في هذه الأيام يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة ، ومن المناسب في مثل هذه الاحتفالات تصحيح بعض المفاهيم التي تنوقلت عبر العصور عن المرأة ، وعن نظرة الرجال إليها ، وموقف الإسلام الصحيح من كل ذلك .
أولا : يردد البعض أن حواء سبب نزول آدم من الجنة ، وأنها أغوته بالأكل من الشجرة ، فكان ذلك سبب شقائه وولده من بعده ، ويبنون على ذلك أن المرأة سبب شقاء الرجل وتعاسته في هذه الحياة .
وهذا القول منقول عن الإسرائليات ، وليس له أي أساس من الصحة ، ولكن القرآن الكريم هو الوحيد الذي أنصف حواء من تلك الفرية التي نسبت إليها زورا وبهتانا ..
قال تعالى “وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ “
وبهذا الجواب يتضح بجلاء أن المرأة بريئة من هذه التهمة ، وأن الامتحان والابتلاء كان من الله لآدم وحواء معا، وقد أغواهما الشيطان بمخالفة أمر الله والأكل من الشجرة ، ومحاولة إلصاق التهمة بالمرأة وحدها ، وأنها سبب الشقاء لآدم وذريته إلى يوم القيامة ، كذب وافتراء على المرأة ، وقد بينه الحق سبحانه وتعالى في كتابه .
ثانيا – مشاورة المرأة :
من المفاهيم المغلوطة أيضا مخالفة مشاورة المرأة ، ويردد البعض مقولة و ” شاوروهن وخالفوهن ” وينسبونه إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم . وليس هو بحديث ، وإنما هو كلام مختلق ، ولعله تسرّب إلى العامة من الرافضة المبتدعة ، وغير ذلك من الكلام الممجوج الذي يتردد على ألسنة العامة ، بقصد التهوين من عقل المرأة ومكانتها ، وتسفيه أحلامها ، وأنها لا قيمة لها في الحياة إلا أن تكون فراشا للرجل ، وأن تحمل ، وتضع ، وتعمل كخادمة للرجل في طبخ أكله ، وغسل ملابسه ، وينتهي دورها عند هذا الحد دون مشاركة له في صنع مستقبل حياتهما وأولادهما ، وهذا الكلام أبطله القرآن الكريم ، وأثبت خطأه ، وكذبه ، ففي سورة البقرة ، يقول الحق سبحانه وتعالى ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا)
وهذا يدعونا إلى تفعيل مبدأ مشاورة المرأة في كل ما يتعلق بالبيت والأسرة ، وغيرهما ، كمشاورتها في أسلوب تربية الأبناء ، ونوع التعليم ، وكذا في أمر زواجهما ، وكل ما يتعلق بمستقبل الأسرة لا بد أن يكون للمرأة دور فيه .
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام طبق مبدأ مشورة المرأة في أمر غاية في الخطورة يتعلق بشأن المسلمين العام ، وكان فيه صلاح المسلمين جميعا .
ففي صلح الحديبية ، بعد أن صالح النبي قريشا ، على أن يعود من عامه ، ويذهب للعمرة في العام القابل ، وأن يضع الحرب عشر سنين بينه وبين قريش إلى غير ذلك من الشروط ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا“. قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة.
واستشار عمر رضي الله عنه حفصة في المدة التي تحدد لابتعاد الزوج عن زوجته وأمضى كلامها وأصدر مرسوماً بذلك .
وذكر ابن حجر في الإصابة عن أبي بردة عن أبيه قال: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة رضي الله عنها، إلا وجدنا عندها فيه علماً . وقال عطاء: كانت عائشة أفقه الناس وأحسن رأياً في العامة .
ثالثا – مسألة القوامة :
جعل الله عز وجل الرجل قيما وراعيا على أسرته ، لأنه الذي يسعى ويكدح وينفق ، ولأنه الأكمل عقلا ، قال تعالى ” الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ” ولكنه لم يغفل حق المرأة ومكانتها وصلاحها ، فقال بعد ذلك مباشرة حتى يعلم الأزواج قدرها وحقها :” فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ” وباسم القوامة تنتهك حقوق المرأة ، في التعليم ، والتعبير عن الرأي ، وفي المشورة ، وفي العمل ، وفي إبداء رأيها حتى في زواج أبنائها ، بل وربما في زواجها مع من ستعيش معه بقية حياتها ربما لا تستشار فيه فقد ورد في الحديث عن بن بُرَيْدَةَ عن أبيه قال جَاءَتْ فَتَاةٌ إلى النبي e فقالت إِنَّ أبي زَوَّجَنِي بن أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ قال فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا فقالت قد أَجَزْتُ ما صَنَعَ أبي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ ليس إلى الْآبَاءِ من الْأَمْرِ شَيْءٌ ”
هذا هو التطبيق الصحيح والأمثل لتعاليم الإسلام ، لولاية الرجل على المرأة وقوامته عليها لكن بعض هؤلاء قد يستبيح شتمها ، وإهانتها ، وضربها ، وإذلالها ، بدعوى أنه الرجل وأن أمر القوامة إليه ، فالقوامة تعني أكثر ما تعني المسئولية في القول والعمل ، والتصرف ، بما يتفق وصحيح الدين وليس المراد بها الانتقاص من كيان وقيمة مخلوق كرمه الله وجعله شريكا للرجل في خلافته وإعمار كونه ،
حفظ الله مصر** حفظ الله الجيش