مصر “رُمَّانة الميزان” في المنطقة بأسرها
“الوعى” العام للشعب.. أفشل مخطَّطات الفتنة الطائفية
تجديد الخطاب الديني.. يتحقق بـ”رحلتىّ الذهاب والإياب” لـ”النَّصِّ المقدَّس”
“الحساسية” الروحية والمجتمعية للآخر.. ميزان التعددية الناجحة
٥٠ % من كنائسنا “تَقَنَّنَت” بالقانون الجديد.. والباقى خلال الفترة المقبلة
نُصَلِّى جميعاً لأن يكون ٢٠٢٥ عام الأمل والرجاء
مشاركة إخوتنا المسلمين فى أعيادنا.. تعبير عن اللُّحْمَة الوطنية الصادقة
الشراكة في المناسبات الدينية والوطنية.. ضرورية لبناء الأوطان
القيادات والمؤسسات الدينية.. المسئول الأول عن نشر مفاهيم العَيْش المشترك
قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين.. فى طريقه لـ”النواب” بعد “العدل”
إسرائيل تُسَخِّر النصوص التوراتية لـ”قيامها”.. وهذا مرفوض تماماً
حاوره: مصطفى ياسين
وصف القس د. أندريه زكي- رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، رئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية- تهنئة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعيد الميلاد للمسيحيين وفى الكاتدرائية، بنفسه كل عام، كـ”تقليد رئاسي” رسَّخه ويحرص عليه، بأنه “تجسيد واقعى للمواطنة الحقَّة”، يبث الفرح والبهجة والطمأنينة على قلوب الجميع، ويؤكد أنه “رئيس كل المصريين”.
وأكد أن “الوعى” العام للشعب المصري، أَفْشَلَ مُخطَّطات الفتنة الطائفية، مشيدا بمشاركة المسلمين فى أعياد المسيحيين، موضحا أنها تعبير عن اللُّحْمَة الوطنية الصادقة.
وبمناسبة العام الميلادى الجديد، وحرص “عقيدتى” على تقديم التهنئة، قال د. أندريه: نُصَلِّى جميعاً لأن يكون ٢٠٢٥ عام الأمل والرجاء، مؤكدا أن الشراكة في المناسبات الدينية والوطنية ضرورية لبناء الأوطان.
وفيما يلى نص الحوار الذى أُجرى معه.
*بداية، كل عام والجميع بخير وسعادة بمناسبة العام الميلادي الجديد، وبهذه المناسبة، ماذا تقول للمصريين؟ وللعالَم؟
** بالتأكيد، يأتى عيد الميلاد المجيد، وهذا العام الجديد، وسط ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مضَّطرِبَة فى العالم كَكُلِّ، ولاسيما فى منطقتنا العربية.
والرسالة التى سأتحدث عنها فى عيد الميلاد- إن شاء الله- هى “الميلاد والرَّجاء”، والرجاء هو الأمل، وأيًّا كانت الظروف ضاغطة أو التحديات صعبة، يبقى الأمل والرجاء فى التغيير والتطوير والتحديث.
فأنا أُصلِّي لأن يكون عام 2015م هو عام الرجاء والأمل.
مناسبات التقارب
*كيف نجعل من المناسبات السعيدة فرصة للتقارب والتسامح والسلام فيما بين البَشَرِ؟
** فى احتفال كلِّ عيد حتّى الآن- على الأقلِّ- فإن حجم المشاركين من أخوتنا المسلمين لا يقلُّ عن 300 شخصية عامة وقيادة سياسية واجتماعية وتنفيذية، وهؤلاء يأتون للمشاركة بإرادة حرَّة وبِحُبٍّ وبتعبير صادق عن اللُّحْمَة الوطنية والعيش المشترك، وهذه هى أحد مظاهر البهجة والسلام والفرح، وتُشْعِر بدفء العلاقة والتهنئة.
ويمكننا أن نجعل هذه المناسبات بالشراكة واللقاء والمحبّة والعمل المشترك، فرصة للتقارب والتلاحم، فهذا كله ضرورى لبناء الأوطان.
