د. الخطيب: نشر قيم ديننا الحنيف.. واجب العصر
د. عبدالمولى: ترسيخ المحبة والسلام.. ركيزة بناء الأمم
د. عياد: التمسك بالقيم المجتمعية.. الضمانة الرئيسية لحقوق الإنسان
د. العوارى: القيم والأخلاق.. عمد البناء الإنسانى
اسيوط مصطفى ياسين
احتفلت كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فرع أسيوط، اليوم الثلاثاء بعيدها الذهبى، باحتضان مؤتمرها الدولي الثانى، بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية بالازهر، برعاية فضيلة الإمام الأكبر، د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، اللواء عصام سعد، محافظ أسيوط، د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، محب حبشي، قائد المنطقة الجنوبية العسكرية. د. محمود صديق نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، بعنوان «دور المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية في الحفاظ على القيم المجتمعية» وافتتح بالسلام الجمهورى، وآيات الذكر الحكيم للقارئ محمود الحلفاوي، الباحث بالكلية، واداره باقتدار د. أبو دور سيد حامد، معد الفيلم الوثائقي التاريخى عن الكلية، وأفسح المجال لإبراز إبداعات ومواهب الطلاب، فكانت فقرة الابتهالات للطالب أحمد محمد عبدالمالك منشدا، سياتى الضياء برغم الغيوم، فضلاً عن المداخلات والتعقيبات لإعدادهم وتأهيلهم علمياً وعمليا، بإشراف د. أحمد عبدالعليم ، مقرر المؤتمر، د. أسامة عرفات، وكيل الكلية، نائب رئيس المؤتمر، د. سيد مهران، الأستاذ بالكلية.
وقد شهد المؤتمر حضور علمى وشرعى لرموز الأزهر والأوقاف والقضاء والمفكرين والصحفيين، وعلى رأسهم: د. محمد أبو زيد الأمير نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، المستشار مصطفى محفوظ نائب رئيس النيابة الإدارية، د. أحمد على شلوفة، عضو النيابة الإدارية، د. أحمد عبد المولى نائب رئيس جامعة أسيوط، د. عاصم القبيصى مدير أوقاف أسيوط، وجميع أعضاء هيئة التدريس والموظفين بالكلية، د. علي عبدالحافظ مدير المنطقة الأزهرية بأسيوط. د. خلف عمار مدير إدارة الوعظ والإرشاد، ونقيب وأعضاء نقابة المحامين بأسيوط، وتستضيف جامعة أسيوط، برئاسة د. أحمد المنشاوي، ضيوف المؤتمر فى فندقها المتميز، بإشراف د. مها غانم نائب رئيس الجامعة لشئون البيئة، ومديره محمود فوزى، أحمد فتحى، سيد زرزور.
جوانب العظمة
أشار د. محمد عبدالمالك الخطيب، نائب رئيس الجامعة للوجه القبلى، إلى الجوانب العظيمة من ديننا والتى ينبغى علينا التعريف بها، وجعلنا آيات القرآن دستورا للقيم والأخلاق والمثل التى ننشرها لمواجهة التحديات التى تدفعنا دفعا للتخلى عن قيمنا من خلال كثرة الفضائيات والشبكة العنكبوتية وتأثيرها على الشباب واغلبهم أخذ منها السلبيات وترك الإيجابيات، مؤكداً أنه علينا ردهم للقيم والأخلاق والمثل القرآنية خاصة وان من يشوشون على الدين يرددون بلا بوعى ان الإسلام لا يساير الحضارة، وهذا خطأ وظلم لدين الفطرة صاحب المبادئ والسلوك القويم الذى لم تبلغه الحضارة الغربية التى تسعى لطمس حقيقة قيامها على القيم الإسلامية، هذا الدين الذي جاء بآداب وقيم من وحى السماء لهداية الناس، فاذا انقطعت الصلة بينه والناس، صاروا وحوشا وهذا ما انتشر مؤخراً.
شدد د. الخطيب، على أننا يجب ان نبرز قيم وأخلاق الإسلام ورسوله الكريم القائل: “انا زعيم بيت فى اعلى الجنة لمن حسن خلقه”، فليت المفاخرين بقراءة فلسفات الغرب وادابهم ان نعود الى منهجنا، القرآن الكريم وأخلاق النبي، ونبرزه للناس خاصة في مثل هذه الأزمات، الأخلاقية والإنسانية التى نعانيها حالياً، ونطبق هذه القيم والاخلاقيات ونشرها فيما بيننا.
وذكر د. الخطيب بموقف سيدنا عثمان بن عفان، مع تجار قريش حينما وقعت ازمة فى عهد الى بكر وعرض التجار على بن عفان شراء قافلته، ورفض وقال اخذت عشرة، ويقصد الثواب من الله، وتبرع بها صدقة على المسلمين، ودعا تجار اليوم للاقتداء بسيدنا عثمان بن عفان، وألا يمارسوا احتكارهم للسلع التى يحتاجها الناس وقد تجردوا من القيم الحميدة لاستغلالهم حاجة الناس.
الدين المعاملة
من جانبه دعا د. أحمد عبدالمولى نائب رئيس جامعة أسيوط لشؤون التعليم والطلاب، للحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية والمجتمعية، فالدين المعاملة، مشدداً على ضرورة أن نكون متحابين تنتشر بيننا الرحمة والبساطة والتسامح مع النفس والاخرين، لأنه لا تقوم امة على الكره والبغضاء، ومن ثمّ فإن نشر المحبة والسلام والأخوة والتعاون لم يعد أمراً دينياً فحسب بل هو واجب وطنى من اجل وطننا وديننا.
