بالأرقام:هذه الخصائص المميزة للغتنا التي حفظها الله وكتب لها البقاء
التريند بحثا عن الشهرة والمال ” سرطان الكتروني” مدمر للأخلاق
قصتا” الهدهد والنمل” ذكرهما الله ليستفيد منهما الدعاة والإعلاميون
رغم أنف اليونسكو ..ستظل لغة القرآن خالدة..ومستحيل انقراضها
أطالب بتدريس مناهج دينية لطلاب الإعلام حتى يتحصنوا بالأخلاق
علينا التخلص من الإحساس ب” الدونية اللغوية” ونعتز بلغتنا وهويتنا
حوار- جمال سالم:
يعد الأستاذ الدكتور غانم السعيد، العميد السابق لكليتي اللغة العربية والإعلام – جامعة الأزهر، ويطلقون عليه ” صاحب العمادتين” من الشخصيات موسوعية الثقافة الغيورين على الدين واللغة والراصد لم في الساحة الإعلامية من أحداث، ولهذا فإن للحوار معه مذاق خاص، وتجولنا معه في ” آمال وآلام ” لغتنا العربية التي تعاني من تحديات داخلية وخارجية، وكذلك ما تعاني منه الساحة الإعلامية من مستجدات ايجابية وسلبية.. فكان هذا الحوار
** ما رؤيتكم لما اتخذته جامعة الأزهر مؤخرا من قرار بتعريب العلوم؟.
** لاشك أن قرار تعريب العلوم بالجامعة الأزهرية العريقة سيكون دافعها لغيرها من الجامعات في العالمين العربي والإسلامي لاتخاذ خطوات جريئة مماثلة تؤكد سعة العربية لاستيعاب كل العلوم مثلما كانت من قبل، حيث كانت اللغة العربية لغة العلوم التطبيقية في العالم كله حين كان أجدادنا قادة الفكر والعلم والحضارة في العالم، وهذه الخطة الجريئة لابد أن تتم بشكل متأن ورصين بعيدا عن التسرع حتي تؤتي ثمارها المرجوة، وكذلك لابد من دراسة التجربة السورية في تعريب الطب والاستفادة منها وتجنب ما وقعت فيها من أخطاء، لأن من يتأمل الواقع العالمي سيجد أن الدول الكبرى التي تحترم نفسها، وتعتز بلغتها وهويتها تدرس كل العلوم بلغتها الأصلية حتى يستوعبها الطلاب في مختلف مراحل التعليم لأنه من المعروف أن ” اللغة وعاء التفكير والانتماء”
زعم باطل
** ما ردكم على مزاعم من يقولون أن اللغة العربية عاجزة عن استيعاب العلوم الحديثة؟.
** هذا زعم باطل روج له العلمانيون والتغربيون ومن على شاكلتهم من الكارهين للإسلام ولغة القرآن الكريم واتهموها بكل قصور وتقصير وعيوب تعبيرا عن ما قلوبهم تجاه الإسلام ولغة القرآن،
يقول أحد المستشرقين وما أجمل الاعتراف عندما يأتي من عدوك:” ليس على وجه الأرض لغة لها من الروعة والعظمة ما للغة العربية، ولكن ليس على وجه الأرض أمة تسعى بوعي أو بلا وعي لتدمير لغتها كالأمة العربية”.وصدق شاعر النيل حافظ إبراهيم إذ يقول عنها
رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي.. وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني.. عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي.. رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً… وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ… وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