قادة الأديان
*باعتبارك أحد قادة الأديان، ما هو الدور المنوط بقادة الأديان والمؤسسات الدينية فى هذا المجال لنشر ثقافة التسامح والتعايش والمواطنة؟
** القيادات الدينية لها مصداقية خاصة، وحينما تكون هذه القيادات جادَّة وملتزمة ومعتدلة ومقبولة يكون كلامها له تأثيره القوى، ولا نستهين بدور القيادات الدينية لأنها تشكِّل جزءًا ليس بقليل من وعى الجماهير والعامة، سواء المسلمين أو المسيحيين.
وبالتالى فهذه القيادات الدينية مَدْعُوَّة ومطالَبَة بأن تقدِّم نموذج الاعتدال والعيْش المشترك وفِهْم المواطنة لأنها ستؤثِّر إيجابيا وتبنى الأوطان.
ومن ثمَّ فنحن نشجِّع هذه القيادات الدينية على معرفة بعضها البعض، وفهم المختلِف والآخر، وتشجيع وزيادة المساحة المشتركة، واحترام المساحة المختلفة.
فالقيادات الدينية لها دور مهم، ونحن مهتمين جدا بهذا الدور ونعمل على تعميقه وترسيخه وتوسيعه.
اختلافات الاحتفال
*فى نُبْذَة مختصرة وسريعة- كمعلومة للقارئ- لماذا تختلف تواريخ بدء العام الميلادي الجديد؟ من أواخر ديسمبر وأول يناير ثم ٧ يناير؟
** هذه مسألة تقاويم، فالكنيسة الغربية تحتكم للتقويم الغربى فى المواعيد والتواريخ، والكنيسة الشرقية تحتكم للتقويم الشرقى، فهى اختلافات بسيطة وفى عدَّة أيام فقط وليست بالأشهر والسنوات.
فالغرب يحتفل يوم 25 ديسمبر، والشرق فى 7 يناير، فالفرق فى 15 يوما فقط، واعتقادى الشخصى أنها مُشكلة بسيطة وسهلة إذا توافرت الإرادات يمكن توحيد الأعياد، وهى ليست بمَن يملك التأثير الأكبر، وليست بمن يتنازل ويعطى الآخر فرصة، فأتصور أن مشكلة التقاويم هى المشكلة الرئيسية وراء اختلاف مواعيد الأعياد.
تقليد رئاسى
*يحرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على تقديم التهنئة بنفسه في هذه المناسبة وغيرها لشُرَكَاء الوطن، فما دلالة ذلك؟ وكيف تنظر لهذا التقليد السنوى؟
** هذا من الأمور الرائعة أن السيد رئيس الجمهورية يؤكِّد أنه لكل المصريين، ويؤكد أن المواطنة فعل على أرض الواقع وليست مجرَّد نظرية، ويعطى السلام والطمأنينة لقلوب الجميع، لأن التهنئة هى عمل جميل ورائع.
وأنا أتصوَّر أن هذا يترك انطباعا جيدا عميقا فى أعماق المصريين بشكل عام، والمسيحيين بشكل خاص.
فأنا مُمْتَنٌّ للسيد الرئيس بزيارته السنوية، وأشكره على هذا، وأُأكِّد أن المواطنة وقبول الآخر والتعددية تصبح فعلا حقيقيا أكثر من مجرد كونها نظرية.
