بقلم : الواعظة : مهندسة بهيرة خيرالله
– إن بجانب المعجزة الكبرى الخالدة للرسول (صلي الله عليه وسلم ) وهي القرآن العظيم ، هناك معجزات حسية أكثر من 1200 معجزة أوتيها (صلي الله عليه وسلم ) : منها شق القمر بإشارة من يديه الشريفتين ، وتكثير الطعام ونبع المياه من بين أصابعه الشريفة ، وإبرائه للمرضي بريقه المبارك ، وغيرها ؛ لكن أعظمها هي معجزة الإسراء والمعراج ؛ وهناك دروس كثيرة تؤخذ منها ، ويستفاد منها
1- من أهم الدروس المُستفادة من هذه الرحلة المباركة : بيان مكانة النبي ( صلي الله عليه وسلم ) عند ربه ، فقد كانت تسرية لقلبه وتخفيفا لأحزانه في عام الحُزن – العام العاشر من البعثة – من فقد النصير علي الأرض بوفاة زوجه السيدة خديجة ، وعمه أبو طالب ، ففقد السكن والمؤازرة في داخل البيت من الزوجة الحنون، والسند خارج البيت من العم في مواجهة كفار قريش ، واشتد الأذى برسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) وأصحابه . وكانت تطييبا لخاطره لما لاقاه من أهل الطائف الذين قابلوا دعوته إلي الإسلام بعد خروجه من مكة إليهم وتجروء مشركيها عليه ، فقد قابلوه بالرفض والإيذاء وتسليط السُّفهاء عليه يقذفونه بالحجارة حتي دميت قدماه الشريفتان، فخرج في طريق العودة حزينا ، فكانت رحمة الله تعالي ورعايته مُتمثلة فى أحداثٍ أربعة : آمن به صبي نصراني من غير الملة يُدعي “عدَّاس” ؛ وجاءه ملك الجبال مع جبريل (عليه السلام) يستأمره أن يُطبق الأخشبين – وهما أعلي جبلين بمكة – علي أهلها ، فكان من رأفته بأهله أن قال (صلي الله عليه وسلم ) : ( بل أرجو أن يُخرج الله -عزَّ وجلَّ- من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ) ، وقد حدث ما تمناه ، فقد اسلم أبناء الوليد بن المغيرة : خالد والوليد وهشام ، وعكرمة ابن أبي جهل ، وعمرو ابن العاص بن وائل ، وغيرهم . ولما بلغ وادي نخلة ، بعث الله إليه نفرًا من الجنِّ يستمعون القرآن وآمنوا به دون غيرهم من البشر ، كما ورد فى سورتي الأحقاف والجن ، فكانت ترضية له .. فيا سبحان الله .
وكانت الجائزة الكبري والتسرية هي معجزة الإسراء والمعراج ، فكأنه تعالي يقول له : ” إن كان أهل الأرض لا يعرفون قدرك ، فلتعرف قدرك عند أهل السماء ” ، فكانت مكافأة ربانية وتعويضا له عن جفوة أهل الأرض بحفاوة أهل السماء والملأ الأعلي ، فصُعِدَ به إلي مكان لم يبلغه أحدٌ من البشر قبله ، وأدناه وكلمه ربُّ العزة من غير واسطة .
2- وهي درس لكل مؤمن صادق الإيمان أن الفرج بعد الشدة ، وأن بعد العسر يُسرًا ، وأنه لا يغلب عُسرٌ يُسرين ، وأن معية الله لعباده المؤمنين ، وأنه يجب الصبر عند الشدة والبأساء والإبتلاء، وعدم اليأس مهما كان أمر أعداء دين الله (عز وجل) المُحاربين له والمكذبين لثوابته من قرآن وسُنة مُشرَّفة ، فكانت هذه الرحلة المباركة ، ليرى (صلى الله عليه وسلم) من آيات ربِّه الكبرى ما يزداد به إيمانا على إيمانه ، ويقينًا على يقينه ، وثباتًا على ثباته ، فمن كان مع الله كان الله معه ، وإذا كان الله معك فلا عليك بعد ذلك بمن عليك ومن معك ؛ فأعطته هذه الرحلة شحنة إيمانية قوية أعانته علي الإنطلاق من جديد بنشاطٍ وحماسٍ للإستمرار في نشر الدعوة مهما واجه في سبيلها من إيذاء وتكذيب .
وفي هذا دعوة للمؤمنين إلي الصبر واليقين بمعية الله ، والتأسي بسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي تحمل في سبيل دعوته وإبلاغ رسالة الله (عز وجل) ما لم يتحمله أحدٌ من الخلق ، حتى أتم الله (عز وجل) له الفضل والنعمة ، ودخل الناس في دين الله أفواجًا .
