فتحي الدويدي
كشفت رسالة علمية أن تطور الطب المعاصر الذي تمخض عن التكنولوجيا الطبية بصفة عامة – المتعلقة بالمرأة بصفة خاصة أدي إلى تطور على الصعيد الأخلاقي – فلم تعد الاخلاق الطبية التقليدية وحدها كافية لمواجهة المعضلات التي أسفرت عنها الثورة الجينومية ، مشيرة إلى أن كل عصر له معضلاته التي تحتاج إلى وقفة من المفكرين ورجال الدين الذين يقع عليهم عبء و مسئولية دراسة هذه المعضلات ومحاولة إيجاد مبادئ أخلاقية لمواجهتها،فقد لقد أصبحت الأخلاق ذات ضوابط اجتماعية إلزامية، ولم تعد مجرد قضايا معيارية مرتبطة بالضمير.
وكان الباحث محمد إبراهيم محمد المنير امام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف قدر حصل على درجة الماجستيرفي كلية عن رسالته التي حملت عنوان : المعالجات الفلسفية والدينية للممارسات الطبية والبيولوجية المتعلقة بالمرأة، تكونت لجنة الإشراف من الدكتورعادل عبداسميع عوض أستاذ المنطق وفلسفة العلم بكلية الآداب جامعة المنصورة ، والدكتور عبدالجواد متولي عبدالجواد استاذ النساء والتوليد بكلية الطب جامعة المنصورة ، فيما ضمت لجنة الحكم والمناقشة برئاسة الدكتور عباس محمد حسن سليمان أستاذ الفلسفة الإسلامية وعميد كلية الآداب دامعة الأسكندرية سابقا، وعضوية كلا من الدكتور صلاح عثمان أستاذ فلسفة العلم ورئيس قسم الفلسفة بكلية الأداب جامعة المنوفية -عضوا، والدكتور عبدالجواد متولي عبدالجواد استاذ النساء والتوليد بكلية الطب جامعة المنصورة- مشرفا، الدكتورعادل عبداسميع عوض أستاذ المنطق وفلسفة العلم بكلية الآداب جامعة المنصورة- مشرفاً.
وبحسب الرسالة فإن هذه الممارسات المعاصرة أدت إلى تجريد المفاهيم الإنسانية من معانيها السامية، واندثار القيم المعنوية الروحية المميزة للمجتمع الإنساني، وانتشار قيم مادية، وهذا يمثل خطر جسيم على المجتمع الإنساني يجب العمل على تداركه إنقاذا للبشرية، فكل الاعتراضات التي توجه لإنجازات التكنولوجيا الطبية المعاصرة تدافع عن الهوية والموروث الثقافي .
وأكدت الريالة أن موقف علماء الدين من إنجازات الممارسات الطبية موقف فلسفي بجانب إنه موقف دینی عقائدی ، وذلك لأن رجال الدين يستندون في موقفهم على أسس عقلية تقيمية وليس فقط على مبادئ الدين، لذا يكون حكمهم الأخلاقي على هذه الممارسات أقرب إلى الموضوعية ولديه القدرة على الصمود أمام حجج المعارضين، لأن حيثيات هذا الحكم عقلية، مشيرة إلى أن فالسبيل الوحيد أمام الإنسانية لإنقاذ نفسها من منزلقات العلم وتطوراته ، تفعيل المرجعية الدينية ودور الفلسفة في مواجهة قضايا ومشكلات العلم – ولاسيما الطب- وهذا ما اعترف به الأطباء وعلماء الطب في الآونة الأخيرة .
ولفتت الدراسة غلى أن آخر طور وصلت إليه التكنولوجية الطبية يتمثل في إنجازات الهندسة الوراثية والتحوير الوراثي في مجال الطب، تلك الإنجازات المترتبة على مشروع الجينوم البشري ، التي يرتكز بصفة أساسية على الجينات ، والتوصل إلى فك رموز اللغة الجينومية ، وفك شفرة الموروثات ، مما كان له أثر بالغ في الحقل الطبي والتوصل إلى نمط جديد من العلاج يطلق عليه العلاج الجيني ، ونمط مستحدث في الممارسات المتعلقة بالأمومة في مجال التكاثر بالحمل غير الطبيعي.