الوحدة الوطنية
*تعرَّضت الوحدة الوطنية المصرية للكثير من مخطَّطات الفتنة والفُرْقَة، لكنها فشلت جميعا، ما هي أبرز تلك المخطَّطات؟ ولماذا يلعب عليها الأعداء؟ وكيف أفشلها المصريون؟
** لاشك أنها محاولات يائسة من البعض لنشر نوع من التوتُّرات الدينية التى كانت تحدُث قديما ولكن التغيُّر فى المجتمع المصرى سواء على مستوى النُخبة أو العامة تغيُّر حقيقى لأن “الوعى” بضرورة التماسك واللُّحْمَة الوطنية أصبح وعيًا نخبويًا وشعبيًا أيضا، وهذا مهم جدا لأنك تستطيع على مستوى النُخبة نشْرَ الكثير من الأفكار الجيِّدة، ولكن إن لم تنتقل من النُخبة إلى الجماهير سيكون تأثيرها محدودا، وبالتالى هذا الأمر، الذى هو نخبوى وشعبوى أيضا، خَلَقَ مساحة جديدة من التماسك الوطنى المهم.
وبالتالى كلّ هذه المحاولات فشلت لأنها لم تستطع بشكل أو بآخر أن تؤثِّر فى المصريين، ووسائل التواصل الاجتماعى- التى لها ما لها وعليها ما عليها- وبالتالى أصبح الناس يمتلكون “وعيًا” يستطيعون به التمييز بين الغثِّ والثمين، ولا يؤثِّر فيها أى شيء يسمعونه أو يشاهدونه، هنا أو هناك، فكل هذه الأمور لها دور مهم جدا فى الاستقرار.
لقد كانت التوتُّرات الدينية والسياسية متعدّدة ومتنوّعة فى الماضى، ولكنّها بحمد الله قلَّت بشكل كبير جدا الآن، نتيجة “الوعى” العام بأهمية اللُّحْمَة الوطنية والمواطنة.
تجديد الخطاب الدينى
*كَثُرَ الحديث عن تجديد الخطاب الديني، فماذا عن تجديد الخطاب الديني المسيحى؟
** أولا لابد من فهم النَصِّ فى سياقاته، مثل ما يسمَّى فى الإسلام “أسباب التنزيل”، ففى المسيحية نسمّيه “الخلفية الثقافية والحضارية والسياسية والاجتماعية للنَّصِّ”.
فـ”النَّصُّ” يُولَد ويُوحَى به فى ثقافة وسياق مجتمعى من المهم فِهْمِه، فتجديد الخطاب الدينى يبدأ برحلة “الذهاب إلى النص” أن تفهم سياقاته وخلفيَّته ومعانيه واللغة والظروف التى كُتِب فيها، فتكون مُلِمًّا بالمعنى والسياقات التى وُجِدَ فيها هذا المعنى.
وكما أن التجديد يتطلّب “رحلة ذهاب للنَّصِّ”، فهو يتطلّب كذلك “رحلة عودة إلى الواقع”، بأن تعود بالمعانى العميقة التى تم استخلاصها من النَّصِّ لتغيِّر الواقع الراهن.
فهذا هو تجديد الخطاب الدينى، رحلة ذهاب وعودة من وإلى النَّصِّ المقدّس، من خلاله نستطيع فهم المعنى العميق للنَّصِّ المقدّس، ونغيِّر الواقع بهذه المعانى العميقة.
ثانيا: تجديد الخطاب الدينى يتطلّب فِهْمَ الآخر، فِهْم المشترك والمختَلَف معه، ليس بسبب الحوار أو الجدل العقائدى، ولكن أن تفهم الآخر بأن تكون “حسَّاسًا” له، وهذا أمر محمود، فالحساسية الروحية والمجتمعية للآخر، فى اتفاقه أو اختلافه، أيًّا كان هذا الآخر، ليس الدينى بل “الجِنْدَرى” و”الإثْنِى” وغيره.
فهذان الأمران، أعتقد أنهما من الأمور المهمة جدا فى تجديد الخطاب الدينى.
محاولات التجديد
* وهل تم فعلا تجديد الخطاب الدينى بهذا المعنى؟
** هناك محاولات جادة فعلا- صحيح أنه ليست هناك عملية نسَمِّيها مطْلَقَة- وإنما هناك محاولات وأشخاص لديهم القُدْرَة على التجديد والإبداع، كما أن هناك أشخاصا جامدين منغلقين لا يسايرون التغيير والتجديد، فكلا الطرفين موجود.
