السماحة هي: بذل ما لا يجب تفضلا، والتسامح مع الغير في المعاملات المختلفة يكون بتيسير الأمور والملاينة فيها، ويتجلى ذلك في التيسير وعدم القهر، وسماحة المسلمين التي تبدو في تعاملاتهم المختلفة سواء مع بعضهم أو مع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم ” أيُّ الأديان أحب إلى الله عزوجل؟ قال: الحنيفيةُ السمحةُ “. رواه الإمام أحمد بإسناد حسن.
فضائل السماحة:
ـــ السماحة من مكفرات الذنوب: قال صلى الله عليه وسلم : حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير إلا أنه كان رجلاً موسراً، وكان يخالط الناس، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، فقال الله عزّ وجلّ لملائكته: “نحن أحقّ بذلك منه، تجاوزوا عنه.رواه مسلم في صحيحه .
ــــ السماحة سبب للرحمة: قال صلى الله عليه وسلم : رحم الله رجلاً سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى. رواه البخاري في صحيحه .
ــــ السماحة منجاة من كرب يوم القيامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من أنظر معسراً أو وضع له؛ أنجاه الله من كرب يوم القيامة”حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه
ـــ السماحة تُحرّم صاحبها على النار: قال صلى الله عليه وسلم : “من كان سهلاً هيّنا ليّنا حرّمه الله على النار”، ( حديث صحيح على شرط مسلم) .
ـــ وتتجلى هذه السماحة والرحمة في صور شتى من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في عباداته ومعاملاته، وفي سلوكه وأخلاقه مع قرابته وأصحابه وأصدقائه وأعدائه، فكان صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، وأوسعهم صدراً، وأصدقهم حديثاً، وأكرمهم عشرة، كثير التبسم، طيب الكلام، وَصُولاً للأرحام، حريصاً على السلام، وإفشاء السلام، لا يحب أن يقوم له أحد من المجلس، يجلس حيث ينتهي به المجلس، يخالط الناس فيرشدهم إلى الأمانة، وينهاهم عن الغش والخيانة، حَسَن المصاحبة والمعاشرة، يغض الطرف عن أخطاء وهفوات من خالطه، يقبل معذرة المسيء منهم، وإذا بلغه خطأ أحد منهم لا يقابله بما يكره، بل يقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، يتلطف إلى من حوله حتى يظن كل واحد منهم أنه أحب الناس إليه، يستشير ذوي الرأي والمشورة منهم مع أنه تميز بتأييد الوحي عنهم، يشارك أصحابه فيما يعملون، ويتحمل من الصعاب ما يتحملون، ويوجز ذلك الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه بقوله في بيان سماحة النبي صلى الله عليه وسلم : إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر فكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير. رواه الإمام أحمد بإسناد حسن.
فأحكام الإسلام مبنية على السهولة واليسر، ورفع الحرج، وخصال الدين كلها محبوبة، لكن ما كان سمحا أي سهلا فهو أحبّ إلى الله؛ لذلك لا ينبغي التشديد والتعسير على عباد الله، “فما شادّ الدين أحد إلا غلبه”، وانظر إلى بني إسرائيل لما شدّدوا شدّد الله عليهم، ولو سامحوا لسومحوا ، وأتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ? فقال: يا نبي الله أي العمل أفضل؟، قال: “الإيمان بالله وتصديق به، وجهاد في سبيله”، قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله قال: “السماحة والصبر”، قال: أريد أهون من ذلك، قال: “لا تتهم الله تبارك وتعالى في شيء قضى لك به”. رواه أحمد في مسنده .
أما عن أبواب السماحة فهي كثيرة منها:
ــ السماحة في البيع والشراء والقضاء: قال صلى الله عليه وسلم : “غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلا إذا باع، سهلا إذا اشترى، سهلا إذا قضى” أخرجه البخاري في صحيحه ،
ــ السماحة في الدين والإقتضاء: قال جلّ جلاله: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة آية:280]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنا فتجاوز عنه”. رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
ـــ ومن حسن الاقتضاء: التسامح في التقاضي، وقبول ما فيه نقص يسير، وطلبه بسهولة، و وترك التضييق على الناس، وأخذ العفو منهم لعل الله يرحمنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “رحم الله رجلا سمحا إذا باع و إذا اشترى و إذا اقتضى”.
ــ السماحة بالعلم: وذلك ببذل العلم، وهو من أفضل أبواب السماحة، وخير من السماحة بالمال؛ لأن العلم أشرف من المال، فينبغي على العالم أن يبذل العلم لمن يسأله عنه، بل يطرحه عليه طرحا، وإذا سأله عن مسألة استقصى له جوابها استقصاءً شافيا فلا يقتصر على مسألة السائل، بل يذكر له نظائرها ومتعلقها ومأخذها بحيث يشفيه ويرويه، وقد سأل الصحابة الكرام رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المتوضئ بماء البحر، فقال: “هو الطهور ماؤه، الحل ميتته”، فأجابهم على سؤالهم، وجاد عليهم بزيادة لعلهم في بعض الأحيان أحوج إليها مما سألوه عنه.
ــ السماحة بالعرض: وفي هذه السماحة من سلامة الصدر وراحة القلب، والتخلص من معاداة الناس ما فيها … كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره، وعندما هلك مسطح فيمن هلك من أصحاب الإفك حيث خاض مع الخائضين الذين اتهموا السيدة عائشة رضي الله عنها بالفاحشة أقسم أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينفق عليه، فعوتب الصِّديق، فتصدق بعرضه على الرغم من عظم ذنب مسطح، و لله درّ القائل:
فإنّ قدر الذنب من مسطح … يحطّ قدر النجم من أفقه
و قد جرى منه الذي جرى … وعوتب الصديق في حقه
وأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها تخبرنا بجلية الأمر، حيث تقول:” … فلما أنزل الله براءتي، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه – وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره – : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور آية:22] قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى النفقة التي كان ينفقها عليه، وقال: والله لا أنزعها أبدا.