بقلم د/ نادية قطب إبراهيم
أنت طالب على بعد خطوة واحدة من اجتياز اختبار نهائي. لكن لا يزال أمامك الكثير من الدراسة! لذلك تقرر أن تسلك مسار العديد من الطلاب قبلك وتقضي الليل بأكمله في المذاكرة. عندما تبقى مستيقظًا طوال الليل، فأنت تحارب الإيقاعات اليومية لجسدك. هذه الإيقاعات هي تغييرات دورية تمر بها الكائنات الحية خلال 24 ساعة، مثل النوم والاستيقاظ، وهي تتأثر بشكل كبير بالضوء. ومع ذلك، تستمر في المذاكرة، متعمقًا في تاريخ يوليوس قيصر. وكيف قامت الحضارات القديمة؟
مع غروب الشمس، ترسل عيناك إشارات إلى جزء من دماغك يُعرف بالنواة فوق التصالبية، وهو بمثابة ساعتك البيولوجية. هذه الإشارات تنبه الغدة الصنوبرية لبدء إنتاج الميلاتونين، وهو هرمون يساعد جسمك على الاستعداد للنوم. تبدأ مستويات الميلاتونين في الارتفاع قبل موعد نومك الطبيعي بحوالي ساعتين. في الوقت نفسه، تطلق خلايا عصبية في الوطاء وجذع الدماغ مركبًا يُسمى GABA، مما يبطئ نشاط دماغك ويمنحك شعورًا بالاسترخاء. بالتزامن مع اقتراب موعد نومك الطبيعي، تنخفض درجة حرارة جسمك الأساسية لتسهيل النوم.
لكن أثناء محاولتك التركيز، يبدأ انتباهك في الانجراف. طوال اليوم، ينتج دماغك مادة نفايات تُسمى الأدينوزين. كلما تراكم الأدينوزين وزاد ارتباطه بمستقبلات دماغك، شعرت بالتعب. لذا تلجأ إلى الكافيين، الذي يمنع الأدينوزين من أداء تأثيره، مما يمنحك دفعة من النشاط، ولكنه قد يجعلك متوترًا أيضًا.
تستمر في الدراسة، محاولًا حفظ التواريخ والأسماء التي تُخزن مؤقتًا في الحُصين، وهو جزء من دماغك
عادةً أثناء النوم، يتم تعزيز مثل هذه الذكريات ونقلها إلى القشرة الجديدة للتخزين طويل الأمد. ولكن نظرًا لأنك قررت البقاء مستيقظًا، فلن تُتاح الفرصة لدماغك لتقوية هذه الذكريات كما ينبغي.
مع اقترابك من نهاية الليل، تبدأ أعراض الحرمان من النوم بالظهور. قد تدخل في نوبات نوم قصيرة تدوم لبضع ثوانٍ، وتُعرف بأنها رد فعل طبيعي للجسم تجاه قلة النوم. تنخفض مهاراتك الحركية، ويصبح رد فعلك بطيئًا، مما يجعلك أشبه بشخص تحت تأثير الكحول. ومع شروق الشمس، يتوقف إنتاج الميلاتونين في جسمك، وتشعر بما يُسمى “الدفعة الثانية” من الطاقة.
تتوجه إلى المدرسة متحمسًا، لكن حرمان النوم قد يكون له تأثيرات قصيرة المدى، مثل تعزيز مؤقت لمستويات الدوبامين الذي يمنحك شعورًا بالنشوة، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى اتخاذ قرارات خاطئة. خلال الامتحان، تجد نفسك قادرًا على استرجاع المعلومات، لكنك تواجه صعوبة في حل المشكلات أو الربط بين الأفكار. تنتهي الامتحانات وأنت منهك وقلق، حيث تتأثر اللوزة الدماغية، المسؤولة عن معالجة المشاعر، بسبب قلة النوم.
لحسن الحظ، بعد ليلة واحدة بلا نوم، يمكن لجسمك ودماغك أن يعودا إلى طبيعتهما بسرعة. لكن الحرمان المزمن من النوم أو تغيير مواعيده باستمرار قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة، مثل السكري، السكتة الدماغية، الاكتئاب، وحتى تأثيرات سلبية على أدائك الأكاديمي. لذلك تذكر أن توزيع مهامك الدراسية على الأيام طوال الفصل الدراسي أفضل بكثير من تراكم المواد إلى ليال الامتحان الأخيرة. تجنب التسويف وابدأ على الفور. ضع دائما أهداف محددة والتزم بها. كذلك حاول بدء المراجعة والمذاكرة قبل موعد الامتحان بوقت كافي، فيكون لديك الفرصة لفهم المعلومة والتدرب عليها، والإلمام بجوانبها كافة، وطرح الأسئلة على المدرسين والاستفادة من الشرح والمتابعة، مما يجعلك متهيئا بثقة وغير مضطر للسهر الطويل ليلة الإمتحان. وتذكر أن النوم أمر لا غنى عنه إذا أردنا الحفاظ على صحتنا وسلامة عقولنا.