العبد الصائم يحقق غاية التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي
د. السيد عاطف خليل:
لا تخرج النفس من رمضان بعد ترويضها وتهذيبها إلا وقد صارت نفسا مطمئنة
الشيخ عبد الخالق صلاح:
بالحرص على الطاعات والقربات.. يزيد إيمان الإنسان وترقى أخلاقه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أدار الندوة:
إبراهيم نصر
تابعها: محمد الساعاتى
تصوير: عادل حسام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكد العلماء المشاركون فى ندوة وزارة الأوقاف وجريدة “عقيدتي” أن الصيام فيه إعلاء لقيمة المراقبة لله تعالى في المعاملات والأخلاق، وأن العبد الصائم يحقق غاية التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وأن نفس الإنسان لا تخرج من رمضان بعد ترويضها وتهذيبها بالصيام عن كل ما حرم الله إلا وقد صارت نفسا مطمئنة، وبالحرص على فعل الطاعات والقربات يزيد إيمان الإنسان، وترقى أخلاقه، وأن من الجوانب الإيمانية والأخلاقية فى رمضان أن يواظب العبد المسلم وأن يمزج بين الصيام والقرآن، فيصلح الصيام جانب المعاملات مع الناس بالتقوى والصبر والعفو عن الناس، ويصلح القرآن جانب القلب بكلام الله وقيام الليل.
قالوا: إن الصائم الحق لا يكذب ولا يغش ولايخون ولا يغتاب أحدا، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)، فترك الكذب والغش ثمرة من ثمار الصيام.
أضافوا: نعلم جميعا أن رمضانَ هو شهر الأخلاقِ وشهر الصبرِ، وشهر الصدقِ، وشهر البر، وشهر الكرمِ، وشهر الصلةِ، وشهر الرحمةِ، وشهر الصفحِ، وشهر الحلمِ، وشهر المراقبةِ، وشهر التقوى، وكل هذه أخلاق يغرسها الصوم في نفوسِ الصائمين.
أقيمت الندوة برعاية كريمة من الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، بمسجد الفتح برمسيس بالقاهرة تحت عنوان: “الجوانب الإيمانية والأخلاقية في الصيام” وأدارها الكاتب الصحفى الزميل إبراهيم نصر مدير تحرير عقيدتى، وحاضر فيها كل من: الدكتور السيد عاطف خليل عضو الإدراة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بوزارة الأوقاف، وفضيلة الشيخ عبد الخالق صلاح إمام وخطيب مسجد الفتح برمسيس.
جوانب إيمانية وأخلاقية
وفى بداية كلمته بالندوة توجه فضيلة الدكتور السيد عاطف خليل بالشكر للقيادة السياسية حراس الثغور الذين حموا الوطن من المتاجرين بالدين، كما توجه بالشكر للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على نشاطه وإخلاصه لدينه ووطنه، وحيا الدور والتعاون المثمر بين جريدة “عقيدتي” ووزارة الأوقاف بمثل هذه الندوات التي بها الخير والبركة، ثم تحدث عن موضوع الندوة قائلا: الصيام له جوانب إيمانية وأخلاقية نفيدها من قوله تعالى: “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، إذن: الهدف الأسمى من الصيام هو التقوى، والتقوى أربعة أشياء: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، فإذا وجدت معك هذه الأربع فأنت متقٍ، فالخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل -أي: القرآن المنزل- والرضا بالقليل مما رزقك الله، لأن المقسم هو الله، والاستعداد ليوم الرحيل، فإذا عملت بهذه الأربع فأنت من خيار المتقين، وعن رب العزة جل جلاله: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”، فالعبادات -كالصلاة والزكاة والحج- الناس تراك وأنت تفعلها، أما الصوم فهو بين العبد وربه، ولهذا فإن جزاء الصوم لا يقدر بعدد من الحسنات، وعلينا أن نسارع في صنوف الطاعات جميعا قال تعالى: “وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، وقال تعالى: ” فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ” وقال تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، والمتأمل في الآيات والحديث يرى عجبا بأن الصيام والصبر والعفو عن الناس، يوفى صاحبه أجره بغير عدد ولاحساب، فماذا لو اجتمعت الثلاثة في رمضان ويكون هذا من أعظم الجوانب الإيمانية والأخلاقية في الصيام، وفي الصيام صبر على الامتناع عن الشهوات، وأيضا عفو عن الناس قال: “وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ”، إن هذا لهو إعلاء لقيمة المراقبة لله تعالى في المعاملات والأخلاق.
بين الصيام والقرآن
أضاف لدكتور عاطف خليل: ومن الجوانب الإيمانية والأخلاقية أن يواظب العبد المسلم وأن يمزج بين الصيام والقرآن، فيصلح الصيام جانب المعاملات مع الناس بالتقوى والصبر والعفو عن الناس، ويصلح القرآن جانب القلب بكلام الله وقيام الليل، فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَنَّ الصِّيَامَ وَالْقُرْآنَ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ، وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: رَبِّ، مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيَشْفَعَانِ” ولعظم جزاء الصائمين بما عاد عليهم فى جانب المعاملات والأخلاق والإيمان، جعل الله لهم باب في الجنة خاص بهم لا يدخله سواهم قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ).