وأوضحت الدراسة أن قضية (الأمومة) من أخطر القضايا التي استخدمها المعارضون لعملية الإخصاب خارج الرحم فهم يرون أن دخول طرف ثالث فيها يؤدي إلى ضياع “معنى الأمومة”. وتتوقف “الأمومة” على العلاقة التي تربط الطفل بأمه. فإذا ألغينا هذه العلاقة، لأننا لم نعد بحاجة إليها ، فإن تركيبة المجتمع ككل ستتأثر ، ولهذا لابد أن يعالج الموضوع معالجة حذرة.
وقدم الباحث من خلال دراسته رؤية نقدية تقييمية لأهم الإنجازات في الحقل الطبي في مجال المرأة بحيث ما يتعلق بها من الأمومة مع الوقوف على الأسس الدينية والفلسفية لأخلاقيات تطبيق هذه الممارسات، لإلقاء الضوء على إيجابياتها وسلبياتها التزاما مني بالروح الموضوعية ، إذ إن عصرنا – عصر التكنولوجيا – يمكن أن يسمى عصر تلاقي المتناقضات ، فالسمة الازدواجية هي المميزة للتكنولوجيا ولعصورها، فبالرغم من أن للتكنولوجيا الطبية المعاصرة إيجابيات أفادت البشرية، لها أيضا سلبيات تهدد حياة الإنسان، فالعيب ليس في التطور العلمي في الميدان الطبي أو التكنولوجيا الطبية ذاتها، ولكن في التطبيق السيئ لإنجازاتهما على أرض الواقع.
وناقشت الرسالة كيفية معالجة ما استجد من وسائل طبية حديثة تتعلق بالمرأة (الأم) من وجهتي النظر الفلسفية والدينية ؟
وتناول الباحث موضوع الأمومة الطبيعية والحمل غير الطبيعي، حيث استعرض مشكلة فلسفية معقدة تتعلق بالرحم الاصطناعي بديلا عن رحم الأم يحاول فيها الباحثون الأطباء تطوير رحم اصطناعي , حيث نجد أن الحمل بهذه الطريقة يسمى تقنيًا التوالد الخارجي ، فهناك من أيده وهناك من عارضه، ونعرض وجهة نظر كلا الفريقين، كما ناقش قضية الإجهاض، والجدل الأخلاقي بشان علاج الجنين، والرؤية الدينية للممارسات الطبية والبيولوجية المتعلقة بالمرأة، ومنها الإخصاب الطبي المساعد ، والإجهاض وأحكامه، وتحديد نوع الجنين.
و,اكدت الدراسة أن القيمة الجوهرية للتكاثر هي انتقال المعلومات الوراثية اللازمة لتكوين ونمو الأفراد من الآباء إلى الأبناء من أجل استمرار أنواعها على هذه الأرض إلى أن يشاء الله, والطريق الطبيعي المعتاد للإنجاب والتناسل في الإنسان هو التكاثر الجنسي, الذي هو سنة الله في خلقه, كل فرد منا بدأ تكوينه عن طريق بويضة مخصبة نتجت من إخصاب بويضة الأم بالحيوان المنوي للأب, لذلك تعتبر العلاقة الجنسية الاتصال الجنسي بين الذكر والأنثى (الزوج والزوجة) متطلباً أساسياً للإنجاب في البشر.
وحذرت الدراسة من تحول مختلف تقنيات الأرحام الاصطناعية إلى محاضن لتوليد أطفال يجري استغلالهم في أعمال مختلفة، ولاسيما الجماعات المتطرفة، أو مخاطر تتعلق بتعطل هذه الآلات أو انقطاع التيار الكهربائي، خاصة في الدول النامية؛ ما يهدد حياة هؤلاء الأطفال.
وأوضحت الدراسة اعتراض البعض على تطبيق تقنيات الأرحام الاصطناعية ؛ تخوفًا من استخدامها لزرع جنس محدد للجنين، والتحكم في الصفات الوراثية، والمعايير وأسس الاختيار في حالة الإعاقات، وهي ممارسات تتم بالفعل، مثل تلك المتبعة في إجراء الإخصاب الخارجي، وهي جميعها عوامل تحدد الدعم المتوقع المقدم لهذه التقنية، وما إن كانت موجهة لصالح الآباء، أم يمكن أن يساء استخدامها بطريقة أخرى، وقد ذهب البعض إلي أن تقنيات الأرحام الاصطناعية تحمي الأمهات من الآثار الجانبية للعقاقير والعلاجات التي تعطى للجنين، وبذلك يمكن تطبيق العلاج الجيني أو الدوائي أو العلاج بالخلايا الجذعية، وبالمثل، يمكن أن تحمي الأرحام الاصطناعية الأجنة من الأمراض والأدوية والمخدرات، التي قد توجد في جسم الأم.
