بقلم الدكتور محمد سالم
استاذ الحضارة الإسلامية المساعد بجامعة الأزهر
يقول الحق سبحانه: (( لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ 6 ۞ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ 7 لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ 8 إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ 9)) ( المجادلة)
تلك الآيات البينات الواضحات, تبين المنهج, وتزيل اللبس, حيث تبين المنهج النبوي في التعامل مع الآخر والمختلف في الفكر والعقيدة, فكان صلى الله عليه وسلم, يتعامل بود وحب, مع كل مخالف, حتى أن درعه كانت مرهونة عند يهودي صلى الله عليه وسلم, كما كان صلى الله عليه وسلم يتعامل معهم, يشتري ويبيع, وهناك أحاديث كثيرة جدا في هذا الباب, اضف لذلك أن أول دستور لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم, تضمن المعايشة والسلم مع يهود المدينة والنصارى, ولم يتعرض لمعتقداتهم أو بنيتهم الفكرة, وقال صلى الله عليه وسلم الناس على ربعتهم أو عاداتهم, ولا شك أن من بين تلك العادات مواسم دينية واجتماعية, فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم, وعليه فإن مسألة التهنئة من باب البر والقسط, ونشر السلم هي من أسمى مقاصد الشريعة الإسلامية, وقد أصدرت دار الإفتاء, وهي من أكبر الهيئات الشرعية المعتبرة في العالم الإسلامي, ووافقتها مؤسسة الأزهر الشريف وعلى رأسها شيخ الإسلام فضيلة الإمام شيخ الأزهر – حفظه الله – فتاوى تؤكد على جواز التهنئة, وأن التحريم أو المنع من باب التشدد الذى نهى عنه الإسلام, والناظر إلى تاريخ الشخصية المصرية منذ أقدم عصورها, يعرف أنها لحمة واحدة, ونسيج واحد, ربما تختلف الأفكار والمعتقدات, ولكن تبقى الشخصية المصرية بأصالتها وعراقتها وعمقها التاريخي والجغرافي, من أهم القواسم المشتركة, ومن أهم السمات التي تبين وتدلل على خصوصية الشخصية المصرية, والترابط بين طرفي الأمة, فكثيرا ما سمعنا ورأينا عن ترابط بين عائلات وأسر من عقائد مختلفة, ما كانت ابدأ العقائد أو الدين عائقا أو حجر عثرة بين تلك العلاقات.
وعليه فلا مانع شرعا ولا عرفا ولا عقلا من التهنئة بتلك الأعياد, من أبواب عدة, أولها باب البر والقسط, وثانيها, باب المواطنة والمشاركة, وثالثها باب المقاصد وحسن الخلق, خصوصا وأن تلك التهنئة لا تشتمل على منكر كإهداء خمور أو ما شابه, بل ما اعرفه أصلا عن نصارى مصر خصوصا أنهم متأثرون جدا بالعادات والمفاهيم والقيم المصرية والشرقية, فينكرون الكثير من تلك المظاهر ويعدونها غريبة على مجتمعنا, وأن ما يصلح للغرب لا يصلح لنا, بل ما أعرفه ورأيته منهم حتى في رمضان ووقت الآذان, أنهم يحترمون شعائر المسلمين, ولا يفطرون أمامهم, ولا يرفعون صوت غناء أو موسيقى عند سماع الآذان, وغيرها من المظاهر التي تؤكد على وحدة هذا الوطن, وخصوصية الشخصية المصرية.
وكل عام ومصر بجيشها ورئيسها وأزهرها وشبابها وشيوخها, وأهلها من المسلمين والنصارى بخير وسعادة وسخاء وأمن وحب وود.