تلبية أمر الله هى المقصود من كل العبادات .. لا مجرد الفعل
الشيخ محمد حسن:
عبادة مالية بدنية قولية تجمع بين عمل القلب وفعل الجوارح
أدار الندوة:
إبراهيم نصر
تابعها:
إسلام أبو العطا
محمد الساعاتى
تصوير: أحمد ناجح
أكد العلماء المشاركون فى ندوة وزارة الأوقاف وصحيفة “عقيدتى” أن الله سبحانه وتعالى يسر على المسلمين مناسك الحج، ولا تيسير بعد تيسير الله ورسوله، وتيسير الله ورسوله عام فى كل شعائر الدين، وخاصة فى فريضة الحج، لأن الحج فيه مشقة كبيرة، وهو جهاد لا قتال فيه، بل أفضل الجهاد الحج المبرور.
قالوا: إن تلبية أمر الله هى المقصود الأول من كل العبادات، فلا قيمة لأداء العبادات إن لم يقصد بها وجه الله تعالى، يقول المولى سبحانه وتعالي في كتابه العزيز: “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين” (الأنعام: 162).
أضافوا: إن مشروعية الحج في الإسلام قامت على مقتضى تعبدي مقصوده في نية الحاج تعظيم الله سبحانه وتعالى – فقط – وإظهار طاعته في تلبية طلب ونداء الله عز وجل، وكذلك الحال فى كل العبادات التى فرضها الله على عباده، دون البحث عن علة أو فائدة، ظهرت هذه العلة أو تلك الفائدة أو لم تظهر، فالمقصود هو الامتثال لأمر الله.
أقيمت الندوة برعاية كريمة من الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، بمسجد العزيز بمدينة بدر بالقاهرة، تحت عنوان: “التيسير فى الحج”، وأدارها الكاتب الصحفى الزميل إبراهيم نصر مدير تحرير “عقيدتي”، وحاضر فيها كل من: الدكتور محمود ضاحي عبد الرءوف عضو المراكز الثقافية بديوان عام وزارة الأوقاف، وفضيلة الشيخ محمد حسن عبد العظيم إمام وخطيب بأوقاف القاهرة، وحضرها فضيلة الشيخ إبراهيم البحيري أمين الفتوى بالأزهر الشريف، وفضيلة الشيخ محمد عمر إمام مسجد العزيز بمدينة بدر، وفضيلة الشيخ إبراهيم رضوان إمام وخطيب بأوقاف القاهرة، وجمع من أهالى الحى الثانى بمدينة بدر.
امتثال لأمر الله
في بداية كلمته بالندوة عرف الدكتور محمود ضاحي الحج في اصطلاح فقهاء المسلمين قائلا: هو قصد البيت الحرام في زمن مخصوص بأفعال مخصوصة في مكان مخصوص بنية أداء المناسك من وقوف وطواف وسعي ورجم وغيرها، ومشروعية الحج في الإسلام قامت على مقتضى تعبدي مقصوده في نية الحاج تعظيم الله سبحانه -فقط- وإظهار طاعته في تلبية ندء الله عز وجل، كما جاء في صحيح الإمام البخاري عن عمر رضي الله عنه: أَنه جاء إِلَى الحجرِ الأَسود فقبلَه فقال: “إِني أَعلَم أَنك حجر، لا تضر ولاَ تنفع، ولَولاَ أَني رأَيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك”، لأن عمر – رضي الله عنه – علم أن مقصود العمل ليس لذات الفعل وإنما هو امتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، الذي أمر بالفعل، فلو حج مسلم لا لقصد طاعة الله وعبادته له في فعل الحج فكل أعمال الحج عبث لا اعتبار لها، لانتفاء قصد التعبد، فعَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: “الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).
تيسير عام وخاص
أضاف الدكتور ضاحي: ولما كانت العبادة مقصدها الطاعة لأمر الله – تعالى – وأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – كانت رحمة الله بعباده واسعة، إذ يسر لهم في التكاليف الشرعية ما يساعدهم على أدائها، وكان ركن الحج من التكاليف الشرعية التي خصها الله بالتيسير. والتيسير في الحج نوعان: تيسير عام وتيسير خاص، أما التيسير الخاص فمقصده التيسير في أعمال الحج، والتي منها،
أولا: التيسير في تنوع المناسك، فلم يكن الحج نوعا واحدا يجبر على فعله الناس، بل يسر الله على عباده ووسع عليهم في تنوع المناسك، إذ جعلها سبحانه على ثلاثة أنواع (إفراد – تمتع – قران).
ثانيا: التيسير في المكان الذي يحرم منه الحاج، والحج له ميقات زماني وميقات مكاني، أما التيسير في جانب الميقات المكاني إذ إنه أجاز للإنسان الذي فاته الميقات المكاني ويمر على جدة أن يحرم من جدة ولا شيء عليه، وإن فاته وكان لا يمر على جدة رجع إلى ميقاته فأحرم منه وإلا أحرم من مكانه ويجبر ذلك بدم.
ثالثا: التيسير في الطواف: إذ جعله سبعة أشواط تبدأ من الحجر الأسود وإليه ينتهي، فإذا حدث له ناقض وضوء خرج فتوضأ ثم أكمل بعد الشوط الذي وقف عنده، ولا يأمر أن يأتي بالطواف من أوله.