تعاضد لا تعارض
وأكد د. نظير عياد، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، أن هذا المؤتمر جاء في وقت الإنسانية جميعًا والمسلمون بشكل خاص أحوج ما يكونوا إليه، حيث جاء في وقت تشهد فيه المجتمعات الإنسانية عامة والمسلمة خاصة تغيرًا أخلاقيًا وقلبًا لمفاهيم الخير والشر والفضيلة والرذيلة والحق والباطل والصحيح والفاسد والصواب والخطأ، سمح بتبرير الباطل بل قبوله والدعوة إليه والتمسك به، والتشجيع عليه والترغيب فيه والتباهي به مع أن هذا لا يستقيم عقلا ولا يتوافق عرفًا ولا يقبل شرعًا خصوصًا عندنا نحن المسلمين، وعلة ذلك هذه النظرة المكسوة بالمزيد من الإجلال والتقدير والإكبار للقيم الأخلاقية. فقد نالت الأخلاق في الإسلام موقعًا فريدًا من إسلام الإنسان، فعندما يختار الإنسان بمشيئة حرة أن يؤمن فهذا يعني أنه ارتضى الإسلام إطارا عامًا لحياته الشخصية والعائلية والاجتماعية والمهنية، أي إطارًا لكل حركة وسكون داخلين في نطاق اقتداره الذاتي على امتداد مسافات وجوده الشخصي كلها، وذلك وسع الطاقة. ولن يتمكن الإنسان من جعل الإسلام إطارًا لحياته إلا بأن يقيم الدين في وجوده ووجدانه وإقامة الدين لا يتحقق إلا بأداء عباداته فقط بل لابد من أن يضم إليها السلوك القويم والقيم السامية والأخلاق المستقيمة؛ لهذا كانت العلاقة بين العبادات والأخلاق علاقة تعاضد وتكامل وتماذج لا يمكن الفصل بينها؛ إذ الدين بلا أخلاق عبث.
أضاف: وإذا كنا نجتمع اليوم لبحث ودراسة (القيم المجتمعية)، فسؤالى الجوهري حول ثنائية (حق الفرد وواجب المجتمع)، تُرى، هل يحق للمجتمع أن يتوافق على (منظومة قِيمية) ويجعلها مُلزمة لمجموع الأفراد، لضمان تحقيق المصلحة العامة؟ أم أن في ذلك انتهاك للحق الفردي، وطغيان لسلطة الجماعة على حقوق الأفراد الأصيلة؟ هذا السؤال رغم بساطته إلا أنه يمثل مشكلة كبيرة في تاريخ الفلسفة وعلمي النفس والاجتماع، تاريخ طويل من التفكير والجدل والتأمل تمخض في نهائية المطاف إلى نشأة العديد من المذاهب الفلسفية ، وكان أشهرها مذهبين:
الأول: المذهب الفردي، أو ما يعرف باسم مذهب الفوضى: ويدعوا أنصار هذا المذهب إلى: نقد المؤسسات الاجتماعية؛ وضرورة إلغاء رقابة الدولة، و بناء العلاقات الإنسانية على أساس الحرية الفردية. ووجهوا انتقادات عديدة لـ (منظومة القيم المجتمعية) المحافظة، واعتبروا أكثرها مجرد قيود غير مبررة تُعيق حرية الأفراد. وكان لمذهبهم انعكاسات سلبية خطيرة على منظومة الأخلاق والفضيلة، فعززت فلسفتهم أخلاقيات الكبر والطمع والأثرة والأنانية.
الثاني: المذهب الاجتماعي: وله صور عديدة، أشهرها تلك الصورة التي توكد أن على الفرد أن يخضع لما تُمليه عليه سلطة المجتمع، مهما بلغت حدودها وتعددت مجالاتها. وتؤكد تلك الصورة أن على الفرد أن يخضع لـ(منظومة القيم) التي يتوافق عليها المجتمع، حتى ولو كانت هذه المنظومة قاصرة، ومشوهة. استطرد د. عياد قائلاً: وكما تعلمون أن الشيوعية الماركسية تعد أهم التطبيقات المتطرفة لهذا المذهب، ولذلك وجدنها تلغي التوريث، والملكية العقارية الفردية، وأممت كل وسائل النقل والإنتاج من يد الأفراد. وكما هو واضح فإن هناك نوعاً من التطرف والمغالاة يلحق كلًّا من المذهبين، على أن الضرر الناجم عن المذهب الفردي والنزعة الفوضوية أكبر بكثير من الضرر الناجم عن المذهب الاجتماعي. ولعلكم تتفقون معي في القول بأن الغلو في قيمة الفرد على حساب قيمة المجتمع، غُلو في غير محله، لأننا لا نكون مخطئين إذا قلنا إن الإنسان وُجِد أَوَّلَ ما وُجد في مجتمع، وليس وحيدا فريدا، يدل على ذلك حقيقة التنويع البيولوجي في خِلقة الانسان، وتقسيم البشر إلى ذكور وإناث. أضف إلى ذلك وجود غريزة الجنس في طبيعة الإنسان، وتهيئة رحم المرأة لاستقبال الأجنة ونموها، كل ذلك يدلنا على أن الهدف من وجود الغريزة ليس فقط مجرد اللذة الحسية؛ وإنما هو في الأساس النزوع الطبيعي نحو التكوين الاجتماعي.