خصائص متميزة
** ما هي أهم خصائص اللغة العربية ومميزاتها التي تفوقت بها على غيرها من اللغات؟.
** سأكتفي بذكر بعض الأرقام التي تميز لغتنا التي يكفيها شرفا أن نزل بها القرىن الذي تكفل الله بحفظه، وهذا يدحض مزاعم اليونسكو بأنها ستكون ضمن اللغات التي تنقرض قريبا، فمثلا بالنسبة للجذر اللغوي للغة العربية والذي نشتق منه مفردات يصل إلى “ستة عشر ألف” جذر لغوي، في حين أن لغة مثل العبرية التي أحياها أهعلها من موات تحتوي على “ألفين وخمسمائة” جذر لغوي فقط، أما اللغة اللاتينية التي هي أصل اللغة الانجليزية تحتوي على “سبعمائة” جذر لغوي فقط، فأي اتساع وثراءٍ هذا الذي تملكه لغتنا العظيمة التي يتهمونها أنها عاجزة عن مسايرة التطور العلمي والتقني. وبالنسبة لحروف اللغة العربية “سبعة وعشرون” حرفاً في حين أن العبرية تملك “تسعة عشر” حرفاً ،واللغة الانجليزية تملك ” ستة وعشرين” حرفاً. وهذه الزيادة في الحروف يتعبها حتماً زيادة في المفردات، كما أن جهاز النطق العربي يتسع لأكبر عدد من مخارج الحروف حيث نجد حروفا تفتقدها اللغات الأخرى ، فالعربي يستطيع نطق جميع حروف اللغات الأخرى ويزيد عليها لأن جهاز النطق لديه متكامل، أما غيره فجهازه النطقي ناقص فبعض اللغات لا توجد بها حروف العين أو الغين أو القاف، وهناك “حرف الضاد” الذي لا يوجد في غير العربية ولذلك سميت ب”لغة الضاد” وكل ذلك يعطي زيادة أكثر وأكثر في المفردات والألفاظ ، فضلا ‘ن من الكلمة الواحدة نستطيع اشتقاق الكثير من الألفاظ المختلفة وفي المقابل نجد الانجليزية فقيرة جداً في الاشتقاق ، وكذلك في اللغة العربية تعبر عن المعنى بعدد قليل من الكلمات، كما أن “ظاهرة الأعراب” تتفرد به العربية عن غيرها من اللغات الأخرى، وهذه الظاهرة من أعظم النعم، ومن أجمل خصائص العربية رغم أن الكثيرين يعانون منها فهي تجعلك تتحدث بأريحية كاملة تقدم وتؤخر الألفاظ كما تشاء يحوطك الإعراب بحمايته الكاملة بعكس الانجليزية التي يجب أن تتبع معها سبيلاً واحداً وهو الجملة الاسمية فقط ، وتزيد روعة لغتنا إذا علمنا أنه تلحق بالإعراب ظاهرة الشكل أي تشكيل الكلمة من الداخل، فالكلمة الواحدة يمكن أن تعطي أكثر من معنى بتغير الحركة ، أما في اللغات الأخرى فكل معنى من هذه المعاني يستلزم لفظاً جديداً يؤدي معناه ، وما يؤكد قدم وعظمة لغتنا أنه وُجد أقدم نص مكتوب في التاريخ باللغة العربية وعمره ثمانية آلاف من الأعوام مما يدل على أن العربية هي أصل اللغات جميعها، ويدحض افتراءات أولئك الذين يدعون أن العبرية هي أصل اللغات.
دين وعبادة
** يؤكد البعض أن تعلم اللغة العربية من الدين، وحسن التحدث بها عبادة، فهل تؤيدون هذا القول؟.
** بالتأكيد، فهي لغة اقدس كتاب، وأعظم رسول، وقد شرف الله تعالى اللغة العربية بجعلها لغة وثيقة الصلة بالدين الإسلامي والشريعة الإسلامية فأرسل خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من نسل عربي وأنزل عليه القرآن الكريم باللغة العربية الفصيحة فقال سبحانه وتعالى:” وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ”، وقال أيضا” وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ”، وبين سنته وشرائعه بها فازدادت شرفا. تعليم اللغة العربية هى واجب على المسلمين لأن تعليمها ليس قضية تعليمية فقط بل هى قضية عقيدية ورسالة سامية، روى عن الفاروق عمر بن الخطابأنه قال” تعلموا العربية فإنها من دينكم”، ولذلك واجب على المسلمين فهم اللغة العربية لأنها يتوقف عليها فهم القرآن والسنة النبوىؐ ولا يتم العبادات إلا بها، لا يفهم الإنسان القرآن الكريم والسنة النبوية إلا إذا كان ماهرًا فى اللغة العربية، ولهذا يجب لفت انتباء المسلمين إليها من أجل القيام بواجبهم فى الاهتمام بها والحفاظ على دورها فى إيصال المقاصد الإسلامية وتقوية الرابطة الأخوية بينهم لأن اللغة العربية هى السبيل الوحيد لفهم الآيات القرآنية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أهم أسس التأكيد الأخوة بين أعراق الأمة الإسلامية، ومن جميل أقوال أبو الريحان البيروني العالِمُ الشهير، الفارسي الأصل: “والله لأَنْ أُهْجى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدح بالفارسية” ويؤكد التاريخ أن اللغة العربية كانت في الماضي لغة عالمية -باعتراف العالم كله – والآن هي اللغة الرسمية الدولية السادسة: في هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، وفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ، فمن لم ينشأ على أن يُحب لغة قومه، استخف بتراث أمته، واستهان بخصائص قوميته.