3- ومن الدروس المستفادة من هذه المعجزة الحسية العظمي الإيمان بقدرة الله سبحانه وتعالي ، فقد ألغي المسافة والزمان لعبده ورسوله ما بين مكة والقدس في ليلة واحدة ، أُسرِيَ به ليلا ثم عُرِجَ به إلي السموات العلا ثم أعاده إلي مكة وفراشه دافئ ، وهذا ما أثار الجدل الكثير والتكذيب والإنكار من الكفار وضعاف الإيمان ؛ فبيَّنت هذه الحادثة ضعف إيمان البعض ، كما بينت قوة إيمان البعض وأولهم أبو بكر الذي صدَّق النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما قاله بمقولة توزن بالذهب : ” لئن كان قال ذلك فقد صدق ” وعلل ذلك بالحُجَّة : ” إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه في خبر السماء يأتيه فى غدوة أو روحة” ، فاستحق بعد هذا الموقف أن يُلقب بالصِّدِّيق .
وهكذا يجب أن تكون عقيدة كل مسلم فيما يروي من الكتاب والسُّنة ، فعليه أن يقول ” سمعنا وأطعنا ” سواء عرف الحكمة فيه أم لم يعرف ، ما دام قد تحقق من صدق الحديث المروي متنًا وسندًا . وعلي المسلم عامة أن يتحري صدق القول وصدق القائل قبل تصديق أي خبر يسمعه أو يشاهده أو يُنقل إليه .
وفي هذا ردٌ علي المُشككين فى حدوث الإسراء والمعراج الذين ينكرون السُّنة النبوية ، نسألهم فمن ذا الذي أتي لنا بالقرآن ؟ أليس هو رسول الله ؟ فالأولي إنكار القرآن لأنه هو المُبلغ به ؟ .. والأمر واضحٌ وضوح الشمس أن هؤلاء يمرقون من الدِّين كالسهم من الرَّمية .
4- ومن أهم الدروس المستفادة أنه حَدَثٌ تم فيه التكليف بالصلاة من فوق سبع سموات ، بالأمر المباشر من ربِّ العزة لرسوله المصطفي ( صلي الله عليه وسلم) خمس صلوات فى اليوم والليلة بثواب خمسين صلاة ، وهو أول تكليف علي المسلمين قبل الهجرة ، ثم فرضت باقي التكاليف بعد الهجرة علي الأرض بواسطة أمين الوحي جبريل (عليه السلام) ، لنعلم مدي أهمية الصلاة ومنزلتها من الإسلام ، وأنها صلة بين العبد وربِّه ، وهي معراج كل مؤمن خمس مرات في اليوم والليلة ، وهي عماد الدين وركنه الرئيس .
5- ومن هذه الآيات إحياء الأنبياء ليؤمهم سيدنا رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) ، فالأنبياء لا تفني أجسادهم والأرواح باقية ، فقاموا ليُصلي بهم بالمسجد الأقصى ، وفي هذا دلالة علي أن الدين عند الله هو الإسلام ، وأنه هو دين كل الأنبياء والرُّسُل ، وأن دين الإسلام الذي جاء به محمد ( صلي الله عليه وسلم) هو المُهيمن والخاتم ، وإعلاما بانتقال القيادة الدينية إلي أمة الاسلام ، خيرُ أمةٍ أخرجت للناس ، أمة الخير والسلام .
6- ومن الدروس المستفادة لهذه الرحلة المباركة التذكير بمكانة بيت المقدس في الإسلام ، الذي اغتصبه اليهود عليهم لعنة الله ، فقد ربط القرآن الكريم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ربطاً عظيمًا لتظل العلاقة بينهما قائمة في عقول وقلوب المسلمين إلى أن يرث الله (عز وجل) الأرض ومن عليها ، فمن المسجد الحرام كان إسراء سيدنا رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) إلى المسجد الأقصى : وهو قبلة الأنبياء السابقين من بعد إبراهيم – عليه السلام- ؛ وهو القبلة الأولي التي صلي إليها النبي ( صلي الله عليه وسلم) بعد التكليف بالصلاة فى هذه الليلة المباركة ، قبل أن يتم تحويلها إلي مكة تطييبا لقلبه ؛ وهو معراج رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) من قبة الصخرة به إلى السماوات العلا ، وعليها آثار قدميه الشريفتين ، كما ترك إبراهيم (عليه السلام ) آثار قدميه الشريفتين علي الحَجَر الذي رفع وهو واقف عليه القواعد من البيت الحرام مع ابنه إسماعيل (عليه السلام) – وهو ” مقام إبراهيم” الذي نصلي وارءه ركعتي سُنة بعد الطواف بالبيت . وبأحد حوائط بيت المقدس ربط البُّراق فى ساحته قبل أن يعرج إلي السموات العلا ، وهو الآن ” حائط المبكي ” لليهود . وهو من المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرِّحال ، والصلاة فيه بخمسمائة صلاة كما جاء بالحديث النبوي .. فصار بيت المقدس من مقدسات هذه الأمة الإسلامية .. حتي لا ننساه ، ونتوحد علي استعادته من العدو الصهيوني الغاشم .
مولاي صلِّ وسلم دائمًا أبدًا .. علي حبيبك خير الخلق كلهم .. صلوات ربي وسلامه عليك يا حبيبنا ونبينا ورسولنا ، وشفيعنا يوم الدين .. يا محمد ، يا حبيب الرَّحمن ، يا أحمد الحامدين ، ويا سيد الخلق أجمعين ، وخاتم النبيين والمرسلين .