بقلم الدكتور: عادل القليعي
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
مقالتي هذه سأرد بها على بعض من ذهب إلى القول أن غزة لم تنتصر وما جناه أهلها إلا الدمار لمنازلهم وتدمير البنية التحتية واستشهاد ما يقارب الخمسين ألف ما بين طفل وشاب وشيخ من الجنسين ، وجرح أكثر من مائة ألف أو يزيد
نعم كل ذلك حدث بالفعل ولن يتوقف وسيحدث وسيتكرر مرات ومرات كما حدث سالفا إلى أن ينجز الله تعالى وعده (وكان وعدا مفعولا)، لكنها ارهاصات أولى لنصر مبين قادم ، متى وقته وأوانه ، لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا)
لكن دعوني أقول لكم أن غزة انتصرت في معركة طوفان الأقصى وشواهدي على ذلك كثيرة.
أولتها: حالة التعجب والاستغراب التي وصلت إلى حد الجنون فى الشارع الإسرائيلي وعبر منصاتهم الإعلامية ، وذلك عندما شاهدوا سيارات الدفع الرباعي والجيب وخروج كل هذه الأعداد من المقاومين فى الشوارع ، منهم من يؤمن قافلات الإغاثة لمنع قطاع الطرق والمحتالين وتوصليها إلى أماكن توزيعها سالمة غانمة.
وهنا بدأ إعلام الصهاينة يتسائل من أين خرج هؤلاء بعرباتهم ومعداتهم سليمة دون أي خدش أصابها ، وأين كان الجيش الإسرائيلي بعدته وعتاده طيلة عام وقرابة النصف عام.
ثانيتها: كشفت هذه الحرب صمود أبطال غزة ليس فقط المقاومين وإنما جل الشعب الغزاوي ، فقد اثبتوا للعالم أنه أبطال ظلوا ثابتين مرفوعين الرأس على أراضيهم يشيعون شهداءهم بالزغاريد ، وتلك هي عقيدتهم الجهادية.
ثالثتها: حققت هذه الحرب نصرا كبيرا على مستوى الشعوب فقد افتضح أمر هذا الجيش الإسرائيلي الذي كما كانوا يقولون جيش لا يقهر ، افتضح أمره أمام شعبه وظهروا يولولون في الشوارع عبر مظاهرات تطالب حكوماتهم بإيقاف الحرب ، فضلا عن أن كثير منهم هاجر من تل أبيب ، وشاهدنا ذلك عبر شاشات التلفزيون وامتلاء مطار بن جوريون بالمسافرين.
هذا بالنسبة للداخل الإسرائيلي ، أما في جميع دول العالم فقد عمت المظاهرات المنددة بجرائم الإحتلال مما حرك مجلس الأمن إلى إتخاذ قرارات بإيقاف الحرب ، بل وقرارات من الجنائية الدولية بالقبض على نتنياهو ومحاكمته.
رابعتها: كشفت هذه الحرب عن سيكولوجية وطبيعة مقاتلي المقاومة وعقيدتهم الجهادية أنه لا بديل لهم عن الجهاد لتحرير الأرض والمحافظة على الأعراض.
كما أظهرت الوجه الحقيقي لجيش الاحتلال وأنه جيش هش يحتمي خلف دباباته وجرافاته ، وطائراته وفرقاطاته وكافة المعدات التي ألقت الآلاف من أطنان المتفجرات على العزل.
خامستها: كشفت هذه الحرب المنافقين والمداهنين الذين دوما ما كنا نسمعهم يتغنون ويسبحون بحمد القضية الفلسطينية من الداخل الفلسطيني من خارجه ، سواء من بعض الدول العربية أو الدول الأجنبية ، ومجرد أن اندلعت الحرب ، ما رأينا إلا عبارات شجب وادانه ومصمصة الشفاه
(ليميز الله الخبيث من الطيب)
سادستها: لولا هذه المقاومة الباسلة ورفض السياسة المصرية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لكان قد تحقق مراد آل صهيون ، لكن تمسك المقاومون وثباتهم على الأرض دفع الساسة الإسرائيليون إلى الذهاب إلى المفاوضات ، على الرغم من محاولات رئيس وزراءهم إلى افشالها متعمدا خوفا على نفسه من المحاكمات ، محاولة افشالها أكثر من مرة.
سابعتها: نجاح الدبلوماسية العربية بقيادة مصر وقطر ومعهما الدبلوماسية الأمريكية من التوصل إلى وقف إطلاق نار وتبادل أسرى وسرعة إنفاذ المساعدات الإنسانية ، وإعادة إعمار البنية التحتية لغزة.
وفي هذا سؤال مهم ، لو كانت الآلة العسكرية الإسرائيلية قد حققت أهدافها المرجوة وقامت بتخليص الأسرى ، فلماذا جلسوا على مائدة مفاوضات.
الإجابة واضحة بذاتها ، لأنهم لا حيلة لهم إلا الجلوس على مائدة مفاوضات للحفاظ على البقية المتبقية من ماء وجههم أمام شعوبهم وأمام العالم.
ثامنتها: صفقة تبادل الأسرى بين الجانبين ، أليس نصرا مؤزرا ، الواحد يعدل ثلاثين من المعتقلين داخل سجون الاحتلال ، ورأينا ذلك بأم أعيننا.
تاسعتها: أثبتت هذه الحرب الجانب القيمي والأخلاقي لجنود فرق المقاومة من حسن معاملتهم للأسرى الصهاينة ، رأيناهم يلتقطون صورا تذكارية مع جنود المقاومة ويقبلون رؤوسهم ، وبشهاداتهم.
أما على الجانب الآخر ، رأينا التدني القيمي لجنود الاحتلال وسوء معاملتهم للأسرى وقتلهم بدم بارد وتجريدهم من ملابسهم مهدرين ادميتهم.
عاشرتها: شموخ وثبات الجيش المصري وحفاظه على حدودنا وقت هذه الحرب وحفاظه على سيناء وعدم الانصياع لكل صور الاستفزاز الصهيوني أو الإعلام المأجور الذي كان يحاول جرنا إلى حرب لا يعلم مداها إلا الله.
إن معركة طوفان الأقصى قد أثبتت للعالم أجمع أن ثم شعب أبي يعشق تراب وطنه ولن يفرط فيه أبدا ، وخير شاهد على ذلك عندما تم وقف إطلاق النار هرولوا إلى ديارهم وشرعوا في اعمارها.
إنها البدايات الأولى للتمكين والنصر المبين.
فطوبى للشهداء الأبرار
طوبى للمرابطين القابضين على الجمار في المسجد الأقصى.
طوبى لهم وحسن مآب.