بقلم أ.د هاجر سالم
رئيس قسم أصول الفقه
تمر بالمسلمين في شهر رجب ذكري من أهم ذكريات الأمة الإسلامية، وهي معجزة الإسراء والمعراج حيث كانت في مكة المكرمة قبل الهجرة بعشر سنوات خلت من البعثة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاوز الخمسين.
قال تعالى:﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾.
كانت معجزة الإسراء والمعراج لحكمة بالغة الأهمية في هذا الوقت العصيب الذي كان يمر صلى الله عليه وسلم بحروب نفسية، وعناد، وافتراء، فكانت بمثابة طبطبة على قلبه صلى الله عليه وسلم ومسحا لجروح الماضي، وتثبيتا لقلبه الكريم، وبيان لصدقه حيث طوى الله تعالى لنبيه الزمان والمكان، وبيان لقدرة الله التي لا تحدها حدود، وفيها تأييد وتثبيت للقلوب المؤمنة التي صدقت وآمنت وسلمت واستسلمت لله رب العالمين، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة البراق وركبه إلى بيت المقدس، ورأي الجنة ونعيمها، ورأى النار وعذابها، وسأل عن الأسباب ، قال تعالى:﴿ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰٓ ﴾، وعلى الرغم من حدثهما في نفس الليلة، فورودهما في القرآن الكريم لم يترادفا، بل ذكر الإسراء أولا، وتأخر الحديث عن المعراج، فقد جعل الإسراء مقدمة للإخبار بالمعراج، وبعد أن تمت رحلة الإسراء والمعراج، وعاد صلى الله عليه وسلم ﷺ إلى مكه، فقال أكثر النّاس هذا الأمر لبيّن، وإنّ الرّسول صلى الله لصادق ٌ آمين، ولكن هذا القول لا يصدّق! فارتدّ كثيرٌ ممّن أسلم، وثبت البعض على أسلمهم كأبي بكر رضى الله عنه حيث قال والله لئن كان قال هذا الكلام لقد صدق، فما العجب من ذلك! فوالله إنّه ليخبرني أنّ الخبر يأتيه من الله من السّماء إلى الأرض في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار فأصدّقه، فهذا أبعد ممّا تعجبون منه، وقد درج المسلمون علي الإحتفال بها في كل عام، ولكن المقصود الأعظم هو استخلاص العبر والعظات من تلك الذكريات وتنزيلها علي أرض الواقع، فالقرآن الكريم لم يذكر لنا قصص السابقين لمجرد التسلي بها، أو لزيادة معلومات تاريخية عما مضي من عمر الإنسانية، وإنما جعل الهدف الإتعاظ بمن سبق، وفي الإسراء والمعراج دلالات كبرى، ومواعظ بليغة أكثر من أن تحصى، فتعلمنا أن المحن والابتلاء تسوق أصحابها إلى التقرب من الله عزوجل، وتلجئهم إلى طلب العون والمدد كما فعل صلى الله عليه وسلم حيث قال:” اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلنى، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل عليّ غضبك، أو ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.
فكانت إجابة رب العالمين أن كرم نبيه صلى الله عليه وسلم ونال أعلى درجات القربات، وكرم أمته بالصلاة لتكون معراجا لهم إلى رب السماوات والأرض، ولا يفلح المؤمن إلا بها، والله الموافق والمستعان.
،،