أجري الحوار: إسلام أبو العطا
تصوير: عادل عبدالرحمن
أكد د. محمد نبيل غنايم- أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة- أن الاستعداد لشهر رمضان يحتاج منا أن يكون المسلم صفحته بيضاء، خاصة بعد أن رُفعت الأعمال في شهر شعبان، وحتي تكون الصفحة بيضاء ناصعة نحتاج أن نستقبله بتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، توبة فيها إقلاع عن المعاصي والسيئات وفيها حسرة وندم على ما وقع منا من معاص وسيئات كلما تذكرناها، وإذا كان علينا حقوق لآخرين نبادر بإخراجها أو التسامح فيها.
وأضاف- في حواره مع عقيدتي-: الكرم ليس تبذيرا والجود في رمضان ليس إسرافا، لكن الإسراف أن نسكب الخيرات في سلات المهملات، بعض الناس يقومون بعمل العزومات في رمضان ومبدأ العزومة لا بأس به، بشرط عدم التبذير”كلوا واشربوا ولا تُسرفوا” والجود هو أن أُقدم ما عندي بما أكرمني الله به.
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
* ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك، نرجو أن توضح لقراء “عقيدتي” كيف نستعد بدنيًّا وروحيًّا لاستقبال الشهر الفضيل؟
** بداية نقدم أطيب الأماني وأصدق التهاني لشعب مصر العزيز بكل طوائفه وطبقاته وحكومته الرشيدة وقيادته بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وندعو الله تبارك وتعالي أن يعيده علينا وعلى الأمة العربية والإسلامية بل وعلى الإنسانية كلها بكل خير وأمن وسلام وتوفيق إن شاء الله.
أما عن كيفية الاستعداد لشهر رمضان المبارك فنحن من طاعة إلى طاعة ومن عبادة إلى عبادة ومن قرب إلى الله سبحانه وتعالى إلى مزيد من القرب، نحن في شهر شعبان لم نكن بعيدين عن رمضان بل أقرب صلة، فنحن في شعبان نصوم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما سئل عن ذلك قال: “إن هذا شهر يغفل عنه كثير من الناس لأنه بين رجب ورمضان وتُرفع فيه الأعمال وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم”، ولذلك ما رؤي رسول الله في شهر أكثر صياما من شهر شعبان ولم يتم صيام شهر إلا رمضان، فنحن نتدرب على الصيام في هذا الشهر الكريم استعدادا لرمضان الذي يحتاج منا أن يكون المسلم صفحته بيضاء خاصة بعد أن رُفعت الأعمال في شهر شعبان، وحتي تكون الصفحة بيضاء ناصعة نحتاج أن نستقبله بتوبة إلى الله فيها إقلاع عن المعاصي والسيئات وفيها حسرة وندم على ما وقع منا من معاص وسيئات، وإذا كان علينا حقوق لآخرين نبادر بإخراجها أو التسامح فيها.
شهر القرآن
أيضا شهر رمضان هو شهر القرآن ولابد أن يكون لنا في شهر شعبان صلة وثيقة بالقرآن الكريم حتي نستطيع مدارسته في رمضان، ونتدرب ونتعاون في ذلك لأن رمضان هو شهر القرآن الكريم، يقول الله تعالى: “شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدي للناس وبيّنات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه”،
نستعد كذلك لشهر رمضان بعقد العزم على المزيد من الطاعات والقربات، لأن في الأيام العادية ينطبق عليها قول الله: “من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلا مثلها” لكن في شهر رمضان علمنا رسول الله بأن الفريضة في رمضان بأجر 70 فريضة في غير رمضان، والنافلة بأجر فريضة في غير رمضان، إذا نحن مقبلون على بحر من الخيرات ومحيط من الحسنات، علينا أن نغترف منه وأن نجتهد فيه وأن نستعد له بكل الإمكانيات الجسدية والروحية.
أيضا رمضان شهر الجود والكرم لأن رسول الله هو قدوتنا وأسوتنا إلى الله كان أجود ما يكون في رمضان وكان حين ينزل عليه جبريل- عليه السلام- ويدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة، لذلك كثير من الناس تقيم موائد الرحمن فليكن لنا في هذه السلوكيات والأخلاق الكريمة والكرم قدوة وأسوة وعلينا أن نجتهد ونتمرن على ذلك.
“الجود بالموجود”.. واحذروا الإسراف والتبذير في شهر العبادة
الكرم والإسراف!