ضمانة القيم
وأكد د. عياد، إن التمسك بالقيم المجتمعية المحافظة، والعادلة، لا يعد انتهاكا لحقوق الأفراد، وإنما هو في الحقيقة ضمان أصيل لها، وقانون ضابط لحق الإنسان من أن يَطغى أو يُطغى عليه من الآخرين، فالفرد كما يقول الفيلسوف المثالي الألماني (جورج فيلهلم هيغل): “ميال للشر، وهو عاجز بمفرده عن تحقيق المثل الأعلى الأخلاقي، فيجد المعونة في المجتمع الذي يحرره من نفسه، ويوفر له وسائل العمل الصالح”. إن التمسك بالقيم المجتمعية العادلة، هو الضمان الإنساني الأصيل للحفاظ على مكتسبات البشرية الحضارية، والعبث بهذه القيم، يدمر الإنسان ، ويرمي بالحضارة إلى الوراء آلاف السنين، يعني عصر البربرية والهمجية والفوضى، فالحضارة كما يؤكد (ول ديورانت): “تحتاج للأخلاق والقانون معا؛ مادامت تعني أننا نعيش كمدنيين في مجتمع واحد. فلابد أن تكون الأخلاق ميثاقا عاما لا مجرد نزعة فردية… والقيود التي تفرضها الأخلاق المعتادة على الحرية الفردية؛ هي الأقدم والأشمل والأكثر دواما والأعظم أهمية لكل المجتمعات”
أضاف: دعونا نتأمل قليلا في المفهوم الأشهر لـ(القيمة المجتمعية) والذي يعرفها بأنها (مجموع الخصائص والصفات التي ترغب جماعة ما في جعلها ثقافة عامة، وقانونا حاكما يهدف إلى استقرار المجتمع على شكل يتوافق عليه أعضاء هذه الجماعة)، إن هذا التعريف رغم اشتهاره، إلا أنه يجعل (القيمة نسبية)، ويختزل مصدرها في (الإنسان ومجموع أفراد المجتمع)، ولهذا اختلفت المجتمعات، واختلفت معها منظوماتها القيمية، وهذا يدفعنا إلى ضرورة التأكيد على عدد من الحقائق، أهمها: أولا: أن القيمة المجتمعية (النسبية المرغوبة) تختلف قربا وبعدا، من (القيمة الدينية والأخلاقية المطلقة)، وهما كلما اقتربا كان المجتمع أكثر عدلا وسلاما، وكلما افترقا شاع الظلم والجدل والصراع، ومن ثم فالدور الأهم للمؤسسات الاجتماعية سواء كانت (دينية أو تعليمية أو ثقافية) إنما هو تقليل هذه الفجوة، وتوطين القيم (الأخلاقية المطلقة السامية)، حتى تصير هي نفسها (القيمة المجتمعية السائدة).
ثانيا: طالما كانت (القيم المجتمعية السائدة)، نسبية وبشرية، بالتالي فهذه القيم تكون في الحقيقة مرآة صادقة لحالة أفراد المجتمع الأخلاقية، فإن كانوا صالحين كانت هذه القيمة المجتمعية؛ عادلة ومأمونة، وإن كانوا فاسدين؛ كانت هذه القيمة جائرة وفاسدة، ومن ثم فإن المؤسسات الاجتماعية سواء كانت (دينية أو تعليمية أو ثقافية) لا يقتصر دورها على مجرد الحفاظ على القيم المجتمعية السائدة، وإنما دورها الأهم هو معالجة القيم المجتمعية السائدة، بتعزيز الإيجابي منها ودعمه، ومناهضة السلبي منها والذي يضر بمصلحة الفرد والجماعة.
ثالثا: طالما كانت القيمة المجتمعية السائدة (نسبية وبشرية)، فإنها تواجه تحديات عديدة، أهمها تحد الحفاظ على الهُوية في عصر العولمة، ومحاولات التغريب، باستيراد قيم غريبة لا تتناسب مع التاريخ والدين والثقافة، ومحاولة توطينها وإحلالها محل قيمنا المحافظة العادلة. إن المؤسسات الاجتماعية (الدينية والتعليمية والثقافية) من منطلق مسؤوليتها يجب أن تواجه تلك التحديات بالبحث والدراسة والعمل الميداني الجاد في أوساط الجماهير، بعيدا عن التنظيرات في الأبراج العاجية التي صارت لا تثمن ولا تغني من جوع.
رابعا: القيم المجتمعية (المحافظة العادلة)، تواجه الان تحديا وجوديا كبيرا، يتمثل في تلك المحاولات البائسة للعبث بالهوية الجنسية، وتطبيع الشذوذ والمثلية، وتمثل الدعاية الغربية الحديثة لترويج تلك القيم المشوهة، انتكاسة حقيقية في تاريخ البشرية؛ إذ السماح بهذه الأفعال إنما يؤثر على كيان المجتمع الإنساني، وجوهر وجوده، فلنفترض أن مجتمعا ما صار كل أفراده شواذ، هذا يعني أنه لن يكن هناك أب ولا أم، ومن ثم فلن يكن هناك أبناء، ولن تكن هناك أسرة، وفي النهاية لن يكن هناك مجتمع أصلا.
تلك القيم الشاذة البائسة تتصادم مع طبيعة الإنسان وفطرته التي خلقه الله عليها، فهل التنويع في خلقة الإنسان بين الذكر والإنثى جاء عبثا؟! وهل تهيئة خِلقة الذكور لتكون قادرة على إنتاج النطف جاء عبثا؟! وهل تهيئة خلقة الإناث لتكون قادرة على إنتاج البويضات، وتلقيحها، وتهيئة الأرحام لاستضافة الأجنة وتغذيتها من غذاء الأم، وتحفيز الغدد لإفراز اللبن لإرضاع الصغار بعد الولادة، هل جاء كل ذلك عبثا؟ حتى يروج بعد ذلك بحجج سفيهة مغلوطة لزواج الذكور بالذكور، والإناث بالإناث، أو زواج أي منهما بالبهائم والكلاب والخنازير!.
إن ما سطره الحكماء من (الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع) عن القيم المجتمعية العادلة-يلتقي في أكثره مع النور الذي خرج من مشكاة الوحي والنبوة، ودعونا نقرأ التاريخ: في الحقبة الجاهلية، قبيل البعثة، أصيب المجتمع العربي آنذاك في منظومته القيمية، فصار أكثرها مشوه وفاسد، لا يُقر عدلا، ولا يُقيم سلام، تأملوا في وصفها ما ذكره سيدنا جعفر بن أبي طالب-رضي الله عنه- للنجاشي، قال: (أيها الملك: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف).
