د. عاصم حجازي:
تلاعب بنفسية المراهقين بتحدي التقليد الأعمى
د. إيمان هيكل:
كارثة اجتماعية ..الوعي سلاح المواجهة الوحيد
تحقيق- سمر هشام :
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصة الطالب، الذي أصيب بشلل رباعي نتيجة دخوله في تحدٍ خطير من تحديات “التيك توك”، قصة الطالب بدأت باتفاقه مع زملائه في المدرسة على تجربة تحدي “ارمِ صاحبك” الموجود على تطبيق “تيك توك”، وتلتف مجموعة من الأصدقاء في شكل دائرة حول صديق يختارونه، ويلقونه في الهواء، ثم يتركونه يقع أرضا لمعرفة مدى قوة تحمله، ويفوز الصديق في حالة عدم تعرضه لأي ضرر
انتشرت حالة من الجدل بسبب ظاهرة تقليد طلاب المدارس لبعض الألعاب التي تلقى رواجا عبر التيك توك وغيره من تطبيقات التواصل الاجتماعي وبعض هذه الألعاب قاتل وبعضها له أضرار نفسية ، ومن نماذج التحديات بين مستخدمى برنامج تيك توك فى جميع انحاء دول العالم منها “تحدي التعتيم”، “تحدى السكوت “، “تحدى البروتين الجاف”، ” تحدى الأحكام”، تحدى كتم الأنفاس وغيرها من أشكال التحديات الأخرى، فقد ظهرت العديد من مخاطر تحديات تطبيق تيك توك وأهمها: الانتحار أو الموت نتيجة تصوير مستخدم تيك توك وهو يقوم بتصرف أو أداء في غاية الصعوبة، ومشاركة مهاراته مع الآخرين لتشجيعهم على فعل الشيء نفسه دون خوف، فقد تؤدي في النهاية بأضرار فادحة كالموت أو الانتحار.
وأكدت وزارة التربية والتعليم أنها “رصدت قيام بعض الطلاب في عدد من المدارس التابعة لإدارات تعليمية مختلفة بممارسة لعبة خطرة يحاولون خلالها تطبيق لعبة على الإنترنت وخلال خطوات اللعبة تحدث حالة من الإغماء وتعرض حياة الطالب للخطر”.
وتابعت الوزارة أنها “وجهت جميع الإدارات التعليمية على مستوى الجمهورية بالتنبيه على مديري المدارس مراقبة أي أنشطة غير معتادة يقوم بها الطلاب قد تضر بهم، وتنفيذ حملات توعية بأضرار الألعاب الإلكترونية التي يسعى بعض الطلاب لتطبيقها على أرض الواقع ، ونطالب أولياء الأمور بمراقبة سلوك أبنائهم على الهواتف الذكية وتوعيتهم بمخاطر الألعاب الإلكترونية باعتبارهم شريكا أساسيا مع الوزارة في تربية “الطلاب”.
أضرار نفسية
أوضح دكتور عاصم حجازى أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تقليد طلاب المدارس لبعض الألعاب التي تلقى رواجا عبر التيك توك وغيره من تطبيقات التواصل الاجتماعي، وبعض هذه الألعاب قاتل وبعضها له أضرار نفسية جسيمة على الطلاب ،ولعلاج هذه المشكلة لابد من تحديد أسبابها بدقة والتي تتمثل في لجؤ الطلاب لمثل هذه الألعاب في فترة الطفولة المتأخرة وبدايات المراهقة وفي هذه المرحلة تحديدا يبحث الطالب دائما عن الإثارة والتشويق، وإذا لم يجد ذلك في أنشطته اليومية المفيدة فإنه سيبحث عنه في أي شيء آخر وفي ظل إتاحة الانترنت وانعدام الرقابة سوف تكون الظروف مهيأة تماما لأن يحقق ذلك من خلال هذه الألعاب.
