كتب- حسام وهب الله
رغم أن اسرائيل نفت أكثر من مرة التقارير التي تحدثت عن محاولاتها تنفيذ خطة جهنمية لتوطين الفلسطينيين بشكل عام وفلسطيني غزة بشكل خاص في سيناء المصرية إلا إن التاريخ والواقع يؤكد إن إسرائيل لديها خطة متكاملة تسعى لتنفيذها منذ فترة طويلة للغاية.
وبعد اندلاع عملية طوفان الأقصى بأيام قليلة وتعرض اسرائيل لقصف يُقال إنه الأعنف منذ بدء الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين قبل 75 عامًا، أخذت دعوات تفريغ قطاع غزة من السكان طابعًا رسميًّا، حيث طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي من 1.1 مليون شخص في شمال غزة إخلاء منازلهم على الفور، في خطوة تشير إلى وجود مخطط لتهجير أهالي القطاع الذي يعيش فيه نحو 2.3 مليون شخص تحت حصار منذ سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007.
لاحقًا، أصبحت الدعوات صريحة على لسان المسؤولين الإسرائيليين، حيث نقلت وكالة “رويترز” عن كبير المتحدثين العسكريين الإسرائيليين، ريتشارد هيشت، قوله إنه ينصح الفلسطينيين الفارّين من غاراته الجوية بالتوجه إلى الأراضي المصرية في سيناء، مؤكدًا أن “معبر رفح مفتوح”، في وقت تكثّف قوات الاحتلال استعداداتها لاجتياح برّي للقطاع، لكن بعد ساعات عدّل جيش الاحتلال التوصية، وأكّد إغلاق المعبر، وأنه لا نية لتوجيه سكان غزة “بالخروج” عبر معبر رفح على الحدود الجنوبية مع مصر.
إغراءات اقتصادية
والتاريخ يؤكد إن خطة الكيان الصهيوني ليست وليدة اليوم بل ليست من بنات أفكار اسرائيل فحسب بل شاركت فيها القارة الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ففي مطلع 2003 وإبان فترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية، قريبة الصلة من دوائر صنع القرار في اسرائيل، تقريرا قالت فيه إن اسرائيل بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي عرضا على الحكومة المصرية مشروع مخطط لتوطين سكان قطاع غزة في منطقة شمال سيناء وفي مقابل هذا يقوم الاتحاد الأوروبي بضخ استثمارات هائلة في سيناء ويقوم كذلك ببناء عدد من محطات تحلية المياه وتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في رفح المصرية والعريش بحيث تحصل مصر على جزء كبير من المياه المحلاة لزراعة ملايين الأفدنة في سيناء إضافة إلى الطاقة الكهربائية التي ستحصل عليها من المحطات النووية.
رفض حاسم
في ذلك التقرير أشارت معاريف إلى إن مصر رفضت تماماً هذا العرض وأكدت إن سيناء للمصريين وفلسطين للفلسطينيين ولا يستطيع أحد تغيير هذا المفهوم لدى أي من الشعبين، وعقب ذلك دخل المشروع الصهيو- أوروبي إلى الأدراج ولم يتم طرحه على العلن مرة أخرى.
المثير للدهشة إنه وبالبحث في تاريخ ذلك المخطط وجدنا إن نفس الخطة سبق وتم طرحها على الرئيس جمال عبدالناصر مطلع الخمسينيات حيث قدمت الولايات المتحدة مخطط أمني بواجهة اقتصادية واجتماعية لتوطين عشرات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ونوقشت الفكرة مع الرئيس المصري الراحل عبدالناصر الذي وصل إلى الحكم حديثًا وأراد تنمية بلاده، لكن الحكومة المصرية أنذاك رفضت بشدة مجرد الحديث حول ذلك المخطط وهو ما تسبب بعدها في حالة من الجفاء السياسي والدبلوماسي بين القاهرة وواشنطن.
محاولات أممية
وعلى المستوى الأممي حاولت الأمم المتحدة تمرير مخطط مشابه حين عملت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، التي أُنشئت في ديسمبر 1949، بعد طرد ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة، مع الحكومة المصرية لاستكشاف خطط تنمية صحراء سيناء، ووعدت القاهرة بمساعدات مالية كبيرة، من خلال “صندوق إعادة الإدماج”، والذي تدعمه في المقام الأول الولايات المتحدة.
لكن المشروع أغضب الفلسطينيين الذين أدركوا التهديد الذي فرضته الخطة على حقهم في العودة، واعترضوا على وجه التحديد على سيناء كوجهة لإعادة التوطين، ورأوا وجود صلة واضحة بين خطط إعادة التوطين التي تقدمها الأونروا والغارات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على غزة، وهي استراتيجية سياسية متعمّدة للضغط على مصر لنقل الفلسطينيين خارج غزة، وبعيدًا عن خطوط الهدنة.
وفي نهاية المطاف، أدّت الخطة إلى واحدة من أولى حالات التعبئة الجماهيرية الفلسطينية والمقاومة المنظمة بعد عام 1948، وأجبرت انتفاضة عام 1955 في غزة -والتي أصبحت تعرَف باسم انتفاضة أو هبّة مارس- مسؤولي الأمم المتحدة على التخلي عن مشاريع إعادة توطين اللاجئين، والاعتراف بالمطالبات الفلسطينية بهوية سياسية خاصة بهم.