فساد بين وواضح في منظومة القيم المجتمعية السائدة، عجزوا هم عن إصلاحها وإصلاح أنفسهم، فكان لابد من بعثة نبي صالح، يحمل مشاعل النور والهداية من الله، لإصلاح ما أفسده الناس!
وجاء النبي الأكرم-صلى الله عليه وسلم- فلماذا جاء؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، جاء النبي -صلى الله عليه وسلم ليعالج- منظومة القيم المجتمعية المشوهة، ألتي أفسدها؛ فساد الناس، كيف ذلك:
أولا: ناهض النبي صلى الله عليه وسلم (القيم المشوهة) التي أفسدت حال البلاد والعباد، بمنظومة القيم الإلهية السامية التي تستمد نورها من الله. ولنعد إلى حديث جعفر-رضي الله عنه- فبعد أن وصف منظومة القيم الفاسدة للمجتمع العربي قُبيل البعثة، أتبعه بوصفه لمنظومة القيم الإلهية التي جاء بها النبي-صلى الله عليه وسلم- ، قال: ((كنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم ، والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة)). ونزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، مؤكدا على الأصل الإلهي للقيم الأخلاقية النبيلة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) } [النحل: 90 – 92].
ثانيا: أقر النبي صلى الله عليه وسلم، العرف العادل، والخلق النبيل، فلم يكن المجتمع العربي قبيل البعثة، مُجردا من كل مكرمة وفضيلة، بل تعارف العرب فيما بينهم على بعض المكارم، أهمها: صدق الحديث، وكرم الضيافة، وإغاثة الملهوف، كانت هذه القيم (عرفا) سائدا بين العرب، فأقرها -صلى الله عليه وسلم-، وعزز وجودها في تربية أصحابه، وجميعنا يعرف قصة حلف الفضول لنصرة المظلوم، والأخذ على يد الظالم، والذي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: (( لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان، ما أحبّ أن لي به حمر النعم)) )رواه أحمد).
ثالثا: بعد أن أرسى النبي بناء منظومة القيم العادلة، كان يقف بالمرصاد لأي انتكاسة أخلاقية، تعود بهذه المنظومة إلى الوراء، إلى طغيان الجاهلية،، فقال لأبي ذر لما أخطأ: (( انك امروء فيك جاهلية)) وقال للأوس والخزرج لما تنازعا: ((أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ؟!).
السيدات والسادة:
استطرد د. عياد: اذا كنا نجتمع الان في صرح أكاديمي مرموق يختص بدراسة (الفقه والشريعة والقانون) ، فاسمحوا لي أن أسلط الضوء على بعض اللآلئ النفيسة من أفكار تراث علماء الفقه والأصول، والتي تمس جوهر مؤتمرنا الكريم في معالجة القيم المجتمعية:
أولا: لقد أبدى علماء الأصول نبوغا وحكمة في دراستهم لحُجِية (العُرف) في الشريعة، والعُرف كما تعلمون هو: “ما يغلب على الناس من قول أو فعل أو ترك”، وهو بذلك يعد أهم مظهر من مظاهر القيم المجتمعية السائدة، ولأهميته اتفق الفقهاء على جواز الاحتجاج به ، وعدوه من المصادر المهمة في استنباط الأحكام وضبط الفتوى، وحجتهم في ذلك قول الله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [199: الأعراف]. لكن السبق والذكاء الإسلامي يظهر في تفريق علماء الأصول بين (العرف الفاسد) كتعارف أهل الجاهلية على البيع بالربا، و(العرف الصحيح) كتعارفهم على تجويز بعض صور البيوع والمعاملات التي أقرها الإسلام. فالأول: يرفضه علماء الأصول، فلا يُحتج به ولا له، والثاني: هو ما اعتبره علماء أصول، واحتجوا به وله، لما فيه من تحقيق المصالح ودفع المفاسد. وقريب من ذلك ما سطره السادة الملكية في اعتبارهم لحجية (عمل أهل المدينة)، كل ذلك يدلنا على عناية تراثنا الإسلامي بدراسة العرف والقيم المجتمعية.
ثانيا: إن أصول القيم المجتمعية التي يتحدث عنها (الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع) في عصرنا الحاضر، قد سُطرت قديما بدقة وإحكام في تراثنا الإسلامي العظيم، بأيدي عباقرة من علماء الفقه والأصول، ألا ترون أن أصول القيم المجتمعية العادلة، ترجع جميعها إلى ((الضروريات أو الكليات الخمس)) التي تحدث عنها الفقهاء، واعتبروها الأصل والمقصد الأعلى الذي ينبغي أن يستلهم منه الفقهاء كل أحكامهم وفتاويهم، قال الإمام الغزالي -رحمه الله-: “إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة”. وقال الإمام الشاطبي -رحمه الله-: “اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على هذه الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل”.
فهل القيم المجتمعية إلا مكارم خُلقية تهدف إلى حفظ هذه الكليات الخمس!
وقال د. عياد: منذ أيام قليلة أفصح الإمام الأكبر، د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر ، عن كل ما يجيش في صدرونا من حزن وألم جراء غياب وتشويه القيمة الأخلاقية، في قوله: ((إن الإنسانية تعاني من فراغ المعنى والقيم، وأصبحت أزمتنا الآن أزمة أخلاقية، وصار مبدأ التراحم أول ضحية خسرها إنسان اليوم، وهو يهرول نحو الأنانية، وتقديم رغباته الخاصة، وشهواته، وتحرره من ضوابط الدين وقيود الأخلاق الراقية))
أزمة أخلاقية لم تصب مجتمعات الشرق وحدهم، بل أصابت كل مجتمعات العالم الحديث في عصر العولمة، حتى إن الفيلسوف الأمريكي الياباني ((فرانسيس فوكوياما)) أفرد لرصد ومعالجة ذلك مصنفا مستقلا سماه باسم ((الانفراط العظيم))، تسائل فيه ((هل كُتب علينا أن ننحدر إلى مستويات أدنى فأدنى من الفوضى الاجتماعية والخلقية؟ أم أن هناك سبباً معقولاً يدعونا لأن نتوقع بأن هذا الانفراط حالة طارئة، وأن الدول التي عانت منه ستنجح في أن تكون لها قيم من جديد؟ وإذا حدثت هذه الإعادة للقيم، ففي أي صورة ستكون؟ هل ستحدث تلقائياً، أم أنها ستتطلب تدخل الدولة عن طريق السياسات العامة؟ أم أنه لا بد لنا من أن ننتظر حدوث بعث ديني جديد لا يمكن التكهن بمداه، لنعيد القيم الاجتماعية إلينا؟)).