يحذر الدكتور حجازى من ترك الطالب دون أهداف يومية محددة بدقة و أن يشعر الطالب بالفراغ والملل, كما أنه لا يجد من يساعده على إيجاد مجال مفيد للتنافس يتوافق مع قدراته وميوله فيسعى لإثبات ذاته من خلال منافسة زملائه في هذه الألعاب الخطيرة، كما أن المدرسة غير قادرة على جذب التلاميذ وإثارة دوافع التعلم لديهم كما أنها لا تهتم بالأنشطة أو لا توظفها في اليوم الدراسي بشكل يستحوذ على انتباه التلاميذ, كما أن إهمال هوايات وميول الطلاب ومواهبهم يعمل على نفور الطالب من المدرسة وشعوره بالملل والإحباط ويسعى لكسر هذا الجمود بأي وسيلة حتى ولو كانت ألعابا تمثل خطورة على حياته
وأضاف أن انعدام الدور الرقابي للأسرة والمبالغة في ترك الحرية للطالب خاصة في الفضاء الرقمي دون رقابة أو توجيه مع إهمال الأسرة وعدم قيامها بدورها التربوي بشكل جيد ويدخل في هذا الإهمال العاطفي وغياب الحوار الأسري وعدم مساعدة الطالب على تحديد أهدافه سبباً في ذلك مع غياب القدوة الحسنة، وغياب التربية النفسية والوجدانية السليمة للطلاب فالاهتمام منصب على الجانب المعرفي فقط، بينما الجوانب النفسية لا تلقى نفس الاهتمام ففي الوقت الذي يكون الطالب فيه متفوقا في الجانب العلمي فإنه يعاني من فقدان الثقة بالنفس وعدم الاستقلالية في التفكير والتبعية المفرطة التي تقوده إلى التقليد الأعمى ومسايرة الجماعة من أجل الحصول على التقدير وهو ما يدعوه للمنافسة في هذه الألعاب.
وأشار إلى أن هناك مجموعة من الإجراءات التي يجب اتخاذها للوقاية من الوقوع في شرك هذه الألعاب القاتلة والعلاج أيضا فى نفس الوقت وهى مساعدة الطالب على تحديد أهدافه وإعداد خطط مناسبة لتحقيقها وتحديد جدول زمني والتزامات معينة لتحقيق هذه الأهداف وتشجيع هذا الأمر وتحفيزه بشتى الصور الممكنة، ولابد من الحرص على توفير قدر من الإثارة والمغامرة المحسوبة والهادفة في حياة الطالب سواء أكان ذلك من خلال الأنشطة المختلفة أو من خلال استخدام استراتيجيات تدريس تعتمد على الاستكشاف والبحث وتغيير الروتين الثابت في حياة الطالب بالخروج لاستكشاف أماكن جديدة وتعلم هوايات ومهارات جديدة.
ويشدد الدكتور حجازى على ضرورة الحرص على تقديم الدعم النفسي الكامل للطالب سواء من خلال المدرسة أو الأسرة والانصات له ومشاركته في اهتماماته وميوله وبناء الثقة بالنفس لديه وتعويده على تحمل المسئولية وتنمية الضمير والمحاسبة الذاتية لديه ودعم استقلاليته والبعد عن القسوة في التعامل معه وإشراكه في صنع القرارات واتخاذها لاسيما تلك المتعلقة بحياته الشخصية وتعويده على عدم الانصياع لرأي أو توجه معين لمجرد شيوعه وتنمية التفكير النقدي لديه .
و يطالب الدكتور حجازى بضرورة تفعيل الرقابة الأسرية والمدرسية بشكل كامل وتنظيم وقت الطالب على الانترنت ومراقبته بشكل مناسب من خلال تكليفه بمهام محددة ذات فائدة تربوية وحساب الوقت اللازم لتحقيق المهمة ومن ثم مناقشة الطالب فيما تم إنجازه فور انتهاء الوقت وتعويده على الاستثمار الجيد للوقت وإدراك أهميته في بناء مستقبله وتطوير ذاته.