اللغات الأجنبية
** تؤكدون أن السعي لإتقان العربية لا يعني أبداً التخلي عن تعلُّم اللغات الأجنبية الحية، فما هي ضوابط ذلك؟
** بل من المهم جداً أن يتقن العالِم العربي لغة أجنبية واحدة على الأقل، هذا ما يفعله علماء البلاد المتقدمة، والأحرى أن يفعله علماؤنا. وليس مقبولاً أن يسعى العربي لإتقان لغة أجنبية، فيبذل في سبيل ذلك كل جهد ممكن، وأن يهمل في الوقت نفسه لغته العربية، ليس مقبولاً أن يأخذ يتم تدريس كل اللغات الأجنبية لأطفالنا من سن الحضان ويتم تضييع لغته العربية، فالدول التي تحترم لغتها لا يتم تعليم أولادها أي لغة قبل سن العشرة أو الثانية عشرة حتى يجيد أطفالها لغتهم القومية أولا، ويجب التخلص من عقدة الشعور بالدونيّة إزاء الغرب، التي تعانيها نسبة كبيرة من العرب، فهذا هو سبب الظاهرة الخطيرة الواسعة الانتشار: التسييب اللغوي، ولست مبالغ إذا قلت أن أمتنا تعاني من” الإباحية والفوضى اللغوية ” وهذا ما يرمي إليه أعداء العروبة، انظروا إلى الإعلانات واللافتات، في الطرقات والمجلات، تجدوا طوفاناً من كلمات أجنبية بحروف عربية، أو عبارات (عربية) مملوءة بالأخطاء، ثم لماذا يسمح كثير من الناس لأولادهم أو لأنفسهم أن يرتدوا ملابس يسيرون بها متباهين فرحين، وقد صارت صدورهم وظهورهم دعايات متحركة للإنكليزية؟!! من غير أن يشعر أحدٌ بالمهانة، أو أن يحرك ساكناً إزاء هذه المهانة؟! أليس من واجبنا جميعاً أن نكافح هذا المرض النفسي الذي استشرى، وهذا الانحلال في الشخصية، ومظاهر الانتماء إلى الغرب، وأن ندافع عن كرامتنا بدفاعنا عن لغتنا، وصدق ابن خلدون حين قال:” المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده “، مع العلم أننا في عصر التكنولوجيا، تحمل المنصّات الرقمية إمكانات هائلة لدعم أي لغة، ومع ذلك، بدلًا من أن تكون التكنولوجيا فرصة لتعزيز حضور اللغة العربية الفصحى، أصبحت تحديًا جديدًا. فالجزء الأكبر من المحتوى العربي على الإنترنت يعتمد على اللهجات المحلية أو اللغة الإنجليزية، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي، أو التطبيقات أو حتى المواقع الإلكترونية، وهذا التوجه يعمّق التهميش الذي تعاني منه اللغة العربية الفصحى، حيث يشعر الجيل الجديد بأنها لغة غير عملية أو غير مناسبة للتعبير عن الأفكار الحديثة، ولهذا لابد من استعادة مكانة اللغة العربية الفصحى
سرطان التريند
** ما هي رؤيتكم لم يطلق عليه” التريند” الذي يعدونه مقياسا للنجاح والشهرة وتحصيل المكاسب المالية، وأنه نوع من ” التجارة شطارة “؟.
** يعد البحث عن تحقيق “التريند” بأي وسيلة من أشد أوبئة العصر، بل إنه ” السرطان الالكتروني” الذي يتسارع الناس من خلاله إلى جمع المال ولا يهتمون إن كان من الحلال أو الحرام، فضلا عن السعي لتحقيق الشهرة ولو على حساب سمعة الناس، وأشلاء الآخرين دون التحقق لأن هدفه البحث عن الفضائح مما يضيع مبدأ الستر الذي دعا إليه إسلامنا العظيم في قول رسول صلى الله عليه وسلم:” المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ “، وقال الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضى الله عنهما:” صعد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المنبر فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقال: يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم ، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ”، أما رؤيتي لمن يلهثون وراء اليريند بأي وسيلة فقد جسدها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شريف كأني أراه على أرض الواقع:” سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ. قِيلَ: وما الرُّويْبِضةُ ؟ قال: الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامةِ”، أليس هذا ما نراه من خلال” لعنة التريند”