إذن لا وجود للمجتمع، ولا تحقق لاستقراره وسلامه، إلا بوجود (منظومة قيمية أخلاقية) حاكمة، ولما كانت هذه المنظومة لا تنتقل بين الأفراد، إلا عبر المؤسسات الاجتماعية: (الاسرة والمدرسة والمسجد)، فهي إذن ليست عبئا على المجتمع كما يردد غلاة (الليبرالية) المتطرفة، بل هي كما يقول ول ديورانت “مؤسسات أساسية للمجتمع وتشكل أعضاءه الحيوية التي لا غنى له عنها”. إن الوسائل التقليدية التي تستخدمها (المؤسسات المجتمعية) لنشر (الأخلاق والقيم والفضيلة) لم تعد كافية في ظل عالمنا المعقد، لابد وأن تُطَور المؤسسات المجتمعية أدواتها ومناهجها، لتكون أقدر على توصيل رسالتها السامية، وأقدم أفكارا يسيرة لعلها تُسهم في الحل ومنها: إذا كانت (الرواية والدراما والسينما والمسرح) تُكرس الآن لحالة أخلاقية منحدرة، وفساد مقيت في الذوق العام، فما الذي يمنع المؤسسات المجتمعية من توظيف نفس هذه الأدوات في تبليغ رسالتها الأخلاقية، من خلال أعمال فنية وأدبية هادفة، تتناسب مع عقول الشباب وتغيرات العصر!
مقررات (الأخلاق والتربية الدينية) في المراحل التعليمية المختلفة، لم يعد وجودها من قبيل الرفاهية الثقافية للطلاب، بل صار الإلزام بها ضرورة يفرضها الواقع، ولم يعد التعامل معها بوصفها مجرد معلومات تحشر في عقول الصغار مناسبا لطبيعة عصرنا، بل يجب أن تحول هذه المعلومات بواسطة النظريات التربوية الحديثة إلى برامج تدريبية، تحولها لسلوكيات عملية يربى عليها الصغار .
لابد من التأكيد على حضور الأخلاق في المجال الإسلامي بأكمله، فلن ننساق وراء مقارنة بين حضور الأخلاق في المجال الإسلامي وحضورها في مجالات الآخرين؛ ولكن نكتفي بالقول إن الأخلاق في الإسلام ليست مبحثًا فلسفيًا نظريًا يغفل الفاعل الأخلاقي، كما أنها ليست عملية تهذيب وتأديب بحت، حيث يقوم المؤدب بإكساب المتأدب حسن التصرف وجميل السلوك ورقي الآداب وحلو الطباع وسامي الأخلاق؛ بل هي عملية شاملة تأتي على الإنسان روحًا وجسدًا قولا وفعلا حركة وسلوكًا هدوءًا وانفعالا فرحًا وحزنًا، إنها عملية تزكية للنفس البشرية ككل في جميع أمورها وسائر شؤونها.
الخطاب الديني، والوعظ الأخلاقي، يجب ألا يُقصَر على المساجد، ومن فوق المنابر، بل صارت الحاجة ماسة لنزول (الدعاة والوعاظ) بين الجماهير في (الشوارع والمنديات والأسواق والمقاهي والأندية الرياضية) ليشاركوا الناس حياتهم، ويرصدوا ما فيها من قصور في الأخلاق والسلوك، ليقدموا لها العلاج الأنسب والأفضل لتعزيز القيم المجتمعية الإيجابية، ومناهضة القيم المجتمعية السلبية.
الدراسات الأكاديمية في (القانون والفلسفة والأخلاق وعلمي النفس والاجتماع)، لابد من توجيهها في الدراسات الميدانية، لدراسة الحالة النفسية، والاجتماعية، والاخلاقية، لكل وحدات المجتمع، ورصد ما فيها من ميول وانحرافات سلوكية، وتقديم الآليات العلمية الدقيقة، للتعامل معها ومعالجتها، ورفع ذلك كله إلى المسؤلين وأصحاب القرار، والمجالس النيابية، لسن القوانين والتشريعات واللوائح اللازمة لضمان الحفاظ على منظومة القيمة المجتمعية بشكل يحقق المصلحة العامة والخاصة.
ولا شك أن هذا المؤتمر يأتي في لحظة حاسمة شاع فيها (الاغتراب، وغياب المعنى، وتدهور القيمة)، لذلك فالآمال معقودة على الجهود المباركة التي تشتبك مع مشكلات الواقع.
