بقلم الدكتورة نادية قطب
مدرس الإعلام بجامعة الأزهر بالقاهرة
كيف تتدرب بشكل فعال على أي مهارة؟ لإتقان أي مهارة جسدية، سواء كانت كرة قدم، العزف على آلة موسيقية، أو رمي كرة بيسبول، الخياطة.. إلخ تحتاج إلى الممارسة. الممارسة هي تكرار الأفعال بهدف تحسينها، وتساعدنا على أداء هذه الأفعال بسرعة وسهولة.
لكن، ماذا تفعل الممارسة في أدمغتنا لتجعلنا أكثر مهارة؟ أدمغتنا تحتوي على نوعين من الأنسجة العصبية: المادة الرمادية Gray matter والمادة البيضاء white matter. المادة الرمادية تعالج المعلومات في الدماغ، حيث توجه الإشارات والمنبهات الحسية إلى الخلايا العصبية، بينما المادة البيضاء تتكون أساسًا من أنسجة دهنية وألياف عصبية.
لتتحرك أجسامنا، يجب أن تنتقل المعلومات من المادة الرمادية في الدماغ إلى أسفل النخاع الشوكي عبر الألياف العصبية التي تسمى “المحاور axons “، حتى تصل إلى العضلات. كيف يمكن للممارسة أن تؤثر على هذه العمليات الداخلية في الدماغ؟ المحاور الموجودة في المادة البيضاء مغطاة بطبقة دهنية تسمى “الميالين”Myelin ، والتي يمكن أن تتغير بفعل الممارسة .
الميالين يشبه العازل في الكابلات الكهربائية، حيث يمنع فقدان الطاقة من الإشارات الكهربائية التي يستخدمها الدماغ، مما يجعل انتقال الإشارات أكثر كفاءة. تشير بعض الدراسات على الفئران إلى أن تكرار الحركة الجسدية يزيد من طبقات غمد الميالين حول المحاور. وكلما زادت طبقات الميالين، أصبح هناك عزل أفضل لجميع أجزاء المحور، مما يشكل “طريقًا سريعًا” لانتقال المعلومات بين الدماغ والعضلات.
لذلك، بينما يُعزى نجاح الرياضيين والفنانين إلى “ذاكرة عضلاتهم“، إلا أن العضلات نفسها لا تمتلك ذاكرة. في الواقع، فإن إنتاج الميالين في الممرات العصبية هو ما يُمكّنهم من الأداء المميز عبر ممرات عصبية أسرع وأكثر كفاءة.
توجد العديد من النظريات التي تحاول تحديد عدد ساعات أو أيام أو سنوات الممارسة المطلوبة لإتقان أي مهارة. لكن في الواقع، ليس هناك رقم سحري؛ نعلم أن إتقان المهارة لا يتعلق بعدد ساعات الممارسة فقط، بل يتعلق بنوعية وفعالية هذه الممارسة. الممارسة الفعالة تكون متناسقة، مركزة، وتستهدف نقاط الضعف أو الحدود الحالية للإمكانات. فكيف نستفيد من وقت التدريب؟ إليك بعض النصائح:
- التركيز على المهمة والتقليل من التشويش المحتمل مثل أجهزة الكمبيوتر أو التلفزيون، وتفعيل وضع الطيران في الهاتف. في إحدى الدراسات، لاحظ الباحثون أن الطلاب كانوا قادرين على التركيز على مهمة واحدة لمدة ست دقائق فقط، مع أن وسائل التشتيت مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والفيسبوك كانت مصدرًا رئيسيًا للتشويش.
- ابدأ ببطء أو بحركة متباطئة. التناسق يُبنى على التكرار، سواء كان صحيحًا أو خاطئًا. إذا قمت بزيادة سرعة التكرارات بشكل تدريجي، سيكون لديك فرصة جيدة لأداء الحركات بشكل صحيح.
- التكرار مع أخذ فترات راحة شائعة بين النخبة الفنية. تشير الدراسات إلى أن العديد من الرياضيين والموسيقيين والراقصين المحترفين يقضون 50-60 ساعة أسبوعيًا في التدريب. يقوم كثير منهم بتقسيم وقت التدريب إلى عدة جلسات يومية محدودة الوقت.
- وأخيرًا، تخيل تدريبك بكل تفاصيله. من المدهش أن الدراسات تشير إلى أنه يمكن تحسين الأداء الحركي عن طريق مجرد تخيله. في إحدى الدراسات، تم تقسيم 144 لاعب كرة سلة إلى مجموعتين، حيث تدربت المجموعة (أ) على رمي الكرة، بينما تدربت المجموعة (ب) عقليًا بتخيل رمي الكرة. وبعد أسبوعين، أظهر اللاعبون من كلا المجموعتين تحسنًا مماثلًا.
بينما يواصل العلم كشف أسرار الدماغ، فإن فهمنا للتدريب الفعّال سيتطور. حاليًا، يبقى التدريب الفعّال أفضل وسيلة لتجاوز حدودنا الشخصية، تحقيق آفاق جديدة، وتحسين قدراتنا.