الإسراف والتذبير محرمان شرعا..وهذا هو العلاج الشرعي للقضية
تحقيق- هالة السيد موسى :
يشهد العالم حاليا أكبر أزمة اقتصادية أدت إلى زيادة في الأسعار ومضاعفة التضخم نتيجة تداعيات أزمة كوورونا ثم الغزو الروسي لأوكرانيا وغيرها من الصراعات الدولية..وبات غلاء الأسعار مشكلة تؤرق معظم دول العالم، انهارت اقتصاديات دول عديدة وأخرى على وشك ، ولهذا لابد من التعامل بوعي رسمي وشعبي مع الزمة التي ستستمر سنوات..الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن كيفية تجاوز مصر للأزمة الاقتصادية الحالية.
في البداية يستعرض الدكتور إسلام شاهين- أستاذ الاقتصاد السياسي- الأزمة الاقتصادية الحالية قائلا: على المستوى العالمييشهد العالم أسوأ أزمة اقتصادية منذ عشرينيات القرن الماضي سواء على مستوى الطاقة أو الغذاء، وخاصة عقب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والتوترات القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حيث خسر الإجمالي العالمي نحو 12 تريليون دولار، وهو ما يعادل 12 مرة ناتج قارة أفريقيا كاملة، وحوالي ناتج لـ 6 لدول النمور الآسيوية، وتفاقم الدين العام عالمياً 351 % بأكثر من 300 تريليون دولار، وهو ما جعل 60 دولة من الأسواق الناشئة ومن بينها مصر، في حالة حرجة مع ارتفاع سقف الديون.
وأوضح أنه على مستوى الدولة المصرية فإنه في خضم التعافي من الأزمة الاقتصادية التي مرت بها الدولة المصرية عقب ثورتي 2011 ، 2013 ، وكذلك البدء بخطة مصر 2030 على كافة القطاعات التي كانت تعاني منها مصر على كافة القطاعات من تعليم وصحة وطرق ومشروعات قومية وإسكان وتطوير القوات المسلحة والجوانب الاجتماعية وغيرها ، مروراً بانتشار جائحة كورونا، تميزت مصر بالحفاظ على معدلات نمو إيجابية، بالمرتبة الثانية كأحد أهم الوجهات الجاذبة للاستثمار إفريقياً، والحفاظ على إنشاء قطاعات عانت منها مصر على مدى الفترات الماضية، كما تحملت الدولة نحو 465 مليار جنيه نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتخصيص ما يزيد على 130 مليار جنيه لمواجهة التداعيات السلبية المباشرة التي نتجت عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالقمح والنفط، إضافةً إلى 335 مليار جنيه للتداعيات غير المباشرة، كزيادة الأجور والمرتبات ودعم السلع والوقود وأسهمت خطة الإصلاح الاقتصادي التي نفذتها حكومته منذ عام 2016 في تحمل اقتصاد مصر الصدمات الناتجة عن جائحة كورونا
وأشار إلى أنه على مستوى الأسرة والمجتمع المصريفيجب الإيمان بالقيادة والدولة وبقاؤها في ظل المؤامرات والأزمات التي تواجه الأقليم ككل، كما أن الوعي الأسري بالمشكلات وحقيقتها وعدم الإنصياع وراء الإعلام المأجور الذي يهدف لتغيير الحقائق، وكذلك الوعي الاستهلاكي بالحد من السلع التي يرتفع ثمنها، وترشيد الإنفاق، والوعي الرقابي بالإبلاغ عن كل مناط الفساد .
