقى، الجزائر شمالا، وأيضا مالى، ومن الغرب بنين وبوركينا فاسو. وهى دولة حبيسة صحراوية، وتقريبا ثلث المساحة فقط صالحة للسكن والمعيشة.
دخلها الإسلام- كما يقول المؤرّخون- منذ القرن السابع الميلادى، بعد دخوله مصر مباشرة حيث وصل إلى ليبيا ومنها إلينا، حيث العلاقات التجارية القديمة، ولذا توجد قبيلة “العرب” وترتيبها السادس بين القبائل الثمانية الموجودة هناك- مثل الطوارق- من حيث عدد الأفراد، بل إن منها الرئيس الحالى “محمد بازوم”، وكل سكان النيجر مسلمين بفضل الله ولا توجد سوى نقطة واحدة فقط غير مسلمين وليس 1% بل أقل كثيرا، من نسبة العدد الإجمالى قرابة الـ 25 مليون نسمة، وإن كان الغالبية يهاجرون لصعوبة وظروف المعيشة الشديدة، فكثير منهم يهاجر إلى نيجيريا، أو ليبيا ومنها لأوروبا، وغيرها.
الجهل بالدين
*وما هى أكبر المشكلات التى تواجهها بلدكم؟
** المشكلة الكبرى فى النيجر هى الجهل بالدين، بل إنها مشكلة كل المسلمين تقريبا، فلو علمنا ديننا حق المعرفة والعلم لما كان هذا حالنا من التدنى والانحدار فى كافة مناحى الحياة، ولما تطاول علينا الآخرون.وهذا ما جعلنى- شخصيا- وكثيرا من إخوانى فى النيجر نحرص على السفر إلى أرض الكنانة بلد الأزهر الشريف كى نتعلّم وننهل من علومها ومعارفها، حتى نعود إلى أهلنا ونخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، وخاصة العلم الدينى المعتدل المأخوذ من المنهج الأزهري الوسطي.فقد تخرَّجتُ من “الكَتاتيب” ورغم حفظنا للقرآن الكريم- برواية وَرْش عن نافع- إلا أننا لم نكن نعرف شيئا من معانيه وعلومه وتفسيره، ولا حتى لغته العربية، وإنما مجرد حفظه وكتابته- عن ظهر قلب- على اللوح فضلا من الله تعالى، وأهلى فى النيجر يُقاومون التحديات من فقر وجهل ويحرصون على التعليم الدينى، بسبب حبِّهم الجمَّ لتحصيل العلم الدينى وخاصة منهج الأزهر الشريف.
أبهرنى الأزهر
*وما الذى تعلّمته من الأزهر؟
** لقد أبهرنى نظام التعليم فى الأزهر من رياض الأطفال والحضانة، والابتدائى ثم الإعدادى والثانوى، فأردتُ نقلَه كاملا إلى النيجر، بعد تجربة شخصية استمرت حوالى 15 عاما، حتى وإن لم تكن متواصلة حيث أننى كثير السفر.
وأدركت من خلال أسفاري المتعددة لبلاد شتى، مدى تميّز الشعب المصرى عن غيره، بما لديه من وعى وروح وحماسة، وصفات لا تُحصى- للأسف أنتم كمصريين لا تدركونه، فصاحب الشيء لا يشعر بقيمته إلا إذا افتقده، حفظكم الله من كل مكروه وسوء- فقد التحقت بمعهد القراءات بمنطقة شبرا، وتخرّجت فالتحقت بكلية القرآن الكريم بمدينة طنطا …، وهذا هو النموذج الذى أسعى لنقله وتطبيقه فى بلدي بالنيجر، وبحمد الله افتتحت معهد القراءات ثم معهد الدراسات الإسلامية بمسمى (معهد الأنور للتعليم العربي الفرنسي) بتصريح من الجهات المسئولة فى النيجر، وبعد إجراء معادلة من الأزهر الشريف.
والحمد لله تم افتتاح جامعة “الأنور” العام الماضى بعد أن استمرت الدراسة بالمعهد 4 سنوات- منذ 2017، وكنت قدمت طلبا قبلها بـ3 سنوات، أى فى 2014 إلى إدارة الأزهر للإشراف على هذه الجامعة الوليدة، وذهبت لجنة وبحثت الأمر لإرسال الأساتذة، وحصلتُ على الموافقة، حيث نقوم بتوفير أماكن السكن للأساتذة ومبعوثي الأزهر، والأزهر يتولى الصرف على البعثة وإرسال الكتب، طبقا للبروتوكول الموقَّع بيننا- وقمت خلال تلك الفترة باستخراج كافة التصاريح والإجراءات القانونية اللازمة من الأجهزة المسئولة فى النيجر، لأننى أريدها جامعة عالمية، وهذا ما دفعنى للتقدم بطلب إلى الأزهر لاعتبارها كفرع له فى النيجر، ومازالت الإجراءات مستمرة لتنفيذ هذا الأمر.
جامعة الأنور
*وما هو نظام العمل بتلك الجامعة؟
** الجامعة تقبل خرِّيجى المعهد من حملة الثانوية، والمراحل التعليمية الدينية السابقة، فضلا عن وجود قسم “التكوين في اللغة العربية والدراسات الإسلامية” (المعادل للثانوية) لكبار السن الذين لم يلتحقوا بالمعهد أو بالمدارس النظامية، بحيث يتم تأهيلهم للالتحاق بالجامعة “الأنور”، وهذا نفس النظام المُطَبَّق فى الأزهر لاستقبال غير المؤهَّلين لُغويا أو دينيا حتى يستطيعوا الالتحاق بجامعة الأزهر، وأنا جعلته بأجر رمزى.