وهذا ينطبق على الجانبين، سواء فى الخطاب الدينى المسيحى أو الإسلامى، نفس الكلام والوضع، فالأصوات المتطرّفة الجامدة نسمعها من آن لآخر، لكن الأهم هو وجود “وعى” المجتمع فى التجاوب مع هؤلاء ونبذ أولئك.
الحكومة والشعب
*ما هو الدور المطلوب، حكومياً وشعبيا، لتقوية مصر في مواجهة التحديات المختلفة داخلياً وخارجيا؟
** بالتأكيد فأن مصر تقوم بدور مهم جدا على المستوى الإقليمى والدولى، وشاهدنا فى المرحلة السابقة كيف كان للتدخُّل المصرى فى كثير من المواقف، وبالذات فى الحرب على غزة، أنها لعبت دورا كبيرا فى تهدئة الأوضاع وإعطاء فرصة ومساحة للتنفس، فى ظل حرب ضاغطة وقاسية فيها قهر للشعب الفلسطينى.
هذا الدور يتطلّب دعمًا داخليا وخارجيا، فالدعم الداخلى فى أن تتماسك الجبهة الداخلية، كل المصريين معا، وأن تكون اللُّحْمَة الوطنية صلبة قادرة على الصمود والمتانة والمرونة فى مواجهة التحديات.
وعلى المستوى الدولى، فكل من يستطيع بناء الجسور مع الخارج والتعبير عن الدور المصري المهم، فلْيَقُمْ به، وليست هناك جهة واحدة منوط بها هذا، فالجهات الحكومية عليها دور، وكذا المجتمع المدنى، المؤسسات الإسلامية، والمسيحية، والكنائس، فكل هذه الأدوار إذا تكاملت تستطيع أن تدعم مصر دوليا ومحليًّا.
القانون الموحَّد
*ما الجديد فيما يتعلق بقانون دور العبادة الموحد؟ وهل انتهى إلى غير رجعة القانون الهمايونى السابق؟
** بصدور هذا القانون الموحَّد سينتهى بالتأكيد ذلك “الهمايونى”، ونحن كـ”طائفة إنجيلية” تقدَّمنا بعدد 1070 كنيسة وبيت مؤتمرات لتقنين أوضاعها، وبالفعل تم تقنين أوضاع 565 حتى الآن، يعنى أكثر من 50%، وأتوقَّع فى السنوات القليلة المقبلة سيتم الانتهاء من هذا الأمر تماما.
حالة الرضا العام
*وهل تشعر بالرضا حيال الوضع الحالي من الممارسة الحقيقية للمواطنة الحقَّة في مختلف المجالات؟ وخاصة تولِّى المناصب؟ بناء الكنائس؟ الحياة السياسية عامة؟ استعادة إدارة الأوقاف المسيحية؟
** أشعر بالرضا فى أمور كثيرة، لكن هناك أمورا أخرى تحتاج مجهودا وعملا، ففيما تحقق نعم نشعر بالرضا، ونشكر الله أولا، ثم نشكر سيادة الرئيس السيسى والدولة المصرية على كثير من الإنجازات التى تحققت وتُشْعِرُنا بالرضا والاطمئنان.
وإن كانت هناك بعض الأمور الأخرى التى تحتاج إلى تطوير، ومثل هذه الأمور تتعلق بالمساواة وعدم التمييز واللُّحْمَة الوطنية فهى تحتاج إلى وقت أطول، وبالتالى فقد تم إنجاز أمور ضخمة تشعرنا بالرضا حيالها والامتنان لها. وهناك أمور أخرى بحاجة لتعديل وتغيير وإن شاء الله، خلال السنوات المقبلة، فى إطار التوجُّه العام للدولة المصرية فى بناء المواطنة وعدم التمييز والمساواة سيتحقق الكثير من هذه الأمور.
الأحوال الشخصية
*وماذا عن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين؟
** فى شهر ديسمبر 2024، أى منذ أيام قليلة، وقَّعت الكنائس على الصورة النهائية للقانون الجديد، وهو حاليا لدى وزارة العدل لتقديمه إلى البرلمان المصرى.