* هناك شعرة أو خيط رفيع بين الجود والكرم والإسراف، نحن نري ان شهر رمضان يتحول عند كثير من الناس من شهر عبادة وزهد إلى إسراف وتبذير، فكيف نوفق بين حرصنا على الكرم وعدم الوقوع في الإسراف؟
** ليس الكرم تبذيرا وليس الجود في رمضان إسرافا، لكن الإسراف أن نسكب الخيرات في سلات المهملات، بعض الناس يقومون بعمل العزومات في رمضان ومبدأ العزومة لا بأس به، بشرط عدم التبذير”كلوا واشربوا ولا تُسرفوا” والجود هو أن أُقدم ما عندي بما أكرمني الله به، إنما الإسراف بكميات هائلة تزيد عن حاجة الموجودين، وبالتالي تلقي في سلة المهملات، وليتنا نعود بها إلى الفقراء والمساكين فتكون امتداد للكرم والجود، المفروض أنه في شهر رمضان يتم توفير ثمن وجبة فنحن في أيام العام نأكل ثلاث مرات في اليوم، وفي رمضان وجبتان، حيث أمرنا الله بالإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ونتناول طعام الإفطار ثم السحور فأين الإسراف؟
الإسراف يأتي من تحوّل الوجبتين إلى تناول أكثر من طاقتنا وأن نحول الوقت من أذان المغرب حتي الفجر إلى طعام مستمر! مما يترتب على هذا من مضار صحية لأن المعدة بيت الداء وكلما أسرفنا في تناول الطعام والشراب وبصنوف وأنواع متعددة كلما تقع التخمة ويقع الضرر ويقع الفساد والإسراف مما يتطلب منا أن نلتزم بالضوابط التي شرعها الله، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يفطر على تمرات أو رطبات أو يحتسي كوبا من الماء أو العصير، هكذا كان رسول الله وأخبرنا وعلمنا أن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ونشغل أنفسنا بالعبادة وبالصلاة والذكر والاستغفار والدعاء ومجالس العلم وصلاة التروايح، هذه كلها أشياء تحد من الشَرَه إلى الطعام مما يعرض الناس إلى مفاسد عديدة، وقانا الله وإياكم منها، وفي الوقت الذي من المفروض أن نوفر فيه نجد الناس يتزاحمون في الاسواق ويخزِّنون الطعام، ونحن لا نحرِّم هذه الأشياء “قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق”، لكن ندعو إلى الوسطية والاعتدال، فليس معني الجود إسرافا وتبذيرا، وليس معني ترشيد الاستهلاك تقتيرا وبخلا.
مسلسلات رمضان
* في الفترة من أذان المغرب إلى صلاة العشاء والتراويح مهمة في العبادة خلال شهر رمضان، ومع ذلك نري القنوات الفضائية تتسابق في عرض المسلسلات والبرامج والتي أصبح جزء كبير منها يخرج من السياق الأخلاقي لمجتمع المصري، هل تتفق معي أن هذا لا يليق بشهر رمضان؟
** هذا عبث وفساد جسيم ولذلك ننتهز الفرصة ونقول: هذا شهر للعبادات ولمزيد من العبادات وفيه ركن من الإسلام وهو الصيام والرسول قال: “الصيام جُنَّة” أي وقاية، ومن المؤكد أن تلك المسلسلات الكثيرة والغزيرة تجر إلى بعض المفاسد وأقلها النظر إلي المحرمات أو أشياء وصور غير مناسبة وغير شرعية، وبالتالى ينقص من أجورنا في رمضان، وننصح القائمين على هذه القنوات وعلى كل أسرة أن يبتعدوا وأن يقاطعوا مثل هذه المسلسلات التي تحول بينهم وبين طاعة الله حتي لا تكون الطاعة مشوبة بالمعاصي.
ونحن نحذر من متابعتها خصوصا إذا كانت بها اشياء خارجة عن المالوف، واذا كان الرسول قد نهانا عن القيل والقال، ونهانا عن سب أخوك المسلم، وعن الرفث والفسوق والعصيان، فعلينا من باب أولى أن نبتعد عن هذه المسلسلات بما تقدمه من مواد هابطة حتي لا نقع في خطايا عديدة تنقص من أجر الصيام، ونحن في حاجة إلى تنمية هذه الحسنات ومضاعفتها حتي نرضي الله أولا، ثم يكون لنا رصيد عند الله ويفرح الصائم كما قال رسول الله “للصائم فرحتان، فرحة عند الفطر وفرحة عند لقاء ربه، سيجد مخزونا من الحسنات والثواب العظيم.
