تحتفل الأمة الإسلامية هذه الأيام بالذكرى العطرة لهجرة النبي ﷺ، والتي تعد حدثا فاصلا بين مرحلتين من أهم مراحل الدعوة الإسلامية حيث غيرت الهجرة مجرى التاريخ الإسلامي وشيدت على إثرها الدولة الإسلامية المباركة.
وكانت لهذه الهجرة التي أمر بها سيد الخلق ﷺ فضلا في بداية للتأريخ الهجري والذي بدأ العمل به في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه 20 من جُمَادى الآخرة عام سبعة عشر من هجرة النبيِّﷺ.
ولقد هيأ الله عز وجل لهذا الأمر رجالاً ونساءً، فلم تكن الرجال تلك الفئة المساندة والمؤازرة لهجرة الرسول ﷺ فقط بل كانت هناك كتيبة أخرى من النساء الفضليات وقفن خلف الرسول ﷺ حيث أديّن أدواراً غايةً في الروعة والفداء والإيمان، نسوة صَدقن أيضاً ما عاهدن الله عليه، فلمعت كل منهن في سماء الإسلام نجوماً باهرات لم يشهد التاريخ لهن مثيلاً.
ومن أوائل النساء اللاتي وقفن لمناصرة النبي ﷺ السيدة فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب عم النبي وأم سيدنا علي بن ابي طالب حبيب النبي ورفيقه في رحلة النضال والكفاح من أجل نشر الدعوة الإسلامية.
وكانت السيدة فاطمة بنت أسد من المهاجرين الأوائل، وقيل إنها أوّل امرأة هاجرت إلى رسول اللَّه من مكّة المكرمة إلى المدينة المنورة على قدميها، وكانت رضي الله عنها بمنزلة الاُمّ للرسول ﷺ فقد عاش ﷺ في بيتها وهو في كفالة عمه أبي طالب بعد وفاة جده، وكان يناديها بأمي، وكان يُحسن إليها ويحبُها ويحترمُها و يزورها ويقيل في بيتُها، لما لها من مكانة ومعزة في قلبه لحسن رعايتها له فقد ظل ﷺ في كنفها قرابة عقدين من حياته.
ولا نستطيع أن ننسى السيدة ليلى بنت أبي حثمة القرشية العدوية، زوج عامر بن ربيعة العنبري، لما سرى في مكة أن رسول الله ﷺ يدعو إلى الله الواحد الأحد؛ أقبلا رضي الله عنهما عليه وأسلما، وكانا في طليعة المهاجرين إلى الحبشة حين اشتد أذى قريش، وقال لهم النبي ﷺ : ((أخرجوا إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق))، ولما علم المهاجرون بإسلام سيدنا عمر رضي الله عنه، عادوا أملاً في أن يكون فيه المنعة والحماية، فلما اشتد أذى الكفار هاجرت ليلى وزوجها مرة أخرى عائدة إلى الحبشة، وعندما أذن النبي ﷺ للمسلمين بالهجرة إلى يثرب وقال: ((من أراد أن يخرج فليخرج إليها)) كانت ليلى بنت أبي حثمة هي أول ظعينة تهاجر إلى المدينة.
ولم تكن هجرة ليلى بنت أبي حثمة إلى المدينة مجرد انتقال من مكان إلى مكان، ولكن كان لها دور إيجابي هي وباقي المهاجرات والمهاجرين في توطيد دعائم الدين الإسلامي في قلوب اليثربيات واليثربيين، وليس أدل على ذلك مما رأيناه من خروج الأنصار والمهاجرين ونسائهم للقاء النبي ﷺ بعدعلمهم بهجرته المباركة.
وكذلك السيدة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط
تلك السيدة التي هاجرت إلى الله ورسوله وفرت بدبتها من مكة إلى المدينة، فهى أول مهاجرة من النساء إلى المدينة بعد هجرة رسول الله ﷺ، وكان صلح الحديبية قد تضمن أن (علَى أنَّ مَن أتَاهُ مِنَ المُشْرِكِينَ رَدَّهُ إليهِم، ومَن أتَاهُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ ) فجاءت أم كلثوم بنت عقبة إلى المدينة فلحقها أخواها وطلبا من رسول الله أن يردها إليهم وقالا له: أوف لنا بشرطنا، فقال ﷺ : كان الشرط في الرجال لا في النساء
فأنزل الله قوله تعالى :
{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٍۢ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ۖ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَٰتٍۢ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَسْـَٔلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }(الممتحنة : 10)
وهكذا فإن الفضل يرجع إلى أول مهاجرة في الإسلام السيدة أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها التي أقرت حق النساء في الهجرة من دار الشرك إلى دار الإيمان ولأنها صدقت في إيمانها فصدقها الله وثبتها بآيات من عنده تتلى في قرآنه الكريم إلى يوم الدين.
وأخيرا
ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا
لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ
ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