الأخوة الإنسانية
وأشار د. عبدالفتاح عبدالغني العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة، رئيس المركز الأشعرى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إلى اننا نمر بظروف استثنائية بالغة الخطورة وقد انتشرت الأمراض الأخلاقية بما يدق ناقوس الخطر ويتطلب البحث عن علاج ناجع، وانطلاقاً من دوره الدينى والوطني نظم الأزهر هذا المؤتمر لنشر القيم الحميدة التى حملها الاسلام لحماية الإنسان، وقد أحاط القرآن بسياج منيع وحفظ مقاصد الشرع الخمسة كدعامة لحياة الإنسان، وما أكثر القيم التى يحتاجها المجتمع لاستقراره وأمن افراده وسلمهم، وأولها بل على رأسها قيمة الأخوة الإنسانية التى حثت عليها الشريعة الإسلامية ورسول الإنسانية، فقد تعب العقل البشرى وهو يبحث ليحقق هذه القيم ولم ولن يجدها إلا في الشريعة المثالية والوحى الالهى، فقيمة الأخوة الإنسانية شريعة قائمة بذاتها لأنها تحمل الحرية والمساواة وتتحاشا التطرف والشذوذ ، هى رحم موصولة بين البشرية جميعاً ، “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقالكم….”، محذراً من أنه إذا وقع تقصير من أى مؤسسة مسئولة عن ترسيخ قيم المحبة والأخوة لحدثت ازمة كبيرة، فحرى بها جميعا التعاون والتعاضد لعمارة الكون وترقية حضارته.
٨ أسباب
وقال د. عبدالفتاح بهيج العوارى، عميد الكلية ورئيس المؤتمر: يأتي هذا المؤتمر المهم والذي ترفع لواءه منارة العلم في صعيد مصر كلية الشريعة والقانون بأسيوط، لبيان دور الأزهر جامعاً وجامعة بمؤسساته التعليمية والإرشادية في ترسيخ ونشر قيم الاعتدال والوسطية والأخلاق الحميدة التي يحث عليها الإسلام ويدعونا إلى الالتزام بها واتباعها للوصول إلى مجتمع سامى ملئ بقيم حميدة راقية من أجل نهضة مصر ورفعتها وللتأكيد على أن الأزهر وجامعته لا ينحسران في التراث بعيداً عن واقع المجتمع وقضاياه وحاجاته ، بل إن علوم الشريعة تتجدد بتجدد حاجة المجتمع وتنمو بنموه لإيجاد الحلول المثلى لمشكلاته ، وتعالج قضاياه بما يسهم في وحدته وقوته ، وبما يعود بالخير على جميع أبنائه.
ويهدف المؤتمر إلى : التعريف بالقيم المجتمعية وأهميتها. تذكير المؤسسات المعنية بواجبها في حفظ وحماية القيم المجتمعية. التذكير بتردي القيم المجتمعية وخطورة ذلك. تقوية شعور الأفراد بالانتماء للوطن. دفع المجتمعات إلى التمسك بهويتها وقيمها المجتمعية. إبراز جهود بعض المؤسسات في الحفاظ على القيم. دعم دور الدولة ومساندتها في الحفاظ على القيم المجتمعية. توضيح الدور الذي تمارسه بعض المؤسسات الدولية للنيل من القيم.
أضاف د. العوارى: ومما لا شك فيه أن المجتمعات تعاني من كثير من الآفات والأمراض المزمنة التي أضحت ظاهرةً بشكل واضح، ومنتشرة إلى حد كبير في الآونة الأخيرة، وإذا ما نظرنا إلى جُلِّ ما يعاني منه المجتمع في العصر الحديث سنجدُه نتيجةً حتمية لآفة كبرى أخرى، وهي الانفلات الأخلاقي، والابتعاد عن الاقتداء بخُلق الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – الذي قال في حديثه الكريم: ” إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق “؛ ليحثَّنا على التحلّي بالخُلق الكريم الذي هو طريقُ الفلاح في الدنيا والآخرة، ولعل ما أجمع عليه الجميعُ حول أسباب انتشار هذه الآفة من تفشي الانفلات الأخلاقي هو الابتعاد عن كتاب الله – عز وجل – وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم.
استطرد د. العوارى متسائلاً: كم يتملكنا العجب حين تمر علينا قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يمشي ليلاً في شوارع المدينة، ومعه خادمه؛ ليتفقد أحوال الرعية، فأعياه التعب، فاتكأ إلى جدار بيت، وإذ بامرأةٍ تقول لابنتها: قومي إلى اللبن فامزجيه بالماء، حتى يكثر، فقالت الفتاة: يا أماه أو ما سمعت منادي الخليفة ينادي: لا يُخلط اللبن بالماء، فقالت الأم: إن عمر لا يرانا، قالت الفتاة: إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا، فلما سمع الخليفة كلامها؛ دمعت عيناه، وقال لخادمه: اعرف مكان البيت, ثم مضى عمر رضي الله عنه في جولاته، فلما أصبح، قال للخادم: امض إلى ذلك البيت فانظر من الفتاة؟ وهل لها زوج؟ قال الخادم: أتيت البيت فعلمت أنه ليس لها زوج، فعدت إلى الخليفة فأخبرته الخبر، فجمع أولاده، وقال لهم: هل فيكم من يحتاج إلى الزواج، فزوجها لابنه عاصم، فأنجبت له بنتاً تزوجت فيما بعد من عبد العزيز بن مروان، فأنجبت عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل. فكم تمر علينا هذه القصة؟ فهل وقف أحدنا يسأل نفسه: ما الذي دفع هذه الفتاة إلى الالتزام بهذا الخلق وهذا السلوك الرائع؟ وما الذي جعلها ترفض السلوك الخطأ وهو الغش رغم الفاقة وشدة الحاجة وغياب رقابة البشر؟
وكم سيسعد المجتمع عندما يجد أفراده في مثل هذا الوعي والانضباط الأخلاقي والسلوكي؟
فيجيب: إن مرد ذلك إلى القيم الإيمانية والأخلاقية والسلوكية التي يحملها الفرد في نفسه، ويتعامل بها مع من حوله، ويشعر أنها سببٌ لراحته وسعادته في الدنيا والآخرة. هذه القيم غرسها الله في فطرة الإنسان، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ لتربية الناس عليها، وتثبيتها في قلوبهم ووعظهم وتذكيرهم بها عند انحرافهم عنها، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) [النساء:66]. وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الجمعة:2].
فالتزكية تعني بناء قيم الخير في النفوس، وتربية الناس عليها.