هذه نصيحتي للطلبة.. والرخصة بالإفطار في حالة واحدة فقط
امتحانات رمضان
* بعض الطلبة يضيقون ذرعا أن مذاكرتهم وامتحاناتهم تأتي في الشهر الفضيل، وأن هذا يؤثر على تركيزهم واستيعابهم، فماذا تقول لتطمئنهم؟
** شهر رمضان على العكس مما يتصور كثير من الناس، فهو شهر عمل وجد واجتهاد وانتصارات وفتوحات كبرى، غزوة بدر وفتح مكة وحطين وعين جالوت والعاشر من رمضان، كلها وقعت في رمضان، إذا فهو شهر القوة والجَلَد وقديما قالوا: “الصلاة عادة.. والصوم جلادة” أي قوة وتحمل، اصبر على الطعام والشراب حوالى 15 ساعة في اليوم أتعلم فيها قوة الإرادة والعزيمة وقد أجوع فيها ولكن لا أفطر مرضاة لله، وقد تذهب عني بعض الأفكار الدراسية ولكني بقوة العزيمة أستطيع استردادها، وقديما قالوا لنا: “إذا لم يكن عون من الله للفتي فأول ما يجني عليه اجتهاده” والصيام خير ما يعين على الفهم لأن المعدة تكون فارغة والجسد مستريحا من تخمة الطعام، لكن كما نقول لكل قاعدة شواذ، هناك بعض الطلاب لا يتحملون الصيام ولم يتدربوا عليه وهذا عذره معه، الله سبحانه وتعالى يقول: “فمن كان منكم مريضا أو على سفر” أي لديه رخصة يجوز لك الإفطار يوم الامتحان أو يوم الاستعداد للامتحان، وهنا تأخذ حكم الضرورة التي تبيح المحظورات، لكن الإنسان القادر لا نبيح له ذلك أبدا لأن من أفطر يوما في رمضان بغير عذر لم يجزه صيام الدهر كله وإن صامه.
سلوك الطلبة
بمناسبة الحديث عن الطلبة، كيف تري العلاقة هذه الأيام بين الطالب والأستاذ مع ما نراه من سلوكيات سلبية وتصرفات غير أخلاقية تقع بين الحين والآخر؟
** فعلا هناك تغيرات لكن أريد أن أقول أن التعليم بخير والأساتذة والطلاب بخير وأنا أعمل في جامعة وكلية عريقة لا تسمع فيها عن أي مشكلة في أثناء العام الدراسي، لكن هناك انفلاتا لدي بعض الطلاب نجدها حتي في المرحلة الابتدائية، حينما نسمع أن طلابا حاولوا الاعتداء على فتاة وعندما فشلوا قتلوها فهذا لا شك شئ بشع وغير مقبول لكنها ليست قاعدة إذا علمنا أن هناك 10 مليون طالب، لكن هناك تراجع في المستوي العلمي عند الطلاب وهناك محاولة للعلاج والعودة به لذي قبل، وهناك تراجع أيضا في مستوي الأساتذة ونحن أيضا أقل من أساتذتنا لمتغيرات عديدة سواء اقتصادية أو اجتماعية أو أسرية ونسعي لإصلاحها.
اتهام الأزهر والمناهج الدينية بالإرهاب.. باطل
التعليم الديني
* كلما وقع حادث إرهابي سواء داخل مصر أو خارجها نجد التيار العلماني يوجه الاتهامات إلى الأزهر والكليات التي تقوم بتدريس العلم الديني والشرعي ونجد هجوما على المناهج الدراسية الدينية، كيف نرد على هذا؟
** هذا اتهام ظالم بالفعل، والأزهر أمامنا وأئمة الأوقاف وكلية دار العلوم وأقسام الشريعة في سائر الكليات أمامنا، هل سمعنا عن إرهابي من هنا أو من هنا، الحالات الإرهابية كلها إما مستوردة من سيناء أو مستوردة من الغرب مثل داعش وغيرها، أما مجتمعنا فهو مجتمع محافظ وسليم وكل ما يحدث من أبناء المجتمع حالات شاذة ونادرة وتشهد تراجعا في الوقت الحالى ولا يمكن أبدا أن نقول أن المناهج التعليمية هي السبب وراء الإرهاب، نعم المناهج بحاجة إلي تغيير دائم وهذا أمر طبيعي فالعملية التعليمية تحتاج دائما إلي التغيير ونحن نسعى إلى هذا التطوير بشكل مستمر ولكن لا يجوز أن نعمم أو نلصق الإرهاب بمناهج الأزهر.