كارثة اجتماعية
أوضحت دكتورة إيمان هيكل استاذ علم الاجتماع والانثروبولوجيا بكلية الاداب جامعة الفيوم، أن تطبيقات التيك توك هى أحد تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي التي انتشرت في السنوات الاخيرة، انتشاراً كبيراً في مجتمعاتنا، وهو برنامج متخصص في نشر الفيديوهات الفكاهية والمسلية، كنشر مقاطع الفيديو القصيرة مدتها 15 ثانية، فالتيك توك أصبح حقاً وباءاً اجتماعياً وتلوثا سمعياً وبصرياً مليء بمزيج من التمثيل والاصطناع ليأتي لسلب ذات الشباب والمراهقين والكبار على حد سواء، بدرجة تدعو للاشمئزاز والحزن على أولادنا على نطاق واسع، لتأتي ظاهرة تيك توك بمشكلاته العديدة فعلى سبيل المثال لا الحصر ما يسمى «التحدي» على تطبيق «تيك توك» إلا جرس إنذار لمئات من الأسر، فى ظل إقدام كثير من الأطفال والمراهقين والشباب على تنفيذ مثل هذه التحديات التى تكون مميتة، وتسبب الاكتئاب والعزلة الاجتماعية وذلك نتيجة فشلهم في تحقيق تلك الخدعة المنتشرة، أو يميلون إلى العزلة الاجتماعية بسبب اهتمامه بما تعرضه مقاطع الفيديو القصيرة والتي قد تساعدهم على حل غموض تلك اللعبة أو التحدي.
وأضافت الدكتور إيمان أن من أهم النتائج السلبية لتلك البرامج “العري” والتحرش بكافة أنواعة نتيجة قيام بعض الفتيات، بتصوير مقاطع قصيرة لبعض الحركات الرقص وما شابه ذلك مما يشجع العديد من المشاهدين على استخدام أسلوب التعري للحصول على مشاهدات أعلى من منافسيهم، مما يسمح أيضا بوجود فرص للتحرش اللفظي والجسدي، فقد تصل أيضاَ مخاطر التحدي عبر التيك توك إلى السجن والقبض على صانعي بعض المحتوى ممم يستخدمون التطبيق دون رقابة، التي تحتوى مقاطعهم القصيرة على مشاهد فاضحة على غرار القضية المعروفة إعلاميا باسم “نجمة التيك توك
وتشير الدكتورة إيمان إلى أن انتشرت الألعاب الخطيرة (التحدي) بين أبناءنا وبناتنا دون رقابة وفى شكل شبه عشوائى نتيجة الطاقة الانفعالية المكبوتة لدى أبناءنا وبناتنا سواء في مرحلة الطفولة أو المراهقة، وعدم تفريغها بصورة صحية من خلال ممارسة الأنشطة الرياضية والفنية المختلفة داخل المدرسة، وميل المراهقين إلى الألعاب التى يرفضها الكبار كنوع من «التمرد» وأيضاً لكي يشعروا باستقلاليتهم، والميل إلى التقليد الأعمى لذلك التحدي الذى يدفعهم إلى الألعاب التى تتسم بالإثارة والخطورة.
وتؤكد الدكتور إيمان أن مسئولية تلك التحديات تقع على عاتق كلا من الأسرة والمجتمع ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ومؤسسات الدولة كالمدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية وغيرها من خلال مُتابعة الأبناء بصفة مستمرة على مدار السّاعة، ومتابعة تطبيقات هواتف الأبناء وعدم تركها معهم لفترات طويلة أيضا شغل أوقات فراغ الأبناء بما ينفعهم من الأنشطة الرّياضية المُختلفة، بالإضافة إلى تدريب أبناءنا وبناتنا على تحديد أهدافهم وتحمل مسئولياتهم وأيضا الحث على المشاركة الايجابية في إطار الأسرة والمجتمع، مشيرة إلي أن التيك توك أصبح يتيح ميزة الاقتران العائلي وتم انطلاقه في فبراير الماضي، وهذه الميزة يمكنها مساعدة الآباء والأمهات على التحكم في حسابات أطفالهم، ومراقبة المحتويات التي يشاهدها أولادهم، فذلك قد يساعد من الحد في الدخول في دوامة التحديات ويساعدهم كذلك من حماية أطفالهم من المحتوى غير اللائق المنتشر.