فالإيمان بالله ومراقبته وتعظيمه، والخوف منه، والالتزام بشرعه؛ قيمٌ عظيمة يجب أن تتربى عليها النفوس. والأمانة والصدق والحياء والعفاف، وصون اللسان، وحفظ الجوارح والتسامح، واحترام الآخرين، وحفظ حقوقهم والتعاون، وبذل المعروف والجود والكرم وحسن الخلق، والترفع عن سفاسف الأمور، وبغض الشر وكراهيته، وصون الدماء، وحفظ الأعراض قيمٌ تسعد بها الأفراد والمجتمعات والدول. والالتزام بالقوانين التي تسير حياة الناس، وتكفل لهم الراحة وتطبيقها، وتربية المجتمع عليها قيمٌ تجعل الإنسان في قمة الحضارة والرقي، وتساهم في تطور المجتمعات وتقدمها.
ويؤكد د. العوارى،ان ركيزة من ركائز البناء الإنساني، وركن ركين في بنيان السلوك البشري، يمس جميع مظاهر السلوك في الفرد والمجتمع، ركيزة ركينة توجه السلوك إلى الخير، وتحفز إلى التلقي في مراتب الجمال والسير نحو مراقي السمو، وبها يكون السعي الصحيح إلى معالي الأمور ومحاسن الأعمال؛ إنها خصلة، بل خصال إذا سادت في الناس عاشوا في أمن واستقرار، وتكاتُف وتعاوُن، خصال تبني الشخصية وتقوِّي الإرادة وتحفظ الأمن، وتقِي الشرورَ وتصحِّح الأخطاءَ؛ تلكم هي القيم والأخلاق، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]، وفي سورة الإسراء : قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الْإِسْرَاءِ: 53]، أيضاً قوله تعالى : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الْإِسْرَاءِ: 16].
ومن أدق التعريفات للقِيَم وأجملها وأصدقها أنها هي الصفات التي يحملها المرءُ ويعامل بها غيرَه، يقول عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: “كاد الأدب أن يكون ثلثَيِ الدِّين”، ويقول الحافظ ابن رجب: “يظن كثير من الناس أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده، بل قال -رحمه الله-: والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جدًّا، لا يقوى عليه إلا الكُمَّل من الأنبياء والصدِّيقين” ، ويقول يحيى بن معاذ – رحمه الله – : “سوء الخُلُق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحُسْن الخُلُق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات”.
وقد جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: “يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: “هِيَ فِي النَّارِ”، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: “هِيَ فِي الْجَنَّةِ”(رواه المنذري في الترغيب والترهيب، وإسناده صحيح).
ولهذه القيم الأخلاقية والمجتمعية أهمية بالغة في حياطة وحماية وصيانة حياة البشر، وأيضًا تنظيمها وتحسينها وجعلها أسعد وأيسر وأجمل، فإن تلك القيم تحكم كل مجالات الحياة :
فتدخل المجال العقدي الإيماني فترسخ معنى التوحيد ومبدأ إفراد الله بالعبادة، ثم ترقى بالقلوب وتطمئنها بالإيمانيات وتحييها على الروحانيات قبل الماديات…
وتنظم المجال الاقتصادي فتحرِّم الربا واستغلال حاجة الفقير والغش والتدليس… وتغرس مكان ذلك الأمانة والشفافية والحرص على الحلال والتطهر من الحرام…
وتدخل المجال الاجتماعي فتنقيه من كل ما يفسده من اختلاط مستهتر وخلوة محرمة وعقوق الوالدين وقطيعة أرحام وإيذاء جار والخيانة… ثم تنشر فيه المحبة والود والشفقة والإخاء والنقاء والفضيلة ورد الجميل… ثم لا تدع مجالًا إلا دخلته فتزرع فيه الفضيلة وتنزع منه الرذيلة.
حجر الأساس
وقدمت سحر عبدالمولى ربيع، مقررة المرأة سابقا، رئيس رابطة المرأة العربية، بإسم المرأة الشكر للأزهر الشريف وعلمائه، مؤكدة أن المرأة هى حجر الأساس والعنصر الرئيسى لانها المكلفة ببث وترسيخ القيم فى ابنائنا للحفاظ على قيمهم واوطانهم ، والازهر رسالته عظيمة في هذا الوقت العصيب وعنوان مشرف لمصر والعالم الإسلامي ، مشيرة إلى أن داء المجتمع هوس التركيز على السلبيات وتضخيمها، وللحفاظ على مجتمعنا فعلينا زرع قيمنا العريقة والأخلاقية، والمرأة عليها العبء الأكبر لأنها هى مصباح كل دار، ولنقضى على السلبيات الوافدة من الغرب والشرق بمزيد من الوعى والاهتمام ببلادنا.