رابعا: التيسير في صلاة الركعتين خلف مقام الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، إذ جعل الأمر فيه ليس مختصرا على مكان بعينه -أي أن يكون المقام أمامه مباشرة- ولكنه اشترط أن يجعل المقام بينه وبين الكعبة ولو فعل ذلك خلف المقام بمسافة كبيرة.
خامساً: التيسير في السعي: والسعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج، فكان التيسير فيه بأن يبدأ الحاج من الصفا وينتهي إلى المروة شوطا، ويبدأ من المروة وينتهي إلى الصفا شوطاً آخر، ويسر فيه للذي لا يستطيع السعي ماشيا أن يسعى راكبا، وكذلك أمر الرجال بالسرعة عند الميلين الأخضرين ولم يلزم النساء بذلك، وأمر التيسير كان ملازما في جميع مناسك الحج، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على عظمة هذا الدين وسماحته.
لبيك اللهم لبيك
وفى بداية كلمته بالندوة أنشد فضيلة الشيخ محمد حسن:
حجاج بيت الله طوفوا واسعدوا
بالقرب منه واسألوه متابا
الله جمّعكم بأطهر بقعة
وحباكم فضلا منه وتابا
ثم أردف قائلا: لما أذن إبراهيم الخليل في الناس بالحج لبت الأرواح في عالمها لبيك اللهم لبيك:
يا ذاهبا نحو الحبيب عساك
تتلوا السلام إذا وصلت هناك
بلغ رسول الله منا تحية
فهو الشفاء لدائنا ولداك
مؤكدا أن التيسير شعار الأمة، ومراد الله تعالى منا ولنا وبنا قال تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” وقوله : “ولا يريد بكم العسر” نفي لضد اليسر، وقد كان يقوم مقام هاتين الجملتين جملة قصر نحو أن يقول: ما يريد بكم إلا اليسر، لكنه عدل عن جملة القصر إلى جملتي إثبات ونفي، لأن المقصود ابتداء هو جملة الإثبات لتكون تعليلا للرخصة، وجاءت بعدها جملة النفي تأكيدا لها.
فرق بين التيسير والتساهل
وأوضح فضيلة الشيخ محمد حسن أن التيسير يعني الأخذ باليسر والسهولة والفارق بين التيسير والتساهل واضح في كون التيسير له مستند من الشرع، بخلاف التساهل المبني على الهوى من غير أصل شرعي، ودعوة الإسلام للتيسير في كل مناحي الحياة من عبادات ومعاملات وغيرها من أحكام الدين الحنيف الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: “وما جعل عليكم في الدين من حرج” وعبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إن الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ” أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.
مرة فى العمر
أضاف: ولا نعني بالتيسير أبدا التساهل في دين الله، بل المقصود من التيسير الحرص على أمهات الدين، وعدم الانشغال بالسنة وتضييع الفرض أو الواجب، ومن يدعو للرخصة فهذا الذي رزقه الله العلم، ومن دعى للشدة والعسر فقد دل على قلة فقهه، قال سفيان الثوري رحمه الله: “إنَّما العلمُ عندنا الرُّخصةُ مِن ثِقَةٍ، فأما التشديدُ فيُحسِنُه كُلُّ أحدٍ”.
ومن هنا نعود للتيسير في الحج من خلال انطلاقنا من عنصرين:
أولا: التيسير في الحج عامة.
ثانيا: التيسير في مناسك الحج خاصة.
أما الأولى فالتيسير في الحج عامة يبرز في: فرض الله الحج مرة في العمر ويشهد لذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: خطَبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: “أيُّها النَّاس.. قدْ فرضَ الله عليكم الحَجَّ فحُجُّوا”، فقال رجلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت، حتَّى قالهَا ثلاثًا فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لو قُلتُ نعمْ لوَجَبتْ، ولَما اسْتَطَعْتُم”. أخرجه مسلم في صحيحه.
نية القلب وفعل الجوارح
ويستطرد فضيلة الشيخ محمد حسن قائلا: الحج عبادة مالية بدنية قولية فعلية تجمع بين عمل القلب بالنية وفعل الجوارح، حيث إن العبادات في الدين إما بدنية فقط كالصلاة أو مالية فقط كالزكاة، فجمع الله الثوابين في الحج، ومن العبادات القولية فقط كالقرآن والذكر ومنها الفعلية فقط كالزكاة، ومن العبادات: العبادات التركية كالامتناع عن الطعام والشراب والشهوات في الصيام، وقد جمع الله الخيرات كلها في الحج، ولم يفرض الله الحج إلا على المستطيع قال تعالى: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)” سورة آل عمران. ولحديث أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ” قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ قَالَ: “الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ” أخرجه أبو داود بسند حسن.
ويشير إلى جواز أداء الحج ماشيا وراكبا وقائما أو قاعدا أو مستلقيا، مع كونه عبادة تدخلها الإنابة عن الغير، تيسيرا على غير القادرين، ويكفينا شعار النبي صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع حين كان يرد على كل سائل (فعلت كذا قبل كذا) فيقول صلى الله عليه وسلم: “افعل ولا حرج”، فاللهم ارزقنا حج بيتك الحرام وسائر أبناء المسلمين اللهم آمين.