فى العصر الرقمى الذى نعيشه اليوم، أصبحت وسائل التواصل الحديثة جزءاً لا يتجزأ من حياة الأفراد والمجتمعات، فقد أحدثت هذه الوسائل ثورة فى كيفية تفاعل البشر مع بعضهم البعض، مقدمة فرصاً هائلة للتواصل، والتعلم، والتعبير عن الرأى، لكنها فى الوقت ذاته تحمل تحديات ومخاطر قد تؤثر على الأفراد والمجتمع ككل.
بعد التقدم المذهل فى وسائل الاتصال، أصبح العالم اليوم أشبه بقرية صغيرة متجاورة المساكن كل جار يعرف تفاصيل حياة جاره يعرف كل شاردة وواردة عن حياته الخاصة والعامة، ولكن الفرق الوحيد أن عالم القرية متحاب مترابط ومتجانس، أما عالم التكنولوجيا والاتصالات الذى نسميه بـ «التواصل الاجتماعى» فقد جعل حياتنا أشبه بقرية صامتة كل فرد فيها يتابع أخبار الآخرين ولكن دون حوار، فأخبار العالم تنتقل إلينا وعلى الهواء مباشرة ونحن جالسون فى أماكننا متكئون، وما نراه من تقدم علمى مذهل يؤكد الكثير من الحقائق التى كان ينكرها المنكرون، وهى أن مقاييس الزمن أصبحت مختلفة على ما كانت عليه، فما كان يصلنا فى أيام طويلة بل فى شهور، أصبح يصلنا على الهواء مباشرة، ولكن المخيف من هذا الغزو الفكرى الرهيب أنه جعل الإنسان يلهث وراء كل جديد ولا يشعر بالشبع ولا الارتواء العقلى أو الروحى، فهذا لا يستطيع أن يتابع موضوعاً أكثر من دقائق معدودة ويلهث بعدها وراء غيره لعله يجد المزيد من المتعة والإثارة، وهو بذلك يقضى وقتاً طويلاً من يومه فى متابعة مبتورة لا طائل من ورائها سوى المزيد من التوتر العصبى الذى أصبح سمة من سمات العصر الذى نعيشه الآن.
إذا كان ما سبق هو الجانب الايجابى من صراعات ثورة الاتصالات والفضائيات، فإن الجانب المدمر هو ما يبث لمخاطبة الشهوة والغريزة وتغيبب الوعى وما أكثره وأرخصه، لكن مع الأسف الشديد فإن هذا الجانب يقدم للناس بأساليب مشوقة، خاصة الشباب المراهقين، أعلن الشيطان عن عجزه الشديد عن محاكاتها لأن تلك الأساليب قادرة على جذب كل الفئات والتأثير فى ضعاف العقيدة والايمان.
إذا كانت وسائل التواصل الحديثة سلاحاً ذا حدين، حيث توفر فرصاً هائلة للفرد والمجتمع، ولكنها فى نفس الوقت تحمل أيضاً مخاطر يجب الانتباه إليها، فمن الضرورى أن يكون الاستخدام مسئولاً ومتوازناً لتفادى سلبياتها وتعظيم فوائدها.. وعلى الحكومات والمؤسسات التعليمية توعية الأفراد حول كيفية الاستفادة من هذه الوسائل بشكل إيجابى وآمن، لضمان تأثيرها البناء على المجتمع.
إن من أهم نتائج هذا الغزو السلبية، أن الفرد يألف المعصية فقد تعود على مشاهدة ذلك واعتادت الأذن سماع ذلك، فأصبحت المعاصى مألوفة لا مجال لرفضها أو إنكارها، لأنها أصبحت جزءاً من الحياة اليومية.
أيضا من هذه الكوارث تدمير وقت الانسان الذى يعد المادة الخام للحياة وسوف يسأل عنه يوم القيامة، فلا سبيل أمام مواجهة هذا الطوفان الجارف فى وسائل الاتصال الحديثة التى لابد منها، إلا بتقوى الله والتفكير فى اليوم الآخر، يوم نقف بين يدى الله تشهد علينا حواسنا التى سخرها لنا الله سبحانه وتعالى، والتى سخرناها نحن لحصد المعاصى والآثام.. فهل ننتبه؟!
>>>
>> وختاماً:
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ . وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ . وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّى مَن يَشَاءُ . وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
صدق الله العظيم، سورة النور.