امتنَّ الله على عباده بمواسم الطاعات, كرمضان والأعياد وعشر ذي الحجة المباركات, فأرشد فيها للطاعة والذكر, (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) الحج: 28
سبحانه وتعالى أمر يوم العيد بالصلاة والذبح (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر: 2
يطلُّ علينا هذه الأيام شهر كريم. شهر حرام. (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة: 36
هذه الأشهر الحرم حرَّم الله تعالى فيها أن يظلم الإنسان نفسه. ولا شك أن من أعظم الظلم للنفس ارتكاب المعاصي, قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: “(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي في هذه الأشهر المحرمة، لأنها آكد، وأبلغ في الإثم من غيرها”.
ومن أعظم أيام شهر ذي الحجة. هذا الشهر الحرام. من أعظم أيامه. بل من أعظم أيام السنة كلها. هذه الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة.
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام” -يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول اللهِ ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.
ألا يا باغي الخيرات أقْبِل إلى ذي الحِجَّة الشهر الحرام.
أيام عظيمة. يَفضُلُ العمل الصالح فيها كل عمل صالح في غيرها. إلا الحال التي ذكرها رسول الله: رجل خرج مجاهدًا في سبيل الله فقُتِل شهيدًا في سبيله وذهب ماله في سبيل الله.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره”.
هل تعلم، أن هذه العشر التي ستكون بين يديك خيرا من أيام رمضان كلها؟ خيرا من أيام رمضان بما فيها العشر الأواخر. وليالي العشر خير من ليالي رمضان كلها بما فيها العشر الأواخر عدا ليلة القدر. عند بعض أهل العلم.
فيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية.
ألم تقرأ قول الله تبارك وتعالى مُقسِماً بهذه الليالي: (وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ) الفجر: 1- 2, قال ابن كثير -رحمه الله-: “وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ: الْمُرَادُ بِهَا عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ”.
هذه الأيام والليالي. معدودة محدودة. ساعات قليلة. الأجر فيها مضاعف. والإثم فيها مضاعف. العمل الصالح فيها يحبه الله أكثر من العمل الصالح في غيرها.
لنجعل هذه الأيام كاملة لله تعالى. لله وحده. ولا نصيب فيها أية معصية. المعصية محرمة في العشر وفي غيرها. لكنها فيها إثمها مضاعف.
فلنحرص أن تكون صحيفتنا خلال هذه الأيام الفاضلة خالية تماماً من أية معصية. فرصة لأن يقلع الإنسان عن كثير من المعاصي التي أدمن عليها. وفرصة أن يُطهِّر الإنسان نفسه من المعاصي, ويعيشَ ويأنسَ بالقرب من ربه تبارك وتعالى.
ثم لنحرصْ خلال هذه الأيام العشر على استغلال كل لحظة فيها. لنعمر أيامها بالصيام. فالصيام من أجل القربات والطاعات التي يُتقرب بها إلى المولى تبارك وتعالى, عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من صامَ يومًا في سبيلِ اللَّهِ باعدَ اللَّهُ بذلِكَ اليومِ النَّارَ من وجْهِهِ سبعينَ خريفًا”.
احرص على الإكثار من ذكر الله. أكثر من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل في هذه العشر, روى ابن حجر العسقلاني عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من أيامٍ أعظمُ عند اللهِ ولا أحبُّ إليه العملُ فيهنَّ من أيامِ عشرِ ذي الحجةِ, أو قال هذه الأيامِ, فأكثروا فيهنَّ من التسبيحِ والتكبيرِ والتحميدِ والتهليلِ”.
لا تجعلْ لسانك يتوقف عن ذكر الله -تبارك وتعالى- خلال هذه الأيام العشر, اجعله رطبًا بذكر الله تعالى, كان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق فيكبران، فيكبر الناس بتكبيرهما، وكانت الناس تضج مجالسهم بالتكبير. النساء في البيوت والرجال في الأعمال، الكل يكبر ويذكر الله تعالى، (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا), (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).
فاكثروا من الصالحات من التكبير والذكر والتقرّب الي الله تعالي.