تدمير الأسرة
** كيف يمكن مواجهة هذه الجرائم التي انتشرت وعمت بها البلوى وتؤدي لتدمير الأسرة وهي اللبنة الأولى لبناء المجتمع؟.
** أطالب مؤسسات الدينية وكذلك مؤسسات التربية والتعليم والإعلام والثقافة وغيرها من المؤسسات ذات الصلة ابتداء من الأسرة التكامل في نشر الوعي بأهمية صلة الرحم التي تطيل في العمر، بل وتنجي من الرد إلى أرذل العمر، لأن قطيعة الرحم نوع من الإفساد في الأرض فقال الله سبحانه وتعالى:” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ. أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”، قال صلى الله عليه وسلم: «من سرَّهُ أن يُمَدَّ لَهُ في عمرِهِ، ويوسَّعَ لَهُ في رزقِهِ ويُدفعَ عنهُ ميتةُ السُّوءِ؛ فليتَّقِ اللَّهَ وليصِلْ رحمَهُ»، وقيل إن ميتة السوء تدفعها صلة الرحم حيث يموت واصل الرحم سليم العقل، وصحيح الجسم لم يرد إلى أرذل العمر، حيث تبقى كل الأعمال الصالحة مانعة للإنسان من أن يرد إلى أرذل العمر، فوجب على كل مسلم أن يجعل بينه وبين الرد إلى أرذل العمر سياجاً من الطاعات وأعمال الخير حتى ينجو من هذه المرحلة العمرية القاسية بحول الله وقوته وفي مقدمة هذه الأعمال بر الوالدين وصلة الرحم
محو الهوية
** ما هي أبرز التحديات التي العقل العربي والإسلامي وتعمل على محو هويته الدينية والثقافية؟
** أرى أن حالة الاستشراق وعملية التغريب قضية خطيرة جدًا، وهي لم تبدأ من اليوم، وإنما بدأت عندما عجز الغرب عن استعمارنا استعماراً مستديماً، فعندما كانوا يواجهون أمة واحدة تصد جيوشهم عن بلادنا كانوا يعودون إلى بلادهم ليبحثوا من جديد عن طريقة أخرى لغزو هذه الأمة، وكان سلاحهم الأول الغزو بالاستشراق الذي يعد تعبيرا عن أن الغرب يجيش عقولاً لتغيّب عقولنا وتراثنا، فقد حاول الغرب ضرب أمرين، الأول: القرآن الذي هو دستور المسلمين، والثاني: العفة التي تجمع أنسابهم، بنزع الحجاب من على المرأة ووضعه على القرآن الكريم، وذلك بفصل المسلم من أن يفهم قرآنه حتى يفقد أهم مقوماته، ورفع الحجاب عن المرأة وما يترتب عليه من فجور وفسوق ونشر الرذيلة والفحشاء والمنكر. ومن يومها قرر الغرب بدل أن يجهز جيوشاً بمعدات وأسلحة، أن يجيش عقولاً تأتي إلينا لتغيّب عقولنا، وتجتثنا من تراثنا وجذورنا من خلال تغيير الفكر، ومن هنا بدأ ما يعرف بالغزو الفكري، ولهذا لابد أن يكون هناك دورا كبيرا واستراتيجية متكاملة لكل المؤسسات ذات الصلة على مستوى الأمة كلها لتقديم المعرفة العلمية والوعي بما يحاك للامة من داخلها وخارجها، وخاصة التي تستهدف الأسرة والأطفال والشباب والنساء، ولهذا يجب رعايتهم وتوجيههم نحو الحقائق وتبصيرهم بالأمور المهمة لتحصينهم تأمين حاضر ومستقبل أفضل للأمة.