أطفال الإرهاب
* الذين يسعون إلى تفجير أنفسهم وآخرهم كان طفلا عمره 15 عاما، ما هي العقيدة التي يملأون بها أدمغة هؤلاء الأطفال حتي يُقدموا على هذا الفعل الخطير؟
** نحن نعلم أن مرحلة المراهقة شديدة الخطورة والطفل المراهق إما مستجيب أو متمرد، فهو سرعان ما يستجيب ويتأثر وسرعان ما يتمرد ليثبت شخصيته، وقيادات الارهاب تركز على هاتين الفكرتين، إما إغرائه بالمال وهو فقير أو يجده متمردا على بعض الأفكار الاجتماعية والأسرية فينمي فيه هذا التمرد ويشجعه على هذا فيفجر نفسه وهو لا يعلم آثار هذا التدمير والتخريب، لكن من هو أكبر منه علمه هذا واستغل ضعفه سواء المادي أو الفكري وتوجيهه نحو هذا التفجير.
تجديد الخطاب
* هذا يدفعني للسؤال: هل نحن مقصرين في تجديد الخطاب الديني؟
** لسنا مقصرون، نحن نسعي دائما إلى هذا ونحاول في كل المناسبات إثبات ذلك سواء في استبعاد المسائل التراثية التي لا تليق بالخطاب الديني المعاصر أو في حب الوطن من الإيمان في تحقيق فكرة الانتماء، وأنا عملت 12 حلقة في مقاصد الشريعة أثبت فيها ان حب الوطن من الإيمان ونحن نحاول أن نركز على الانتماء وعلى اتباع القيادة وعلى وحدة الوطن والمحافظة على مقدراته، وجميع المؤسسات الدينية تسعى في ذلك، فالحضور الديني والواقعي والمعاصري موجود لدي كل المؤسسات الدينية.
تلافينا كل العيوب في مشروع قانون الأزهر للأحوال الشخصية
الأحوال الشخصية
قام الأزهر مؤخرا بإعداد قانون للأحوال الشخصية، بوصفكم أحد أعضاء اللجنة التي أعدت القانون، نود الاطلاع على أبرز ما جاء فيه؟
** اجتهدنا أن يكون مشروع القانون شاملا وواقعيا ومعالجا لكل القضايا المعاصرة سواء الطفل أو الحضانة أو الاستضافة أو الخلع أو الطلاق، كل هذه الأمور تداركناها وعالجناها بشفافية وبوضوح وبرأي الأغلبية، كانت المادة الواحدة في القانون تستغرق منا جلسة كاملة أو جلستين حتي نصل إلى أفضل صيغة، واطلعنا على قوانين البلاد العربية الأخري وكذلك البلاد الإسلامية وحاولنا أن نفيد منها وأن نلقح ايضا بعض المواد، اجتهدنا في تقديم كل المزايا وتلافي كل العيوب السابقة، يبقي أن مشروع القانون معروض على مجلس النواب ونحن مستعدين لأي تعديل يراه المجلس أو إضافة أو تساؤل.
الاستضافة
*هل الاستضافة موجودة في الشريعة الإسلامية؟
** نعم موجودة ونراها من الأمور المناسبة جدا للطفل، لكن العناد بين الأُسر وبين المنفصلين هو ما يؤدي إلى ادعاءات باطلة بين الأب والأم، وقد تلافينا كل هذه الأمور وأخذنا بمبدأ الاستضافة للأساسيين الأب والجد والأم والجدة، فقد يكون الطفل عند الأب فتستضيفه الأم وقد راعينا البعد النفسي والإنساني لرعاية هذا الطفل حتي يكبر وينمو في ظل أجواء نفسية سليمة ووضعنا الضوابط والالتزامات ما يحول دون المفاسد التي يخشاها كثير من النساء أو الرجال.
سن الحضانة
*وما هو سن الطفولة والحضانة التي اتفقت عليها اللجنة في المشروع؟
** سن الطفولة هو 18 عاما، وهو موجود في الفقه لأننا نعوِّل على الرشد وليس البلوغ البدني، وسن الحضانة للولد 15 سنة وبعدها يتم تخيير الولد، والبنت تبقي مع أمها حتي تتزوج، إلا إذا تزوجت أمها أو رغبت في الانضمام للأب.