وعن العلاج وكيفية المواجهة يؤكد الدكتور اسلام شاهين على ضرورةالحد من البطالة والتضخموالزيادة السكانية، وتوسيع شبكة الجماية الاجتماعية،والتنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية بصفة شهريةوتعديل قانون الموازنة العامة للدولة وإعادة هيكلتها،وتعديل التشريعات وانسجامها المتعلقة بالاسثمار عبر تدشين مؤتمر من مختصيين، وتعزيز المنتج المحلي وزيادة حجم الاستثمارات المباشَرة ورفع نصيب القطاع الخاص، وتفعيل دور الجهاز المصري لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وتسهيل تسجيل الشركات الناشئة عبر الإنترنت،وتعديل التشريعات والقوانين لتسهيل تأسيس شركات الفرد الواحد وتسريع وتيرة الاستيراد والتصدير، تحديد الاستثمارات التي ستتخارج منها الدولة لإتاحة الفرصة للقطاع الخاص، وإعادة هيكلة الدين العام للهبوط به ليصل إلى 75 %خلال 5 سنوات قادمة،و تقليص عجز الموازنة العامة للدولة، وتقليل تكلفة خدمة الدين العام لتصل،والنهوض بالبورصة المصرية، وتعظيم العائدات الصناعية، والزراعية وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والاهتمام بكفاءة رأس المال البشري ، وتدابير تقشفية جديدة لمساعدة في ترشيد الطاقة بهدف تعزيز صادرات البلاد من جهة والتوفير على المواطن من جهة أخري في تحمل تكلفة الأزمة، واستغلال الموارد المحلية للتصدير مثل الغاز الطبيعي، والرقابة والمحاسبة والتي تشعر المواطن بالثقة في جهود الدولة
العلاج الإسلامي
عن كيفية تجاوز الأزمة الاقتصادية شرعا تشير الدكتورة فتحية الحنفي – استاذ الفقة بقسم الشريعة الإسلامية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية – جامعة الأزهر إلى أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال قال تعالي”
وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ….” ولذا نهى الإسلام عن الإسراف والتبذير في أكثر من موضع فيقول الله تعالي” يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ “، وقال الله تعالي أيضا ” إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا “. والاسراف والتبذير نهى الله عزوجل عنهما، لأن الإسراف هو تجاوز الحد في الإنفاق والصرف
أما التبذير فهو الصرف في غير الوجهة الصحيحة، أي فيما لا نفع فيه لأن المبذر ساع في إفساد كالشياطين لأنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم، وقد يكون تحت مسمي الحرية الشخصية
وأوضحت أن الإسراف والتبذير من السلوكيات الخاطئة المنتشرة عند الكثيرومن الناس ، إذ انها تعني إسراف الإنسان لأموال طائلة في أمور غير ضرورية، أو شراء أشياء بكميات كبيرة أكثر من الاحتياج، في حين أن هناك الكثير والكثير من يئن من شدة الفقر، بل لا يجد قوت يومه أو قوت أولاده من مأكل ومشرب وملبس وعلاج ، وهذه معادلة صعبة جدا داخل المجتمع الواحد
واشارت إلى أن الإسلام عالج هذه المشكلة للحد من الإسراف والتبذير بالعديد من الطرق أهمها:مبدأ التكافل الاجتماعي وذلك بإخراج الزكاة التي هي فرض واجب في مال كل ذو مال، فقال الله تعالي ” وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ” فإن اخراج الغني هذا الحق من ماله ليس تفضلا منه أو تكرما بل هو حق أوجبه الله في ماله لإخراجه لصاحبه ، كما قال الله تعالي ” آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ” والانفاق يكون بالصدقات والتبرعات وكل ما يقربنا الي الله عزوجل،كما أن الإنسان لو أنفق ماله في وجوه الخير كدور الأيتام والمساكين والمستشفيات وكل ما يعود بالنفع علي وطنه فلا يعد مبذرا، فالواجب علي كل إنسان أن يحد من الإسراف والتبذير فيما لا نفع فيه ،بل الواجب عليه أن يساهم بشكل كلي في تخطي أي أزمة اقتصادية تمر بها البلاد، وذلك بالتكافل الاجتماعي والترشيد في الاستهلاك (الماء ،الكهرباء ،الطعام ،الملبس)