كان منهج الإمام الغزالي رفض دخول العوام، وأنصاف العلماء حلبة الإفتاء، وكان يراهم مدَّعين، وكثيرًا ما تعرَّض رحمه الله لتطاولهم، وإساءاتهم، يقول الغزالي: «وَدِدتُ لو أُعِنتُ على محاكاة أبي حامد الغزالي مُؤَلِّفِ (إلجام العوام عن علم الكلام)، فَأّلفتُ كتابًا عنوانه )إلجام الرَّعاع والأغمار عن دقائق الفقه ومُشكِل الآثار)، لأمنعهم عن مناوشة الكبار، وأشغلهم بما يصلحون له من أعمال تناسب مستوياتهم، وتنفع أممهم بهم».
ورأى «الغزالي» أن «الجهاد التربوي أقرب مناهج الإصلاح للصواب»، كما اتفق مع محمد عبده في تقديم العمل التربوي الجماهيري على العمل السياسي الضيق.
وتوجَّه نحو دراسة أحوال المجتمع المسلم فجاءت قضية المرأة، وتوسيع دائرة تعليمها، وفتح المجال لإسهاماتها في مقدمة منهاجه العملي في الإصلاح الاجتماعي.
كما يُعد الغزالي من أبرز الدعاة المدافعين عن اللغة العربية في هذا العصر، وكان يقول: «اللغة العربية في خطر، أدركوها قبل فوات الأوان».
ويعد الإمام الغزالي، أحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، وكان من «المناهضين للتشدد والغلو في الدين»، نشأ في إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، في 3 من ذي الحجة 1335، و22 سبتمبر 1917، واسمه محمد الغزالي أحمد السقا، وتلقب بالـ«الغزالي»، لأن والده رأى في منامه الإمام أبوحامد الغزالي وقال له «إنه سينجب ولدا ونصحه أن يسميه على اسمه الغزالي فما كان من الأب إلا أن عمل بما رآه في منامه».
وأتم حفظ القرآن بكتّاب القرية في العاشرة، ويقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ: «كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة».
والتحق بعد ذلك بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة (1356 هـ الموافق 1937م) والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر.
ومع اختلافه في بعض الآراء مع بعض العلماء، فإنه كان يُنزل كل إمام منزلته، ويعطيه قدره الذي يستحقه، ويقول في ذلك: «مع أني أميل أحيانًا إلى الفقه الحنفي، فإني جانح بفؤادي وإعجابي إلى الشافعي».
وقال عن تقديره لكل العلماء حتى القدامى: «إنني لا أجعل عيبًا ما يغطي مواهب العبقري، ثم لحساب مَنْ أهدم تاريخنا الأدبي والديني؟، ولمصلحة مَن أشتم اليوم علماء لهم في خدمة الإسلام وكبت أعدائه كفاح مقدور؟، ومَن يبقي مِنْ رجالنا إذا أخذت تاريخ الشيخين أبي بكر وعمر مِنْ أفواه غلاة الشيعة، وتاريخ على بن أبي طالب من أفواه الخوارج، وتاريخ أبي حنيفة من أفواه الإخباريين، وتاريخ ابن تيمية من ابن بطوطة وابن فلان، وتاريخ محمد بن عبدالوهاب من أفواه الترك».
«القرن الذي ولدت فيه من أسوأ القرون التي مرّت بديننا الحنيف» بذلك عبّر الشيخ الراحل محمد الغزالي، عن أنه ولد في أسوأ فترة عاشها التاريخ الإسلامي، فالـ«الغزالي»، اعتبر أنه «برز إلى الدنيا في كبوة من تاريخ الإسلام، أيام كئيبة كان الإنجليز فيها يحتلون مصر، كما احتلوا أقطاراً فيحاء من أرض الإسلام .
وحصل الغزالي على درجة «العالمية» سنة 1943م، وبدأ رحلته في الدعوة في مساجد القاهرة،وتلقى العلم على يد المشايخ عبد العظيم الزرقاني، ومحمود شلتوت، ومحمد أبوزهرة والدكتور محمد يوسف موسى والشيخ محمد محمد المدني.
وما لبث أن ظهر أول مؤلفات الشيخ الغزالي بعنوان «الإسلام والأوضاع الاقتصادية» في 1947م، أوضح فيه أن للإسلام من الفكر الاقتصادي ما يدفع إلى الثروة والنماء والتكافل الاجتماعي بين الطبقات، ثم أتبع هذا الكتاب بآخر تحت عنوان «الإسلام والمناهج الاشتراكية»، مكملاً الحلقة الأولى في ميدان الإصلاح الاقتصادي، شارحًا ما يراد بالتأمين الاجتماعي، وتوزيع الملكيات على السنن الصحيحة، وموضع الفرد من الأمة ومسؤولية الأمة عن الفرد، وبعدها أصدر كتابه الثالث «الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين».
وبعد حل جماعة الإخوان المسلمين في 1948، واغتيال حسن البنا، أودع «الغزالي» معتقل الطور مع كثير من أعضاء الجماعة، وظل به حتى خرج من المعتقل في سنة 1949م، وبعدها خرج ليعود للدعوة من جديد، وترك الجماعة، وبعد سنة 1952 نشب خلاف بين الغزالي وحسن الهضيبي، مرشد جماعة الإخوان المسلمين وقتها، خرج على إثره الغزالي من الجماعة.
بعدها عمل إمامًا وخطيبًا في مسجد العتبة الخضراء ثم تدرّج في الوظائف حتى صار مفتشًا في المساجد، ثم واعظًا بالأزهر ثم وكيلاً لقسم المساجد، ثم مديرًا للمساجد، ثم مديرًا للتدريب فمديرًا للدعوة والإرشاد، وفي سنة 1391هـ 1971م أعير للمملكة العربية السعودية أستاذًا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، ودرّس في كلية الشريعة بقطر، وفي سنة 1401هـ 1981م، عُيِّن وكيلاً لوزارة الأوقاف بمصر.
سافر إلى الجزائر سنة 1984 م للتدريس في جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، درس فيها رفقة العديد من الشيوخ كالشيخ يوسف القرضاوي ومحمد سعيد البوطي حتى تسعينات القرن العشرين، وبعدها تولى رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبدالقادر الجزائري الإسلامية بالجزائر لمدة خمس سنوات وكانت آخر مناصبه.
توُفِّي الإمام محمد الغزالي، السبت، 19 من شوال 1416هـ، 9 من مارس 1996م في السعودية أثناء مشاركته في مهرجان الجنادرية الثقافي بالمملكة العربية السعودية، حول موضوع الإسلام وتحديات العصر، ودُفِنَ بالبقيع، وكان قبلها وكان يتمنى قبل وفاته أن يُدفَنَ في البقيع، وترك تراثًا علميًا ضخمًا تعدى الـ40 كتابًا، غير المحاضرات والدروس الصوتية.