العدوان على غزة
*فيما يتعلق بالشأن الخارجى، بما لكم من علاقات دولية موسَّعة، أين دوركم فى وقف العدوان الإسرائيلي على غزّة، والمستمر لأكثر من عام وربع العام؟
** طبعا هذا الأمر كبير جدا وتضَّطلع به دول بل منظَّمة الأمم المتحدة نفسها، وليس مجرد محاولات من جانب جهات أو أفراد أو منظمات أو كنائس، ومع هذا فالكنائس الإنجيلية فى مصر قامت بدور مهم جدا فيما يتعلّق بالبيانات التى تُصْدِرُها وتدين العدوان المستمر والمتكرّر على الشعب الفلسطينى فى غزّة.
وفى المقابل هناك المساعدات الإنسانية التى تقدِّمها للشعب الفلسطينى، مساعدات دوائية وغذائية وقوافل طبية، قدّمتها الكنائس إلى الصليب الأحمر المصرى وبدوره نقلها إلى الصليب الأحمر الفلسطينى، ووصلت إلى سكّان غزة.
ليس هذا فحسب، بل نتحدّث بشكل مباشر ومتكرِّر مع القيادات الإنجيلية فى الغرب حول الحقوق العادلة للشعب الفلسطينى، وقام مجلس كنائس جنوب أفريقيا بمبادرة التقوا فيها بقادة الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمى وطلبوا ترتيب لقاء مع فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب- شيخ الأزهر- وقُمنا بهذا فعلا، دعما للحلِّ العادل للقضية الفلسطينية والإطار المشروع للدولة الفلسطينية.
فنحن نقوم بمجهودات سواء فى التواصل أو الدعم المادى عن طريق القوافل والصليب الأحمر، بالشراكة مع إخواتنا المصريين شركاء الوطن، لدعم وقف الدمار ومساندة الشعب الفلسطينى، بكلِّ ما نملك وما نستطيع كـ”طائفة” وهيئة وأفراد، ولم ولن نتأخّر عن ذلك أبدا.
العدوان على عقيدة!
*وهل ما يحدث في غزة هو على عقيدة دينية يستغلها الساسة؟
** بالنسبة لدولة إسرائيل، فالخلط بين الدين والسياسة أمر واضح لديهم، بالتأكيد هناك استغلال لعقائد دينية يهودية فى الحرب الدائرة، ونحن ضد هذا تمام، فنحن ننظر إلى دولة إسرائيل الحالية على أنها كيان سياسى وليس كيانا دينيا، فى حين أنهم ينظرون لأنفسهم بشكل مختلف، فهم يتحدثون عن الدولة العِبْرِيَّة.
وبالتالى فاختلاف وجهات النظر هنا يعود إلى عدم خلط الدين بالسياسة، والتمييز بين ما هو دينى وسياسى، فنحن كـ”إنجيليين” ندعوا إلى السلام ونؤمن بالعيش المشترك وبالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، ونؤمن بأهمية تقديس الحياة الإنسانية وعدم قتل أى إنسان على أساس دينى أو مذهبى أو إثْنِى أو جِنْدَرى أو غيره من هذه الاختلافات، لأننا نؤمن بأن الإنسان مخلوق على صورة الله، والحفاظ على الحياة الإنسانية لكل الناس مطلب شرعى.
الإنجيلية والتوراتية!
* لكن ألا توجد نقاط تلاقى بين الطائفة الإنجيلية وإقامة الدولة الإسرائيلية؟
** الإنجيليون ينقسمون فى هذا الأمر إلى تيارين رئيسيين يحكمان الإنجيليين فى العالم، الأول: وهو التيار “التدبيرى”، ويرى أن دولة إسرائيل الحالية هى تحقيق لنبوءات العهد القديم، وأن المسيح سيأتى ويحكم لمدة ألف سنة.
