الإنسان يؤجر على الصمت وإن تكلم قد يؤجر وقد لا يؤجر
في ضوء رسالة الأوقاف في نشر الوعي الرشيد المستنير دينيًا ووطنيًا وثقافيًا ، أطلقت وزارة الأوقاف بالتعاون مع إذاعة القرآن الكريم صالونها الثقافي الرمضاني اليوم الاثنين ٤/ ٤ /٢٠٢٢م عقب صلاة القيام من مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها )، بالأمسية الرمضانية الأولى بعنوان : “الصيام وأمانة الكلمة” ، شارك فيها أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، والأستاذ/ علي حسن رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط ، والأستاذ/ محمد نوار رئيس الإذاعة المصرية ، ود/ على الله الجمال إمام مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) ، وذلك مع الالتزام بجميع ضوابط وإجراءات التباعد الاجتماعي.
وفي كلمته هنأ أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الحضور بشهر رمضان المبارك وبعودة هذه الأمسيات الدينية إلى بيوت الله (عز وجل) بعد انقطاع للظروف التي مر بها العالم كله ، ولكن بفضل الله تعود الروح إلى المساجد لتؤدي جانبًا من رسالتها العظيمة ، فالمساجد ليست للصلاة فحسب إنما هي للصلاة وقراءة القرآن والذكر والتسبيح ومدارسة العلم ، ولا شك أن هذه الأمسيات تمثل جزءًا كبيرًا من بناء الوعي الذي نسعى إليه.
مؤكدًا أن الغاية من الصيام هي تحقيق التقوى بكل معانيها كما في قوله تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” ، والتقوى هي صدق الخوف من الله (عز وجل) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه”، أى أن من لم يمسك لسانه وسائر جوارحه عن المعاصي فيقع تحت الوعيد في الحديث النبوي الشريف : “رُبَّ صائمٍ حظُّهُ مِن صيامِهِ الجوعُ والعطَشُ” ، ورُوي : “أنَّ امرأتينِ صامتَا على عهْدِ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) فجلسَتْ إحداهما إلى الأُخرى، فجعَلَتا تأْكُلانِ لُحومَ النَّاسِ، فجاء رجُلٌ إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هاهنا امرأتينِ صامَتَا، وقد كادَتا أنْ تموتَا مِن العطشِ، فأعرَضَ عنه رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) ، ثمَّ جاءه بعدَ ذلك فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّهما واللهِ لقد ماتَتا، أو كادَتا أنْ تموتَا، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ائتُوني بهما، فجاءتا، فدعا بقدَحٍ، فقال لإحداهما قِي فقاءت مِن قَيحٍ ودَمٍ وصديدٍ، حتَّى قاءت نِصفَ القدَحِ، وقال للأُخرى: قِي فقاءت مِن قَيحٍ ودَمٍ وصَديدٍ، حتَّى ملأتِ القدَحَ ثمَّ قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ هاتينِ صامتَا عمَّا أحَلَّ اللهُ لهما، وأفطَرَتا على ما حرَّمَ اللهُ عليهما؛ جلسَتْ إحداهما إلى الأُخرى، فجعَلَتا تأكُلانِ لُحومَ النَّاسِ.
وأن الكلمة حجة لك أو عليك يقول سبحانه: ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ “، ويقول سبحانه : ” إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ” ، ويقولون أن الكلمة أحدٌّ من السيف وأمضى من السهم ، وأنفذ من الرصاص، وفي هذا يقول الشاعر:
اِحفَظ لِسانَكَ أَيُّها الإِنسانُ
لا يَلدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعبانُ
كَم في المَقابِرِ مِن قَتيلِ لِسانِهِ
كانَت تَهابُ لِقاءَهُ الأَقرانُ
ويقول (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ (رضي الله عنه) ناصحًا: “أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ” ، ويقولون العاقل يجب أن يفكر قبل أن يتكلم ، ولا يتكلم قبل أن يفكر ، والأحمق من يتكلم دون أن يفكر ، يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ” ويقول أيضًا: “إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ يُضحِكُ بها جلساءَه يهوي بها من أبعدَ من الثُّريَّا” ، ويقول تعالى : ” مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” ويقول سبحانه: ” وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا”.
موضحًا أن الكلمة أمانة ومسئولية عظيمة ، وقد قالوا: الكلمة كالسهم إذا خرجت لا تعود وبعض الكلمات أو الأفعال تكون مسمومة تستقر في القلب فتميته ولا نستطيع إحياؤه مرةً أخرى، وكم من كلمة قتلت صاحبها.
ومحذرًا من جماعات الشر التي تكذب ثم تكذب وتتنفس كذبًا وأنهم يقعون تحت طائلة قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : “إِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا”.
مؤكدًا أن الصيام لا يمكن أن يجتمع مع الكذب ، وإذا كان الصدق مطلوبًا في كل حال ففي حال الصيام أوجب ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : “كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكل ما سَمِع” ، وهو أن يكرر الإنسان ما يسمعه دون أن يُعمل عقله فيما يسمعه ، فهذا ينقل الشائعات دون أن يفكر ، ويشارك الشير دون أن يفكر ، أما العاقل فلا يكتب ولا يشير ولا يقول إلا ما يُعمل فيه عقله في أى مجال كان سواء كان في مجال الإدارة أو البيع أو الشراء وغيرها .
