د. رجب قزامل: سير الأنبياء والصالحين مليئة بالدروس والعبر في تعاون البشر
د.محمد عبدالدايم الجندي: تفاوت الناس في العطاء الإلهي اختبار في العطاء والصبر
أدارة الندوة: جمال سالم
متابعة: محمد الساعاتي
تصوير: محمد شعيب
أكد العلماء المشاركون في ندوة “قضاء حوائج الناس.. بين الواجب والمندوب” التي نظمتها عقيدتي ووزارة الأوقاف بمسجد محمد سعيد جقمق بشارع الأزهر، برعاية د. مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن الحريص على قضاء حوائج الناس بإخلاص لوجه الله هو من افضل سعداء الدنيا الآخرة.
أشاروا إلى أن حياة المسلم عطاء إذا أنعم الله عليه بكثير من خيراته كنوع من الشكر، أو صبر إذا ابتلاه الله.
حضر د. محمد أحمد علي، مدير إدارة أوقاف غرب القاهرة، الشيخ فراج حسن، إمام وخطيب المسجد.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتي، أن من أختارهم الله لقضاء الحوائج الناس هم ممن رضي الله عنهم وأرضاهم في الدنيا قبل الآخرة، بل إنهم من أهل الله وخاصته ممن أنعم عليهم بالفضائل والهبات والعطايا، فهم ممن قال فيهم رسول الله “خير الناس أنفعهم للناس” ويكفيهم شرفا أن الله بكرمه يعطيهم الثواب على سعيهم بصرف النظر عن قضاء الحاجة كما يريد صاحبها أم لم تقض، فقد جاء في الحديث القدسي: “أوحى الله إلى داوود، عليه السلام، إن العبد ليأتي بالحسنة يوم القيامة، فأحكمه بها في الجنة، قال داوود: يا رب ومن هذا العبد؟ قال: مؤمن يسعى لأخيه المؤمن في حاجته، يحب قضاءها، قضيت على يديه أو لم تقض” فهذا الحديث يبعث عزائم المسلمين، ويحفز هممهم نحو الحرص الشديد على السعي الدائم إلى قضاء حوائج المسلمين، وتخفيف آلامهم وتحقيق آمالهم مع إخلاص النية لله لأن الأعمال في الإسلام بالنيات، ومن جميل قول الإمام الحسين رضي الله عنه: “اعلموا إن حوائج الناس إليكم، من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتتحول الى غيركم، ومن نفس كربة مؤمن فرج الله تعالى عنه كرب الدنيا والاخرة”.
تعاون ومودة
وقال د. سيف رجب قزامل، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بطنطا، جامعة الأزهر-: لاشك أن قضاء حوائج الناس من الأمور الفطرية التي تثمر الحب والمودة والسعادة بين البشر الذين نفذوا أمر ربهم الأعلم بما يصلح حالهم فقال سبحانه:” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”. المسلم المخلص فى حاجة أخيه دائما، ويسعى فى أن يساعده فى حاجته دون النظر إلى طلب المحتاج أو يعايره بعد قضاء حاجته التي يجب أن يخلص فيها النية لله وحده، ولنا في سير الرسل والأنبياء والصالحين أعظم الأمثلة على ذلك.
وعرض د. قزامل لقصة نبي الله موسى- عليه السلام- حينما خرج من مصر متجها إلى أرض مدين، ووجد امرأتين تزودان، فدفعته الهمة والشهامة إلى مساعدتهما، وكانتا قد خرجتا من البادية، وكانا يسقيان أغنامهما، فتوجه إليهما فى مروءة فطرية، ثم كانت المكافأة الإلهية ثم البشرية على قضاء الحوائج، وسجل الله القصة في القرآن الكريم لتكون نموذجا يحتذى به إلى يوم القيامة:” وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ…”، وصدق رسول الله:” إِنَّ لِلَّهِ عَبَّادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ، فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ”.
وأكد د. قزامل أن علينا أن نقضي مصالح الفئات المستضعفة والفقيرة، وضرب الرسول أمثلة لذلك فقال:” أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ”. وعلينا أن نعلم أن الله تعالى خلقنا على درجات مختلفة، ولسنا على قدر واحد فى الصحة والمرض والمال والزكاة والفطنة والغنى والفقر، وشاء الله أن يسخر بعضنا لبعض فقال:” أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”.
وأشار د. قزامل إلى أن من حكمة الله وعدله أنه من يحرص على قضاء حوائج الناس يسخر له من يقضي له الله سبحانه وتعالى فتح لنا أبوابا للتعاون حتى نسعد ثم يقدم لنا الثواب العظيم،ومت يتقاعس عن ذلك فهو آثم مكذب بالدين، فقال تعالى:” أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ. فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ. وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ” من نعم الله علينا أن جعل قضاء حوائج الناس الآن أيسر في ظل التطور التكنولوجي، وكذلك من ولي من أمر الناس شيئا كوظيفة ما متصلة بحوائج الناس فهو مثاب، وأولى الناس بذلك هم ذوي الرحم والجيران والأصدقاء، صدق رسول الله: “والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قيل من يارسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه وقال أيضا:”من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم”.