وبحسب الدراسة أيضا قإن التحليلات والفتاوى والإرشادات الرافضة والمستنكرة للاستنساخ البشري جاءت من كل حدب وصوب، من رجال الدين إلى رجال السياسة مرورًا بالعلماء والمفكرين والمثقفين، فالخبر الصدمة يمس صميم حياة الإنسان ويفتح جدلًا لا ينحصر في الكرامة البشرية والعقيدة الدينية فقط، بل يتعداهما إلى التعقيدات الفسيولوجية التي يمكن أن تأتي من هذه التلاعبات بالجهة وتؤدي إلى تشوهات ووفيات.
وأكدت الدراسة أن الاجهاض ظاهرة اجتماعية بالغة الخطورة والتعقيد تتداخل بشأن أسبابها عوامل اجتماعية واقتصادية وأخرى قانونية وأخلاقية وطبية، فضلا عن آثارها السلبية على الفرد والمجتمع على حد سواء كما تصارعت بشأن تجريم الاجهاض واباحته، والحالات التي تجوز فيها ممارسته قديما وحديثا قيم وعقائد شرعية وأخلاقية، وأخرى فكرية وفلسفية، ومهما تضاربت الآراء بشأن هذا الموضوع، فإن الإجهاض يؤلف خطورة على المجتمعات الإنسانية وأخلاقياتها.
وتوصلت الدراسة إلى جواز معالجة العقم بين الزوجين بالإخصاب الطبي المساعد داخليًا أو خارجيًا في ظل ضوابط معينة بعد استنفاذ وسائل العلاج الشرعية الأخري وعدم تدخل طرف ثالث.، وجواز تجميد البييضات وأنسجة المبيض وفق ضوابط معينة.
وأوصت الدراسة بإنشاء لجان تتبع نقابة الأطباء أو وزارة الصحة هدفها مراقبة تطبيق أخلاقيات الطب، لأن نقابة الأطباء وحدها لا تكفي كون الأخلاق الطبية موجودة، ولكن لا تطبق، والدليل الإنتهاكات والفوضى الموجودة بالمستشفيات العامة، ولكن إذا وجد من يمثل منظمة المراقبة تطبيق الأخلاق الطبية في كل مستشفى، قد يقلل ذلك من صور التعدي والمساوئ الأخلاقية المنتشرة في دنيا المستشفيات وعالم الطب.
وطالبت الدراسة بمنع تجارب الإستنساخ التكاثري لأنها تهدد الكيان الإجتماعي وأنظمته ولا سيما الأسرة ، وحظر كافة أنواع التجارة البشرية كبنوك الأجنة وبنوك الأعضاء التجارية وغيرها، وحظر تجارب إختيار جنس المولود إن لم يوجد هناك مبرر طبي مثل منع إنتشار بعض الأمراض الوراثية المرتبطة بالنوع لأنها تؤدي إلى خلل في التوازن العام بين الجنسين، وهذا قد يدمر العلاقات الإنسانية مثل علاقة الزوجية والأنظمة الإجتماعية.
كما أوصت الدراسة بإيجاد تشريعات في القوانين الوضعية لحظر بيع البويضات والمني والأجنة المجمدة وتأجير الأرحام، وذلك منعا لما يترتب عليه من معضلات أخلاقية تهدد المجتمع، ولعمل على نشر ثقافة أخلاقيات الطب لتبصير العامة بحقوقهم وكيفية الحفاظ عليها.
وشددت الدراسة على أهمية مواكبة رجال الدين والأخلاقيين والمفكرين والفلاسفة للتطور العلمي والتكنولوجي ولاسيما في المجال الطبي، لأنه يتعلق بحياة الإنسان لتقديم رؤية تقييمية نقدية ترصد ايجابياتها وسلبياتها تمهيدا لإصدار حكم أخلاقي بصددها من أجل الإستفادة من إيجابياتها لما فيه خير البشرية ورقي المجتمع الإنساني والحد من سلبياتها وأضرارها منعا لإنتشار معضلات أخلاقية تمس كيان الإنسان وحفاظا على إستقرار الكيان الإجتماعي.