بقلم الدكتور محمد صبحي
مدرس الإعلام بجامعة الأزهر الشريف
الإسلام هو دين العلم والمعرفة، ولا يمكن تصور الحضارة الإسلامية بدون العلم والمعرفة. كما أن الترابط والتكامل بين الإسلام والمعرفة واضح أيضًا.
والحقيقة أن علماء الإسلام الأوائل تخصصوا في علوم شتى، ولم يقتصروا على العلوم الإسلامية فقط. وهذا ما يؤكده حذيفة صاحب النبي وكاتم سره قال :عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه) أي: عرفت الشر لأتجنبه وأتحفظ من سلوك منهاجه لا لأتلبس به، (ومن لا يعرف الشر، من الناس يقع فيه) أي من لا يعرف الشر الحاصل، من اختلاط الناس فيوشك أن يقع فيه ولا يدري ولا يمكنه التخلص منه لعدم معرفته بأصله، فقد كان لدى طلاب العلم المسلمين وحتى القدماء منهم تصورات إسلامية وغير إسلامية للعلم.
وبما أن التكنولوجيا الحديثة هي جزء لا يتجزأ من التطور الحديث، فإن الإسلام ينظر إليها على أنها أداة يمكن استخدامها في الشر، بل الخير أكثر .
فلو كان عثمان بن عفان موجودًا اليوم لخدم العالم من خلال التكنولوجيا، واستثمر ثروته لدعم الابتكارات التكنولوجية التي تفيد المجتمع. وكان بإمكانه أيضًا أن يساهم في مشاريع تكنولوجية تهدف إلى تحسين التعليم والصحة والبيئة، مستلهمًا مبادئه في الخدمة الاجتماعية، فاستخدام التكنولوجيا جعل الحياة أسهل من الماضي.
وظل عثمان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده رمزًا للكرم والتسامح والعطاء. ويتضح ذلك من سفره إلى تبوك في السنة التاسعة للهجرة لتجهيز جيش الرسول لمواجهة جيش الروم القوي العرموم في ظروف صعبة، وقد كان ذلك في العام التاسع للهجرة..
فالتكنولوجيا الحديثة ليست جيدة أو سيئة في حد ذاتها؛ ما يهم هو كيفية استخدام الناس لها.. فالتكنولوجيا خادم مفيد، ولكن من الواضح أنها سيد خطير على البشرية.
كما هو واضح من حقيقة أن أول وحي نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان للقراءة وطلب العلم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (1) (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) بل هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تدل على أهمية العلم والمعرفة.
فعلى سبيل المثال، يقول الله تعالى في سورة المجادلة الآية 11 من سورة المجادلة تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]. وقد ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – في آيات كثيرة من القرآن الكريم أن من معجزات الريح التي أوتيها النبي سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، ما ذكره الله تعالى في آيات كثيرة من القرآن الكريم. وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنًا (سبأ 12)
وكذلك الأمر في عالم الطيران، حيث يستخدم الإنسان اليوم الريح من خلال العلم في صورة طائرات نفاثة أسرع من الصوت. ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بتشجيع أهل عصره على طلب العلم، بل تحدث عن الذين سيتعلمون العلم في عصره صلى الله عليه وسلم وحثهم على الرفق بمن أتي من بعد النبي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي من بعدي أقوام يطلبون الحديث عني، فإذا أتوا على الناس فليحدثوا عني، فارفقوا بهم).
وقد غرس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في نفوس المؤمنين الهمة والحماسة لتحصيل العلم النافع، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ”اطلبوا من الله العلم النافع وتعوذوا بالله من العلم الذي لا ينفع، فالله لم يترك شيئاً من الكتاب إلا ودلنا عليه . َمَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ“ (الأنعام: 38).
والإسلام لا يعارض التكنولوجيا الحديثة، ولكنه ينهى عن كل ما يجلب الرذيلة ويغري بها ويدمر الأخلاق. وفيما يتعلق بالأجهزة الحديثة التي تملأ العالم الحديث، مثل الفضائيات والهواتف المحمولة والإنترنت، فإن الإسلام لا يحرم منها ما ينفع المرء في دينه ودنياه.
وهذا يدل على أهمية العلم، بما في ذلك العلم والتكنولوجيا، وكيف يمكن استخدامه لتحسين حياة البشرية.
وفي الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ”لا تقوم الساعة حتى يجري القلم“ يفهم منه أن جريان القلم من علامات الساعة، وقد جاء في الحديث أن جريان القلم من علامات الساعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ”لا تقوم الساعة حتى يفيض القلم“.
فما من دولة شهدت نهضة إلا وتميزت بمبدعين حققوا إنجازات غير مسبوقة، ودفعوا بها إلى الأمام وحولوها إلى جيل من المبدعين في جميع مجالات الحياة“.