وفي الصيام تهذيب للنفس من الشح والبخل وهو من الجوانب الأخلاقية، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) وقال أيضا: فيما رواه البزار في مسنده قال سلمان: إن كان لا يقدر على قوته، قال: على كسرة خبز أو مذقة لبن أو شربة ماء كان له هذا)، كما أن الصائم الحق لا يكذب ولا يغش ولايخون ولا يغتاب أحدا، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)، فترك الكذب والغش ثمرة من ثمار الصيام ..
إصلاح النفس
ويوضح الدكتور عاطف خليل أن من الجوانب الإيمانية والأخلاقية في الصيام إصلاح النفس، والبعض يسأل السؤال المهم: كيف تكون الشياطين مسلسة بالأغلال في رمضان والبعض يرتكب الذنوب والمعاصي؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ)، وللإجابة على هذا السؤال يرى المتأمل أن الذنوب ترتكب في رمضان بسبب النفس الأمارة بالسوء حتى في رمضان، وقد قسمت النفس إلى ثلاثة أقسام:
1- النفس الأمارة بالسوء: قال تعالى: “وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي”.
2- النفس اللوامة: قال تعالى: “لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ”.
3- النفس المطمئنة قال تعالى: “يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي”، ومن الجوانب الإيمانية والأخلاقية في الصيام، جانب إصلاح النفس بعيدا عن وساوس الشيطان فلا تخرج النفس من رمضان بعد ترويضها وتهذيبها إلا وقد صارت نفسًا مطمئنة، فاللهم ياربنا تقبل صيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا وزكواتنا وصالح أعمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وتوفنا وأنت راض عنا، ولا تخرجنا من رمضان إلا وقد غفرت جميع ذنوبنا، كيوم ولدتنا أمهاتنا.
مدرسةٌ إيمانيةٌ
وفى كلمته بالندوة أكد الشيخ عبد الخالق صلاح أن الصيامَ مدرسةٌ إيمانيةٌ للصائمِين، وأن الغايةَ مِن الصيامِ هي التقوىَ، لقوله تعالى: َ”يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.(البقرة: 183)، ومضمونُ التقوى: امتثالُ الأوامرِ، واجتنابُ النواهِي. وهذا يتحققُ في الصومِ، لأن العبد يكون في غايةِ التقوىَ والإيمانِ، ولهذا يقول الرسول الكريم صلَّى اللهُ عليه وسلم كما جاءَ في الصحيحينِ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، وهنا يقولُ الإمامُ النوويُّ: معنَى إيمانا: أي تصديقا بأنه حق مقتصدٌ فضيلته، ومعنَى احتسابا: أن يريدَ اللهَ تعالى وحدَه لا يقصد رؤيةَ الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، والمراد بقيام رمضانَ (صلاة التراويحِ).
أضاف فضيلة الشيخ عبد الخالق صلاح: فاحرص أخي الصائم على الأعمال التي تزيد إيمانِك، مِن الذكر والتسبيحِ والقيام وتلاوة القرآن وغير ذلك، قال تعالى: “وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا” (الأنفال: ٢)، وقالَ جل شأنه: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”. (الرعد: ٢٨). فذكر الله عز وجل فيه حياة للقلب وطمأنينة وسكينة، فيزداد إيمان العبد كلما أكثر من ذكر ربه، وفي شعب الإيمانِ للبيهقِي عن عطاء بنِ يسار أن عبد الله بنَ رواحه قال لصاحب له: تعالَ حتى نؤمنَ ساعةً، قالَ أو لسنَا مؤمنين؟ قال: بلى ولكنا نذكر اللهَ فنزداد إيماناً. وقال عمير بن حبيبٍ: الإيمان يزيد وينقص، فَقِيل فمَا زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنَا ربنا وخشينَاه فذلك زيادته، وإذا غفلنَا ونسينَاه وضيعنا فذلك نقصانه.
احذر نقص الإيمان
ويحذر الشيخ عبد الخالح قائلا: فاحذر أخي الصائم مِن كل ما ينقص إيمانك، ولا سيما سوء معاملة الجيرانِ، يقول صلَّى الله عليه وسلم: (وَاللَّهِ لَا يُؤْمِن وَاللَّهِ لَا يوئمن وَاللَّهِ لَا يُؤْمِن، قِيلَ: وَمَن يَا رَسول اللَّهِ؟ قَالَ: ”الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ). (رواه البخاري)، فعلينا أن نعلم جميعا أن رمضانَ هو شهر الأخلاقِ وشهر الصبرِ، وشهر الصدقِ، وشهر البر، وشهر الكرمِ، وشهر الصلةِ، وشهر الرحمةِ، وشهر الصفحِ، وشهر الحلمِ، وشهر المراقبةِ، وشهر التقوى، وكل هذه أخلاق يغرسها الصوم في نفوسِ الصائمين، ولقد ربَّي الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم الصائمين على أرفعِ القيمِ الخلقيةِ وأنبلِهَا حيثُ يقولُ: “الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ” (البخاري ومسلم).