أما التيار الثانى: فهو “العهدى”، ويمثِّل غالبية الإنجيليين فى العالم، ويرى أن إسرائيل كـ”شعب الله المختار” حسب ما جاء فى العهد القديم، فقد انتهى هذا بمجيء الكنيسة، فالكنيسة هى “شعب الله المختار” لخدمة الناس، فالاختيار هنا للخدمة وليس للتميُّز.
وأن العهد مع إبراهيم- عليه السلام- من البداية إلى النهاية هو عهد واحد، وبالتالى فإن هذا التيار يرى أن دولة إسرائيل هى كيان سياسي وان كافة النبوءات تحقَّقت فى السيد المسيح- عليه السلام- ولا يُعاد تحقيقها مرّة أخرى.
ولكلا التيارين مؤيدون ومعارضون.
الوضع السوري
*ونفس الشيء بالنسبة للوضع في سوريا، باعتبار أن هذا ينعكس سلبًا على مصر؟
** نتابع التطورات ولدينا تساؤلات حول المستقبل مثل كثيرين فى هذا الأمر، حول شكل الحكم، العلاقة بين الفئات المختلفة، ومستقبل الأقليات الدينية والعِرقية الإثْنية، وهى تساؤلات مشروعة حينما تتولّى جماعة ذات توجُّهات دينية السُلْطَة.
ونتمنّى أن القيادة الجديدة فى سوريا تستفيد من الخبرات التى مرَّت بها المنطقة، وأن يعُمَّ السلام وقبول الآخر والعيش المشترك.
حكم ترامب!
*وما هي رؤيتكم فى الفترة الثانية لحكم ترامب، وانعكاساتها على المنطقة؟
** معلوم أن السياسة الأمريكية لا يحكمها الرئيس فقط، بل تحكمها مؤسسات أمريكية- صحيح أن الرئيس يلعب دورا مهمًّا- ولكن ليس الرئيس بمفرده من يحكم، فهناك الكونجرس، مجلس الشيوخ، وبقية المؤسسات والمجتمع المدنى والكنائس، فهناك تعدّد وتنوّع كبير جدا.
وكل ما نتمنَّاه أن يكون هناك مزيد من العيش المشترك وقبول الآخر واحترام الثقافات والخصوصيات، وبناء الجسور.
وأيضا نحن نتوقّع أن الرئيس ترامب، ولديه القدرة فى صناعة القرار، أن يكون له تأثيراته الإيجابية فى العالم كله، ونتمنّى أن يكون هذا أيضا فى منطقة الشرق الأوسط.
لكن بالتأكيد، ستكون المصالح الأمريكية هى الحَكَمُ الأول للرئيس ترامب ولغيره من المؤسسات الأمريكية.
ثمار العلاقات
*هل يمكن لعلاقاتكم الوطيدة بقادة صُنْعِ القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، أن تُثْمِر نتائج إيجابية لصالح التنمية الاقتصادية المصرية؟
** هذا ما نقوم به بالفعل، وسنستمر فيه، من خلال التواصل مع القيادات الأمريكية المختلفة عَبْرَ الكنائس الإنجيلية والمجتمع المدنى الأمريكى، آملين أن نستمر فى تقديم الصورة الصحيحة والحقيقية عن مصر، وفى دعم الولايات المتحدة الأمريكية للاعتدال والمشروع التقدُّمى والثقافى والاقتصادى المصرى الذى يسعى إلى “حياة كريمة” لكلِّ المصريين، ويسعى إلى ازدهار اقتصادى، ويبنى اللُّحْمَة الوطنية، ويشكِّل الاعتدال، لأن مصر هى “رُمَّانة الميزان” فى المنطقة بأسرها.
خدمة المجتمع
*ما هو الدور الذي تقوم به الطائفة والهيئة الإنجيلية لخدمة وتنمية المجتمع المصري؟
** تُعَدُّ الهيئة واحدة من أبرز المؤسسات التنموية في مصر، حيث تهدف إلى تمكين الإنسان والمجتمع من خلال تقديم برامج شاملة تُعزِّز الكرامة الإنسانية وتحقِّق العدالة الاجتماعية.