استمرار الفعاليات
على جانب آخر تستمر فعاليات المؤتمر، غدا الأربعاء، من خلال مجموعة من المحاور المهمة؛ حيث يتناول: القيم المجتمعية ومنزلتها في الدين، وعلاقتها بالقوانين الوضعية والهوية والنظام العام، للدكتور: حسين منازع، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون، القيم المجتمعية: مفهومها وأثرها على الأحكام، وعلاقتها بالنظام العام ” نماذج وتطبيقات”، للدكتور: إبراهيم نجار علي، الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والقانون، القيم المجتمعية المشتركة وجذورها في المسيحية والإسلام، للدكتورة: ميادة ثروت الصغير. دكتوراه الفلسفة في الدراسات الأسيوية. المسؤولية الشرعية والقانونية للمؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية، للحفاظ على القيم المجتمعية، دور الأزهر في الحفاظ على القيم المجتمعية والإنسانية، للدكتور: عبد الفتاح عبد الغني العواري. المنظور الشرعي لدور المؤسسات التعليمية الإماراتية في المحافظة على القيم المجتمعية” تأمين الوطن واستقراره نموذجاً “، للدكتورة: ليلى أحمد سالم المشجري، الأستاذ المساعد بأكاديمية ربدان دولة الإمارات، المسؤولية الشرعية للمؤسسات الإعلامية والتعليمية، ودورها في المحافظة على القيم المجتمعية، للدكتور: سيد علي هريدي. المدرس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية. قنا، المسئولية المدنية للإعلامي في ضوء المحافظة على القيم المجتمعية، للدكتور: عثمان علي عثمان. المدرس بكلية الشريعة والقانون، الحماية الجنائية للقيم المجتمعية في مواجهة الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار، للدكتور: أشرف سيد أبو العلا. المستشار القانوني بوزارة الصحة، والمحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة. قيم التسامح الديني والسلام المجتمعي في دولة الإمارات، دراسة شرعية تطبيقية، للدكتورة: حمدة خلفان بالجافلة المنصوري، كبير باحثين في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري دبي. دور الفقه القانوني في حفظ القيم المجتمعية، آداب الخصومة القضائية نموذجا، للدكتور: حسام مهني صادق. الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والقانون، دور مركز الأزهر العالمي للفتاوى الإلكترونية في الحفاظ على القيم المجتمعية “دراسة فقهية تحليلية حول بعض بيانات المركز، للدكتور: محمود عبد الراضي، المدرس بكلية الدراسات الإسلامية بنين بأسوان. دور هيئات الضبط الإداري في حماية الآداب العامة، دراسة مقارنة، للدكتور: محمد سعيد سعد الله بخيت. المدرس بكلية الشريعة والقانون، دور المؤسسات الدينية في حماية المجتمع من خطر المثلية الجنسية، دراسة شرعية مقارنة، للدكتور: محمد حلمي. وكيل كلية الشريعة والقانون للدراسات العليا والبحوث بطنطا. دور المؤسسات الدينية والتشريعية في تعزيز الأمن الثقافي لحماية الهوية، للدكتور: محمد ربيع أحمد حسين، مدير إدارة الشؤون الصحية، الاسكندرية، المسؤولية الشرعية لهيئة كبار العلماء في الحفاظ على القيم المجتمعية، من خلال لجنة الدراسات الفقهية بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، للدكتور: أبو اليزيد علي أبو اليزيد، مدير عام شؤون القرآن بالأزهر. هيئة كبار العلماء ودورها في الحفاظ على القيم المجتمعية، من خلال بحوث ودراسات لجنة السنة النبوية، للدكتور: أيمن عيد الحجار، الباحث بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، دور الأزهر في تعزيز القيم المجتمعية (برنامج أكاديمية الأزهر العالمية إنموذجاً)، للدكتور مصطفى شكري علوان، المدرس بقسم الصحافة والنشر، كلية الإعلام. جامعة الأزهر. تراجع القيم المجتمعية: أسبابه، وآثاره على استقرار المجتمع، وطرق علاجه، دور المقاصد الشرعية في الحفاظ على القيم المجتمعية، تراجع القيم المجتمعية الأسباب والعلاج، “القيم الأسرية أنموذجاَ، للدكتور: عبد الفتاح بهيج العواري. تراجع القيم المجتمعية: أسبابه، وآثاره على استقرار المجتمع، وطرق علاجه، للدكتور: هشام فراج، المدرس بكلية الشريعة والقانون، تراجع القيم المجتمعية: أسبابه، وآثاره على استقرار المجتمع، وطرق علاجه”، للدكتور: صلاح السيد محمد-المدرس بكلية الشريعة والقانون، تراجع القيم المجتمعية: أسبابه، وآثاره على استقرار المجتمع، وطرق علاجه من منظور إسلامي”، للدكتور: محمد خلف الله. المدرس بكلية الشريعة والقانون، تراجع القيم المجتمعية: أسبابه، وآثاره على استقرار المجتمع، وطرق علاجه في الفقه الإسلامي”، للدكتور: علاء فتحي حسين، المدرس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بقنا، العنف بين الأزواج وأثره على القيم المجتمعية وسبل علاجه من منظور شرعي، للدكتور: درويش مرسي عبد المعطي، استاذ مساعد بكلية البنات الإسلامية، تراجع القيم المجتمعية، أسبابه وآثاره وطرق علاجه، للدكتورة: سناء عبد الحميد عبد الرحمن، المدرس بكلية البنات الإسلامية. دور نظرية المقاصد الشرعية في حفظ القيم المجتمعية، الكرامة الإنسانية نموذجا، دراسة مقارنة بالشرعية الدولية، للأستاذة: بدرية بنت عبد الله بن منصور الهنائي، عضو هيئة تدريس بكلية البريمي الجامعية . سلطنة عمان، دور المقاصد الشرعية في حفظ القيم المجتمعية، للدكتور: عاطف حامد. المدرس بكلية الشريعة والقانون، دور المقاصد الشرعية للعقوبات المقررة على الجرائم وأثرها في حفظ القيم المجتمعية. دراسة فقهية تأصيلية مقارنة، للدكتور: عمر مصطفى، المدرس بكلية الشريعة والقانون، دور المقاصد الشرعية في الحفاظ على القيم المجتمعية، للدكتور : عبدالرحمن أحمد محمد، المدرس بكلية الشريعة والقانون، موقف المؤسسات الدولية من القيم المجتمعية، وأثر ذلك على الهوية المجتمعية، موقف المؤسسات الدولية من القيم المجتمعية، وأثر ذلك على الهوية المجتمعية، للدكتور: أحمد عبد العليم، الأستاذ المساعد المتفرغ، بكلية الشريعة والقانون، موقف المؤسسات الدولية من القيم المجتمعية وأثر ذلك على الهوية المجتمعية ، للدكتور: محمد سعيد آل ظفران، المدرس بكلية الشريعة وأصول الدين، جامعة الملك خالد بالسعودية.