فقر جامعي!
*هل توجد جامعات أخرى سواء دينية أو عادية بمنطقتكم؟
** للأسف الشديد لا توجد سوى الجامعة الإسلامية بالنيجر، أسَّستها منظَّمة التعاون الإسلامى- بمنطقة “ساي” بجوار العاصمة نيامى، ولكنها تبعد عن منطقتنا- “زِنْدِر” أو “دَمَجْرَم” بشرق النيجر، حوالى 1000 كم.
والجدير بالذكر: أنه توجد بعض الجامعات الأهلية وأغلبها أيضا في العاصمة، وأما في مدينة زندر لا يوجد جامعة عربية رسمية -حسب ما أفادته وزارة التعليم- سوى جامعة الأنور، وهي جامعة داخلية لها سكن داخلي، ولها معاهد بتلك المواصفات في مدينة زندر وفي القرى المجاورة، والجامعة خيرية برسوم رمزية.
ومدينة زندر قريبة من مدينة كانو النيجيرية- ومحاطة بثلاث محافظات من داخل: “مارادي”، و”أغاديز”، و”ديفا”. ومعروف أنها أول منطقة دخلها الاحتلال الفرنسى، وكانت قبله تحت حكم دولة المرابطين، ولها نفوذ كبير جدا فى نشر الإسلام والقرآن فى غرب أفريقيا، ومسلموها لا يستطيعون -بكل سهولة- السفر إلى “ساي” للدراسة فى الجامعة الإسلامية.
وتضم جامعة الأنور- وهذا الاسم تيمُّنًا بالأزهر- أربع كليات: اللغة العربية، الشريعة، أصول الدين، التربية، إضافة إلى مدينة داخلية على غرار مدينة البعوث الإسلامية فى الأزهر.
وبحمد الله فإن الإقبال على الالتحاق بجامعة “الأنور” ومعاهدها كبير جدا، لدرجة أنه يوجد طلبة من دول نيجيريا، وغينيا كوناكرى، مالى، وغيرها، وقد أبلغنى “مدير التعليم العربي العالي” أن وزير التعليم العالى فى النيجر طُلب منه تقديم أسماء الجامعات الرسمية، والمتاحة لأبناء نيجيريا، وتم إدراج اسم جامعة “الأنور” فى القائمة، وهذا بفضل الله تعالى. وبالمناسبة هي الجامعة العربية الرسمية والوحيدة في إقليم زندر في قائمة وزارة التعليم.
ومما يذكر فإن منهج النيجر معتمد على المستوى الإفريقى كله.
الدور المجتمعى
*وأين دوركم المجتمعى كجامعة تقدم علمها وخدماتها للمجتمع المحيط؟
** فى جامعة “الأنور” لا نكتفى بالتعليم الدينى فقط بل نُعلِّم الطلبة أسس الزراعة الحديثة والعمل المتطور، وحفر الآبار، ونشترط على أهل القرية التى نقوم بحفر البئر فيها بالجمع بين الاستفادة منه للشرب والزراعة بنظام التنمية المستدامة والترشيد فى الاستهلاك فيما يعرف بـ”التدوير”، فنقوم بحفر البئر ونجعله يعمل بالطاقة الشمسية- كمحطَّات المياه- ونعلّمهم الزراعة حوله بالخضروات المفيدة لهم.
ومن جهتى أقمت علاقات مع الخبراء والمتخصصين فى المركز القومي للبحوث الزراعية فى مصر، للاستفادة فى معرفة أفضل البذور والخضروات التى يمكن زراعتها فى النيجر، وطلبوا منى إحضار جزء من التربة، وحدث هذا فعلا، وأرشدونى لأفضل المزروعات الممكنة، وهذا نعلمه أبناءنا وأهلنا هناك.
وهذا أيضا تطبيق لما نتعلمه فى الأزهر، فليس فقط تعليم صلاة وعبادات بل أسلوب حياة ومعيشة “الدين والحياة”.
ولتحقيق ذلك المنهج اشترينا قطع أراضى زراعية بجوار الجامعة لتطبيق مناهجنا الدراسة عليها، فزرعنا: البطاطس، البصل، الملوخية، البامية، البطيخ نوع فلسطينى، وحاليا نُجَرِّب الفول، الفاصوليا، العدس، التفاح البلدى، ولكن الخُضْرَة قليلة لدينا مثل: الكزبرة، البقدونس، الشَبَت. وموجود فى الشمال التمر لوجود الآبار.
ومما يذكر أن منظومة من منظومات “مؤسسة الأنور الخيرية بالنيجر” والتي أسستها لنشر الثقافة العربية الإسلامية المصرية الأزهرية، وللخدمات الإنسانية.
قضايا النيجر
*ما هى أبرز القضايا الاجتماعية التى يعانيها المجتمع فى النيجر؟
** نحن كدولة حبيسة وتعانى الفقر، كغيرها من الدول الإفريقية، لكنها فكريا وثقافيا تنتمى إلى فرنسا. أما دينيا فهى إسلامية، وشبابها يتطلعون لفرص العمل القليلة جدا بسبب غياب الشركات الاستثمارية الكبرى، نظرا لعدم وجود الطاقة أو الكهرباء، وندرة المياه العذبة- باستثناء وجود نهر بجوار العاصمة فى الغرب- أما باقى الدولة فتعتمد على مياه الأمطار وبالتالى المياه الجوفية والآبار، فالأمطار تبدأ فى شهر يوليو وتنتهى فى سبتمبر، والأكثر خطرا هجوم “الجراد” الذى يأكل الأخضر واليابس ويجعلها كالصحراء جرداء، لذلك فسنويا يوجد إقليم يعانى من المجاعة.