وتتنوَّع خدمات الهيئة بين التعليم، الصحة، التنمية الاقتصادية، وتمكين المرأة. كما تقدّم الهيئة دعمًا ملموسًا للمجتمعات الأكثر احتياجًا عَبْر مشاريع تعليمية مبتكَرَة، وبرامج تدريبية للشباب، وخدمات طبية تُخَصَّص لتلبية احتياجات المناطق النائية.
وتتركّز رؤية الهيئة على بناء مجتمع يتَّسِم بالشمولية والعدالة، حيث يستطيع كل فرد تحقيق إمكاناته والمساهمة بفعالية في تقدُّم الوطن، وهذا النهج يعكس التزام الهيئة بتعزيز روح المواطنة والمساواة.
المبادرات الرئاسية
* كيف تصفون تجربة شراكة الهيئة مع المبادرات الرئاسية؟
** الهيئة القبطية الإنجيلية شريك أساسي وفاعل في المبادرات الرئاسية، مثل مبادرة “حياة كريمة” والتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، فهذه المبادرات تجسِّد رؤية الدولة لتحقيق تنمية شاملة تهدف إلى تحسين جودة الحياة لجميع المصريين.
والهيئة تعمل جنبًا إلى جنب مع الحكومة لتحويل أهداف هذه المبادرات إلى واقع ملموس. فمن خلال مشروعات تنموية وخدمية متكاملة، تساهم الهيئة في تحسين معيشة المواطنين، خاصة في المناطق الأكثر احتياجًا، وهو ما يُحدِث فارقًا حقيقيًا في حياتهم اليومية.
فالشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني تُعبِّر عن روح الوحدة والتكامل في بناء مستقبل مصر، وبالجهود الوطنية نستطيع معا جعل التنمية المستدامة هدفًا مشتركًا لجميع مؤسسات الدولة.
وإيمانًا بأهمية بناء الإنسان في الدولة الحديثة، وسعي الدولة المصرية الجاد إلى تعميق هذا المفهوم والعمل على تعزيزه، عقد مؤخرا منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، مؤتمرًا بعنوان “الإنسان في الدولة المدنية الحديثة”، على مدار يومين بمشاركة فضيلة د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، الذي افتتح فعاليات اللقاء في الجلسة الأولى بكلمة جامعة عن ثقافتنا باعتبارها ثقافة الحياة والإحياء، بحضور نخبة من القيادات الدينية والشخصيات العامة.
وتبنَّى المشاركون بالمؤتمر المفهوم الشامل لبناء الإنسان، وأكدوا أن بناء الإنسان يحتاج إلى عمل جادٍّ مخطَّط منظَّم وواسع تشارك فيه كل مؤسسات الدولة المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والإعلامية والتشريعية والدينية، ومنظمات المجتمع المدني؛ وأن بناء الإنسان في دولة ديمقراطية مدنية حديثة لا يقتصر على تنمية وعيه وغرس القيم الإيجابية في نفسه، من قبيل قيم الحق والخير والجمال والمواطنة والعيش المشترك واحترام الآخر والانتماء الوطني، بل يقتضي الارتقاء بالإنسان في كل جوانب حياته: الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والتعليمية والصحية، بل الترفيهية أيضًا، مع الاهتمام بالشباب بصفة خاصة، وتقديم رعاية مضاعفة للأشخاص ذوي الإعاقة.
وتناولت المناقشات أيضًا مفهوم بناء الإنسان في الدولة الحديثة، والتحديات التي تواجه بناء الإنسان في مجتمعنا الساعي إلى تأسيس جمهوريةٍ جديدةٍ، ويتبنَّى عددًا من المبادرات لبناء الإنسان يتصدَّرها مبادرة “بداية جديدة” برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقد تعَهَّدت الحكومة بتنفيذها في إطار برنامجها الذي وافق عليه البرلمان.