قدَّمت مصرُ- وما تزال- خِيْرِة أبنائها وأعزَّ ما تملك من زَهرة شبابها، الذين لا يتأخّرون عن الفداء بأرواحهم ودمائهم، دفاعًا عن الوطن وأهلِه، ضد أعدائه- سواء من الخارج أو الداخل- لتبقى مصر دائمًا وأبدًا عالية هاماتُها، مرفوعة راياتُها.
وعلى مرِّ التاريخ ارتوت أرضُ الكنانة بالدماء الطاهرة من أبنائها البَرَرَة، وقد توارثت الأجيالُ المتلاحقة “وسام الشهامة والشجاعة” والرغبة الصادقة فى مواصلة مسيرة الأبطال الشهداء، ومن ثمَّ خلَّدت مصرُ مسيرة شهدائها بتحديد يوم الـ 9 من مارس كل عام، يومًا للشهيد المصرى، وتحرص القيادة السياسيّة والقوَّات المُسلَّحة على إحياء هذه المناسبة الكريمة، لتجديد الوفاء والذكرى لمن ضحّوا بأرواحهم حتى تبقى مصر خالدة مُصَانة لأبنائها.
ومعروف أن يوم الشهيد في مصر هو ذلك اليوم الذى أعلنته مصر عام 1969 تخليداً لذكرى رحيل رئيس أركان حرب الجيش المصري عبدالمنعم رياض، الذى نعاه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومنحه رُتبة “الفريق أول” ونجمة “الشرف العسكرية” التي تُعتبر أكبر وسامٍ عسكريٍ في مصر، بعد أن استُشهد جرَّاء إصابته بقذيفة من العدو الإسرائيلى المحتلّ، خلال تفقُّده جبهة القتال عَقِب نكسة 67 وسعِىِ القيادة العسكريّة لتجديد وتحديث قوّات الجيش وإعادة ترتيب صفوفها، حتى كان النصرُ حليفها فى أكتوبر 1973 فاستعادت كرامتها وعزَّتها بل مكانة الأمّة العربيّة والإسلاميّة كلها.
ومازالت المعركةُ والتحديثُ والاستعدادُ مستمرًا فى كافّة قطاعات وأفرُع القوّات المسلّحة المصريّة، تأهُّبًا لأى احتمالات عدوانية، ويكفيها فخرًا وشرفًا ما قامت به طوال الفترة القليلة الماضية من معركة حامية الوطيس مع جحافل وجماعات الإرهاب والتطرّف التى تكالبت فيها قوى دوليّة عديدة للنَيْلِ من مصر.
وبفضل الله لم يقتصر أو يتوقّف دورُ قوّاتنا المسلّحة على مجرّد الاتسعداد والتأهُّب لمعركة السلاح والحرب، وإنما تقتحم وتتحمّل مسئولية معركة البناء والتنميّة والحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، من خلال المشاركة الفاعلة والإيجابية فى توفير وتحقيق “الحياة الكريمة” للوطن والمواطن، لذلك نصفها بأنها “يدٌ تبنِى ويدٌ تحمل السلاح”، فالبناء لا يقلّ أهميّة وشَرَفًا عن الدفاع والتضحيّة فى ميدان المعركة، فكلاهما وجهان لشرفٍ وهدفٍ نبيلٍ واحدٍ، هو أن “تحيا مصر” كما تستحق وكما أراد الله لها “أُمّ الدنيا”.
وإذا كانت القيادة السياسيّة والعسكريّة تُحْيِى هذا اليوم وتتذكّره وتستلْهِم منه القوّة والوقود لدوام التطوّر والاستعداد، فإن جبهة المجتمع المدنى لا تقلّ وطنيّة وحماسًا، ومن ثمَّ فعليها إحياء هذه المناسبة، بمزيد من التماسك الداخلى، والتفاعل مع مقتضيات ومتطلّبات وطبيعة العصر المُعَاش، للارتقاء بمستوى وجودة الحياة على أرض الكنانة، فإذا كان الحق قد وصفها بالأمن والأمان لأهلها وزائريها حين قال على لسان سيّدنا يوسف لأبويِه وإخوته: “ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ” (سورة يوسف: 99) فحقٌّ بل واجبٌ علينا جميعا أبناء مصر، العمل على إقرار أمنها وسلامتها، بشتَّى الطُرُق والوسائل، وأهمَّها تحقيق التنميّة والإنتاج، التزام السلوك الحَسَن والمُنضبط، الحفاظ على المُمتلكات والموارد من الإهدار والإسراف فى غير محلِّه، مسابقة الزمن والوقت لامتلاك أدوات وعناصر التكنولوجيا، مع التمسُّك بقِيَمِنا وعاداتنا وتقاليدنا الفضيلة، وقبل كل هذا ومعه الإيمان والثقة فى توفيق المولى عزَّ وجلَّ.