وأنهى د. قزامل كلامه قائلا: أعلم يا من تقضي حوائج الناس أن الله لن يضيع ثوابك بل سيزيدك من فضله ونعمه الظاهرة والباطنة، وسيسخر لك من يقض حاجتك لأن الجزاء من جنس العمل، وصدق الله العظيم إذ يقول:”هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ”. فليحمد الله من اصطفاهم الله تعالى بهذا الفضل، وجعلهم من أهل جبر الخواطر بكرمه وإفضاله، ووعدهم أنْ يديم عليهم هذه النعم، وأن يقرهم عليها ما بذلوها لخلقه، وجعلوا قضاء حوائج الخلق عندهم، فخففوا عنهم مؤنة الحياة، ومزلة الحاجة، ولم يشعروهم بالفقر وضيق ذات اليد، بل كانوا معهم، فإن استشعروا الفضل على الخلق، وظنوا أنهم أصحاب يد عليا، توعدهم الله بالسلب، وحول حالهم من الغنى والعطاء إلى الحاجة والافتقار إلى الغير، فالقيام بحق الفقراء سبيل لشكر المنعم، وبقاء للنعم على أصحابها.
حكمة إلهية
أكد د. محمد عبدالدايم الجندي، وكيل كلية الدعوة للدراسات العليا، أن رسول الله غيَّر حياة البشرية من حب الأنا إلى حب الغير كما للنفس كأنه جمع الناس في جسد واحد بعد أن كانوا أشلاء كل عضو في مكان، جسد واحد تشعر أعضاؤه ببعضها دون تفكك وجسد ذلك في قوله:” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” وجعل قضاء حوائج الناس والإحسان إليهم من أعظم أعمال البر، وهو الباقي عند الله، وعن عائشة أم المؤمنين عن أهل بيت رسول الله أنَّهم ذبحوا شاةً فقالَ النَّبيُّ: ما بقيَ منْها ؟ قلت ما بقيَ منْها إلَّا كتفُها. قال: بقيَ كلُّها غيرَ كتفها”.
أوضح أن سيدنا محمد كان يطيب خواطر الفقراء بقضاء حوائجهم فعن أم المؤمنين عَائِشَة قَالَتْ:” ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قط غداء لعشاء ولا عشاء قط لغداء. ولا اتخذ من شَيْء زوجين لا قميصين ولا ردائين ولا إزارين ومن النعال، ولا رئي قط فارغًا فِي بيته إما يخصف نعلاً لرجل مسكين أَوْ يخيط ثوبًا لأرملة”، كما عبر سيدنا رسول الله عن ضرورة إسقاط الأنا وحب النفس، لأن حب النفس سبب رئيس في تعطيل حوائج الناس، وهذا درس واضح في قصة سيدنا جابر التي يرويها رضي الله عنه يقول:” إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كديةٌ شديدة، فجاءوا النبي فقالوا: هذه كديةٌ عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فأخذ النبي المعول فضرب فعاد كثيباً أُهِيل، فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي شيئاً ما كان في ذلك صبر، أفعندك شيءٌ؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأكافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيمٌ لي؛ فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، قال: كم هو؟ فذكرت له. قال: كثير طيب! قال: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال: قوموا. فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك! جاء النبي، والمهاجرون والأنصار معه، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم.فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يقسم الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذوا منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة”.
وأشار إلى أنه ثبت الترغيب في ذلك، قول النبي:” المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.”. كما قال: “من نفَّس عن مؤمن كُربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”. وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما-: أن رجلاً جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام”. فهذا الحديث الأخير يفيد فضل السعي في حوائج المسلمين على الاعتكاف مدة شهر، وقد أورد المنذري في حديث ابن عباس مرفوعا: من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين”.
أشار د. الجندي إلى أنه من حكمة الله حين استخلف بني آدم في الأرض أن جعلهم درجات في كل شئ، وجعل هذا اختبار لهم فقال سبحانه:” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ”. وربما تغيب هذه الحكمة عن الكثير من الخلق، فلو كانوا على درجة من الغنى متساوون، لتطاول العباد على بعض، وتقاعسوا عن العمل، ولو خُلقوا على درجة من الفقر، لعاشوا في ضنك وشقاء، لأن المال سر الوجود، وسبب البقاء، وعليه تقوم عمارة الأرض، وتستمر الحياة بمعاونة الناس بعضهم لبعض، وأكد سبحانه لخلقه أن بسط الرزق وتقتيره من اختصاصه وحده ليرضى العباد بما قسم له من الرزق، فقسمة الله عادلة، وحكمته للخلق كلها خير، فقال تعالى:” اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”. وأوضح هذه الحكمة في الحديث القدسي: “…وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْفَقْرُ وَإِنْ بَسَطْتُ لَهُ أَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الصِّحَّةُ وَلَوْ أَسْقَمْتُهُ لَأَفْسَدُهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي المُؤمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا السَّقَمُ، وَلَوْ أَصْحَحْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، إِنِّي أُدَبِّرُ عِبَادِي بِعِلْمِي فِي قُلُوبِهِمْ إِنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.