انتشار الإلحاد
** ألا ترى أن زيادة انتشار الإلحاد الوافد إلينا أحد النتائج الكارثية لهذا الغزو الثقافي؟
** بالتأكيد، يعاني العالم العربي والإسلامي من زيادة في نسبة الإلحاد، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا، وخاصة في ظل سهولة نشر هذا الفكر المدمر المحارب لفطرة التدين لدى البشر باستخدام الوسائل الحديثة في الإعلام ووسائل التواصل بكل اشكالها، بل إن دعاة الإلحاد يقدمون وسائل إغراء للملحدين من مكافات مالية ووظائف وسفريات وغيرها من الوسائل الشيطانية، لذا يجب تكامل وتضافر جهود الجميع حماية عقول شبابنا وأطفالنا ونسائنا باعتبارهم أكثر الفئات المستهدفة ، ويتم ذلك من خلال تعزيز ونشر الوعي والفهم والثقافة الدينية بين كل فئات المجتمع لتحصينها وتقويتها ضد التيارات الفكرية والألحادية المعادية، ومع هذا كلي ثقة في حفظ الله لدينه ضد مخططات المحلدين لقوله سبحانه:” يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ”. وإذا كانوا ينفقون المليارات لنشر الالحاد ومحاربة الأديان وخاصة الإسلام ، فإن الله توعدهم بالخسران المبين بقوله:” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ”.
الإعلام الأخلاقي
** تطالبون بأهمية قيام كليات الإعلام بأن تتضمن مناهجها الدراسية الثوابت الدينية والحضارية، فما رؤيتكم لأهمية هذه المطالبة ؟
** لاشك أن الأديان السماوية كلها وفي مقدمتها الإسلام تدعو إلى فضائل الأخلاق حتى أن الله تعالى وصف وسلوان صلى الله عليه وسلم بقوله” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، ووصف الرسول هدف رسالته بقوله:” إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ” وفي روايةٍ”صالحَ الأخلاقِ”، وفي ظل الصراع بين الحق والفضائل والأخلاق مع أعداء الأديان والأخلاق من المهم جدا إضافة المواد الإسلامية إلى مناهج كليات الإعلام في الجامعات العربية والإسلامية لتكون خطوة مهمة يمكن أن تسهم في بناء جيل من الإعلاميين الذين يتسمون بالمصداقية والنزاهة والتزام الأخلاقيات الإسلامية في ممارسة مهنتهم، ويجب أن تكون هذه المواد مكملة للمناهج الإعلامية الأساسية، حيث يتعلم الطلاب كيفية تطبيق القيم الإسلامية في مجال الإعلام بشكل عملي وموضوعي، وكيفية تحقيق التوازن بين الالتزام بالمبادئ الإسلامية ومتطلبات المهنة الإعلامية، وكذلك من المهم بناء حصوننا والحفاظ على هويتنا الإسلامية والعربية، تقوم حصوننا على الوعي، وهو العامل الأساسي الذي يساعدنا على التصدي للتحديات الثقافية والفكرية التي نواجهها، بالإضافة إلى أن تعمل المؤسسات التعليمية والثقافية على بناء هذا الوعي بين شباب الأمة، وتوجيههم نحو فهم صحيح للدين والأخلاق الإسلامية، وتعزيز قيم العدل والتسامح والتعايش في المجتمع، ويجب أن نعمل على تعزيز الوعي بالأخطار التي قد تترتب على الانخراط غير المسؤول في وسائل التواصل الاجتماعي، وضرورة التمييز بين المحتوى الإيجابي والسلبي.
الهدهد دعوة وإعلام
** تؤكدون أن من الطير من علم البشرية القيام مهمة الداعية والإعلامي الصادق في آن واحد، فكيف كان ذلك؟.
** هذا الطير هو هدهد نبي الله سليمان عليه السلام الذي لم تتوقف مهمته كداعية غيور على التوحيد كدين، وكذلك كإعلامي صادق عند حدود الوطن الذي يعيش فيه، وإنما أنطلق بدعوته إلى أماكن أخرى جديدة، فكان هو أول سفير للدعوة خارج الأوطان، وقد كان سبباً في دخول مملكة بكل من فيها، ومعهم ملكتهم إلى الدخول في دين سليمان عليه السلام. وقد حكى لنا القرآن الكريم قصة هذا الهدهد، فوِفْق ما ورد في القرآن من أن النبي سليمان عليه السلام كان يتفقد الطيور، ووجد أن الهدهد غائباً، فتوعده بالعذاب، أو الذبح إذا لم يأت بسببٍ مقبولٍ لغيابه وقد جاء ذلك في قول الله تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ. لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ). وعندما وصل الهدهد، قام بشرح الأسباب التي جعلته يتخلف عن حضور الاجتماع مع الطيور، وأخبره عن نبأ قوم سبأ، وورد ذلك في قوله تعالى:(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ). ولم يكتف الهدهد بذلك بل أبلغ نبي الله سليمان أيضًا أن الملكة وقومها يعبدون الشمس ولا يعبدون الله، واستنكر عبادتهم لغير الله، فقال:” إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ . أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ). فكتب سليمان خطابًا وأعطاه للهدهد ليذهب به إلى الملكة للتحقق من صحة ما قاله الهدهد، فقال له سليمان:(قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ). فلما وصلت الرسالة إلى بلقيس تشاورت مع قومها فيما يمكن فِعله، حيث يذكر القرآن قولها:(قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ). ثم أرسلت الملكة هدايا لسليمان لكنه رفض قبولها جميعًا، فقامت بزيارته لاحقًا، فرأت مظهرًا من مظاهر عظمة مُلك سليمان، ولما تحققت من أنه نبي أعلنت التحول إلى الإسلام.