وقد ذكرَ بعضُ العلماءِ أنَّ الصومَ إنَّما كانَ جُنةً مِن النارِ؛ لأنَّهُ إمساكٌ عن الشهواتِ، والنارُ محفوفةٌ بالشهواتِ، فالحاصلُ أنَّهُ إذا كفَ نفسَهُ عن الشهواتِ في الدنيا كان ذلك ساتِرًا لهُ مِن النارِ في الآخرةِ.” (فتح الباري)، فالصومُ جنةٌ: أيْ وقايةٌ من جميعِ الأمراضِ الخلقيةِ، ويفسرهُ ما بعدَهُ ” فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ” فإنْ اعتدى عليكَ الآخرونَ بسبٍّ أو جهلٍ أو أذىً فقلْ: ” إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ”، وليس هذا على سبيلِ الجبنِ والضعفِ والخوَرِ، بل إنَّها العظمةُ والسموُ والرفعةُ التي يربِّي عليها الإسلامُ أتباعَهُ، وسواءٌ كان هذا القولُ تلفظاً صريحاً، أو كان تذكيراً داخليًا لنفسِهِ بأنَّهُ صائمٌ، فكلاهُمَا فيه تذكيرُ النفسِ بحفظِ الصيامِ من اللغوِ الذي قدْ يفسدهُ، وفيه نوعٌ مِن أنواعِ الصبرِ الكثيرةِ التي تجتمعُ في الصيامِ. والمعني: إنِّي في غايةِ التقوى والتحلِّي بأخلاقِ الصيامِ، ولا ينبغِي لي أنْ أفسدَ صومِي بالردِّ عليك بهذه الأقوالِ البذيئةِ، فإذا حاولَ إنسانٌ استفزازَكَ بمَا يحملُكَ على ردِّ إساءتِهِ، ومقابلةِ سبِّهِ بسبٍّ، فعليكَ أنْ تدركَ أنَّ الصومَ يحجزُكَ عن ذلك، لأنَّه جنةٌ ووقايةٌ مِن سيءِ الأخلاقِ، شرعَهُ اللهُ تعالى ليهذبَ النفسَ، ويعودَهَا الخيرَ، فينبغِي أنْ يتحفظَ الصائمُ مِن الأعمالِ التي تخدشُ صومَهُ، حتى ينتفعَ بالصيامِ، وتحصلَ له التقوى وحسن الخلق.
طريق الخيرِ والشر
ويوضح فضيلة الشيخ عبد الخالق صلاح أن الصيامُ ليسَ مجردَ إمساكٍ عن الأكلِ والشربِ، وإنَّما هو إمساكٌ عن الأكلِ والشربِ وسائرِ ما نهَى اللهُ عنه، فعن أبي هريرةَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: “ليسَ الصِّيامُ من الأكلِ والشُّربِ إنَّما الصِّيامُ مِن اللّغوِ والرَّفثِ، فإن سابَّك أحدٌ أو جهِلَ عليكَ فقلْ: إنِّي صائمٌ إنِّي صائمٌ” .(ابن حبان، والحاكم وصححه). وفى الصحيح “عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَه”، فقد خلقَ اللهُ تعالى الإنسانَ ورسمَ له طريق الخيرَ وطريق الشرَّ، قال تعالى: “أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ *وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ” (البلد 8 – 10). والمعنى: أنَّ اللهَ تبارك وتعالى أنعمَ على الإنسانِ بهذه الجوارحِ وعرفه طريقَ الخيرِ والشر، عرفَه طريقَ الخيِر كي يسلكَه ويلزمَهُ، كما عرفَه طريقَ الشرّ حتى يجتنبَه ويبتعد عن مسالِكِهِ، وبهذا لا يكونُ للعبادِ على اللهِ حجة يومَ القيامةِ. وفي هذا المعنى يقول صلَّى اللهُ عليه وسلم: “اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ”. ( متفق عليه).
لاتؤذى جيرانك
ويختتم الشيخ عبد الخالق بقوله: فعلينا إخوة الإسلام أنْ نلتزمَ طريقَ الخيرِ مِن صيامٍ وقيامٍ وطاعاتٍ حتى نخرجَ مِن رمضانَ وقد تحققَ فينا قولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلم: (َغفر ما تقدمَ مِن ذنبِهِ)، وليكن لك العبرة والعظة من هذه المرأةِ الصوامةِ القوامةِ. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: (هِيَ فِي النَّارِ)، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: (هِيَ فِي الْجَنَّةِ) ”. (أحمد وابن حبان والحاكم وصححه)، فاحرصْ أخي الصائمَ على كلِّ ما يزيدُ إيمانَكَ ويحسنُ أخلاقَكَ مِن طاعاتٍ وقرباتٍ، واجتنبْ كلَّ ما يُنقصُ إيمانَكَ، ويسئُ أخلاقَكَ مِن معاصيِ وسيئاتٍ.