مشيرًا إلى مواصلة هذه الأمسيات طوال شهر رمضان المبارك وما بعده في المساجد الكبرى إسهامًا في نشر صحيح الدين وفي بناء منظومة قيمية وأخلاقية راسخة تتسق مع معاني الإسلام السمحة ، فالعبادات ليست مقصودة في ذاتها وفقط بل أيضًا فيما يترتب عليها من أخلاق تنعكس على سلوكيات المسلم، إعمالًا لقوله (صلى الله عليه وسلم): “إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ”.
موضحًا أنه لدينا نخبة كبيرة من الأئمة تقدم أنموذجا مشرفًا ، نستطيع أن نقدمها عبر وسائل الإعلام بكل فخر بما وصل إليه مستوى أئمة وزارة الأوقاف.
وقد قدمت وزارة الأوقاف عدة مسابقات تركز على فهم مقاصد كلمات وآيات القرآن الكريم لنقضي على التطرف والإرهاب ونواجه من يقتلون الناس باسم الدين ومواجهة الفكر السقيم بالفكر الصحيح ، وأن المسابقات شهدت تفاعلًا مجتمعيًا كبيرًا وخاصة مسابقة “شهر القرآن” بالتعاون مع إذاعة القرآن الكريم ، حيث شارك في اليوم الأول ٢٢٠٠ ، وفي اليوم الثاني ٢٤٠٠ من مختلف طبقات المجتمع بما يؤكد التفاف المجتمع حول البرامج الجادة والهادفة.
مشيدًا بالتزام وانضباط الجماهير في المساجد بصورة إيجابية تدعو إلى الفخر ، وتعطي صورة واضحة عن مدى حب الناس لله (سبحانه وتعالى) ، ولعودة الدعوة في المساجد ، مشيرًا إلى أن عودة الدروس لها دور في التوعية والتثقيف.
وفي كلمته قدم الأستاذ/ علي حسن رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط الشكر لمعالي أ.د/ محمد مختار جمعة على ما قام به من دور بطولي عظيم بمنع غير المؤهلين علميًّا من اعتلاء منابر المساجد ، فحررها من التطرف والغلو ، واستطاع بحسن قيادته وإدارته السيطرة على المنابر من خلال علماء متخصصين ، يقدمون للمجتمع الدين الوسطي الذي أراده رب العزة (جل وعلا) لعباده.
مؤكدًا أن أعداء الوطن يستخدمون الكلمة لنشر الفتن والأكاذيب ، وعلينا متابعة الصفحات المسئولة ، التي يعبر كل منها عن الواقع ، ويقدم للمواطن المعلومة الحقيقية ، وتعد مرجعية حقيقية في التعرف على الأخبار ، والأحداث من وسائل مرئية ، ومسموعة ، ومقروءة .
موضحًا أن أعداء الوطن يستخدمون حروب الجيل الرابع لنشر الفتن ، والتطرف والانحراف عبر مواقعهم وصفحاتهم المسمومة ، وأن لدينا وسائل إعلامية تتسم بالمسئولية وتتسم باليقين، وعلينا أن نأخذ الحذر مما تبثه هذه الصفحات المشبوهة.
مشيرًا إلى أن المواطن في ظل ثورة المعلومات لم يعد ينتظر المعلومة وإنما يتابعها فور حدوثها من أي مكان على مستوى العالم فقد أصبح العالم بمثابة قرية صغيرة.
مشيرًا أن الإعلام عليه دور كبير في دعم أواصر الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ، وقد ظهرت العلاقات الراسخة بين أبناء الشعب المصري جلية في العاصمة الإدارية الجديدة والتي عانقت فيها المآذن الكنائس ، فنحن أبناء شعب مصر طوق النجاة لهذا الوطن ، صدعنا بإرادتنا مواجهين معا التطرف والإرهاب لنحمي وطننا ونبني بلدنا ، وننشر قيم التسامح واحترام الآخر والمحبة والمساواة وتمكين المرأة المصرية.
وفي كلمته أكد د/ على الله الجمال إمام مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) أن الإنسان يؤجر على الصمت ، وإن تكلم قد يؤجر وقد لا يؤجر ، وأن سهولة تداول الكلمة يمثل خطرًا عظيمًا في وقتنا الحاضر ، فالكلمة فيها طاقات ومعان قد تكون إيجابية تهدف لبناء المجتمع وقد تكون سلبية ، ولابد من اللجوء إلى المتخصصين لتوضيح الأمور التي تخص الشأن العام، فالفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم ، وإذا أدبرت عرفها كل أحد.
محذرًا من خطورة الكلمة في الدعوة إلى الله فهي عظيمة ، قد تنفر الناس عن دين الله ، وقد ترغبهم وتحببهم في دين الله ، وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : لا تبغضوا الله إلى عباده ، مشددّا على ضرورة الحذر من اجتزاء الكلام بغرض التحريف فهذا غش وتدليس .
وفي مداخلة للأستاذ/ محمد نوار رئيس الإذاعة المصرية وجه الشكر لمعالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على الدعم والمساندة الكبيرين للإذاعة المصرية ، مؤكدًا أن هذه الأمسيات الثقافية تدعم الدور الثقافي المهم للإذاعات المصرية ، وتشكل وعي المجتمع المصري ، مشيرًا أن هذا الدور لا يكمل ولا يتم إلا بدور رجال وزارة الأوقاف ، إضافة إلى الدور المجتمعي الذي تقوم به وزارة الأوقاف وتميزت فيه من خلال مشروعاتها المتعددة في مجال البر وخدمة المجتمع وآخرها مشروع صكوك الإطعام.