الدورس المستفادة
** ما هي الدورس المستفادة من هذه القصة للداعية لأنه يقوم في نفس الوقت بدور الإعلامي الإسلامي؟.
** أن يكون في مخلصا في عمله وغيورا على دينه ، وصادقا في تحري ما يراه ، وأن يحسن توضيح رؤيته لغيره بالحكمة الموعظة الحسن امتثالا لقول الله تعالى:” ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”، من يتأمل القصص القرآني يجد أن الله سبحانه وتعالى لم يذكرها عشوائيا أو للتسلية – حشاه سبحانه- وإنما للتدبر والعظة والاستفادة منها في تحسين علاقة البشر بربهم ، وكذلك بين البشر وبعضهم البعض، وهناك نماذج أخرى عديدة من القصص الخاص بكائنات غير البشر يمكن للبشر أن يستفيد منها في إصلاح حياته وإصلاح علاقته بربه ومجتمعه وأسرته.
النمل والانتماء
** هل يمكن أن تقدم انت نموذجا آخر من هذا القصص القرآني المفيد لنا في حياتنا المعاصرة؟.
** من الطير الذي علم الإنسان معنى أن يكون مسؤولاً عن حماية جماعته، وتنبيههم إلى أي خطر داهم قد يتعرضون له” النملة” التي كانت مهمتها المكلفة بها الاستطلاع والمراقبة للتنبيه على أي خطر قد تتعرض له مملكتها، والنمل يعده كثير من العلماء من الطيور، بالإضافة إلى أنه من الحشرات؛ لأن له جناحين يطير بهما في مرحلة من عمره. وقصة النملة مع نبي الله سليمان لها أمر عجيب، فقد جمع سيدنا سليمان يومًا جنوده من الإنس والجن والطير والدواب وأمرهم بالسير في صفوف منتظمة، وأثناء سيرهم مروا على وادٍ يسكنه النمل، وكان النمل منهمكاً في مهامه إلا نملة وقفت تراقب مشهد سير نبي الله سليمان عليه السلام وجنوده، وعندما اقتربوا من بيوت النمل صاحت النملة بأخواتها النمل: أن أسرعوا وادخلوا إلى مساكنكم حتى لا يطأكم نبي الله سليمان وجنوده دون أن يشعروا فهم قد اقتربوا منا.فأسمع الله سيدنا سليمان عليه السلام ما دار من حديث بين النملة وأخواتها، وفهم ما قالت فتبسَّم ضاحكاً متعجباً، لأنها عرفت اسمه، وأنها قالت: «وهم لا يشعرون»، فوسمته وجنده بالصلاح والرأفة وأنهم لا يقتلون ما فيه روح لغير مصلحة، وهذا تنويه برأفته وعدله الشامل بكل مخلوق لا فساد فيه، أجراه الله على نملة لنعلم شرف العدل ولا يُحتَقر مواضعه، وأن ولي الأمر إذا عدل سرى عدله في سائر الأشياء وظهرت آثاره فيها حتى كأنه معلوم عند ما لا إدراك له. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى تلك القصة العجيبة في القرآن الكريم في سورة «النمل» حيث يقول تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ . وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) .ومن بين ما علمته هذه النملة للبشرية الإيجابية والشجاعة، فقد كان من الممكن أن تهرب وحدها وتدخل جحرها، لكن لأنها أول نملة رأت الجيش قبل غيرها من النمل، فخشيت على أمتها، ولم تعش لنفسها، رغم أنه كان من الممكن أن تموت تحت الأقدام وهي تنادي على النمل، لكنها تضحي من أجل الآخرين، ولهذا تبسم سيدنا سليمان، وهكذا تعلم الإنسان وسيظل يتعلم من خلائق أخرى كثيرة يظنها أضعف منه قوة وعقلاً.