ديوان الجعفرى يمثل المنهج الأزهرى المستنير
قامت بالزيارة: مروة غانم
عبَّر د. رفعت على محمد- وكيل كلية اللغة العربية بجامعة الازهر بأسيوط، والاستاذ بكلية الدراسات العليا بالقاهرة- عن حبه الشديد للقراءة، مشيرا إلى أنها بمثابة الحياة التى يتزود منها، وهى الناصح الأمين له، منتقدا باحثى اليوم الذين عزفوا عن القراءة، مؤكدا أنهم مثل المقاتل بلا سلاح والمسافر بلا زاد، لافتا الى انهم سرعان ما ينكشف أمرهم فى أول معترك فكرى، مطالبا الجميع بقراءة ديوان الجعفرى الذى يمثل المنهج الأزهرى الوسطى المعتدل خير تمثيل، موضحا أنه ينتقى الكتب خير انتقاء ويحرص على القراءة فى مجال تخصصه أولا ثم فى مجال التاريخ والسير الذاتية.
“عقيدتى” زارت مكتبته، فكان هذا الحوار حول أهمية القراءة وانتاجه الادبى والكتب التى يحب اقتناءها.
• عودة قليلا الى الوراء هل تتذكر قصة أول كتاب قمت بشرائه وهل كان له قصة خاصة ؟
** بالطبع لا أنسى أول كتاب قمت بشرائه فهو كتاب ديوان الجعفرى للعالم الأزهرى والقطب الصوفى الشيخ صالح الجعفرى- إماما الجامع الأزهر لخمسين عاما- وهو ديوان شعرى ضخم يبلغ اثنى عشر جزءا، لذا قمت بشرائه على مرات حيث لم يكن بمقدرتى توفير المبلغ المطلوب لكل أجزائه دفعة واحدة، كما أن ذلك مكننى من قراءته بتأنى, وقد حفل الديوان بالقصائد العصماء التى تفيض بالآداب الاسلامية والاشراقات الروحية التى ظل الشيخ طوال عمره يلقّنها لتلاميذه ومريديه, والديوان ما هو إلا مناجاة للذات العليّة والمدائح النبوية والحديث عن فضائل الصحابة وآل البيت، وقد خص الشيخ الجزء الأخير منه لنظم العلوم والفنون, فللشيخ نظم فى علم العربية وأخر فى العقيدة وثالث فى الفقه ورابع فى الميراث وكذا فى التصوف الاسلامى والشمائل المحمدية, فهذه المنظومات فريدة من نوعها تحتاج من ينفض عنها غبار النسيان ويقدمها للناس فى ثوب جديد، وديوان الجعفرى يمثل المنهج الأزهرى خير تمثيل ولا يخرج عنه قيد أنملة، لذا أدعو الجميع لمعايشته والاستفادة مما به.
فقه السيرة
• هل تتذكر أول كتاب تم إهداؤه لك؟
** كتاب فقه السيرة للشيخ محمد الغزالى، هو أول كتاب أهدى الي.
• وماذا تمثل القراءة بالنسبة لك؟ وهل تفضل القراءة فى أوقات معينة؟
** القراءة بالنسبة للباحث هى الحياة اذا انقطع عنها انقطع عنه مدد الحياة، فهى الزاد الذى يتزود منه الانسان وهى الكهف الذى به يستظل وهى الناصح الأمين والسمير المخلص الذى يبدد وحشة النفس ويزيل عتمة الروح ويجلو صدأ القلب، فهى تزيد الحياة ثراء والشخصية عمقا.
أما عن أوقات القراءة فليس للقراءة عندى وقتا محددا بل آوى اليها كلما عاد للذهن صفاؤه وللقلب حضوره، أما عند شرود الذهن وشتات القلب فلا أجد للقراءة معنى، فقد أستمتع أحيانا بالقراءة فى وسائل المواصلات ولا أجد لذة لها فى بعض الاحيان فى مكتبى فانا لا أحدد مكانا ولا زمانا للقراءة انما أطلق العنان لنفسى تقرأ وقت ما تشاء وفى المكان الذى تريده.
• هل تفضل القراءة فى مجال معين؟
** أفضّل القراءة فى مجال اللغة والأدب بحكم الدراسة والتخصص والعمل الذى أحبه وأرضى عنه، علما بأنه لم يكن من مقصدى وقت الطلب لكن ذلك أمر قدّره الله عزَّ وجلَّ، لذا أكرر دوما كلمة شيخ الاسلام د. عبدالحليم محمود، فى سيرته الذاتية “هذه حياتى”: “لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما اخترت غير ما اختاره الله لى”.
وهنا أود التأكيد على أن للعالم فى مجال الأدب او الشعر دورا لا يقل أهمية من أى عالم فى التخصصات العلمية لان أى تقصير من أحدهم يعد انهيارا فى بناء الوطن، لان العلوم متكاملة ومتناغمة, أما دعوى الحفاوة بالشعر والادب فهى دعوى فارغة تكفَّل بالرد عليها العقاد فى كتابه “أنا” بما لا يدع فيها زيادة لمستزيد, كما أننى أهوى القراءة فى كتب التاريخ التى تمدّنى بزاد من العظات والتجارب، وكذا كتب التراجم لاسيما تراجم الصحابة وأهل البيت الصالحين لأنه اذا فاتنا زمانهم يجب ألا تفوتنا سيرتهم ومعايشتهم, كما أهوى القراءة فى السير الذاتية التى قدم فيها أصحابها خلاصة تجاربهم وعصارة أفكارهم.
• فيما يتعلق بكتب السير الذاتية على أى أساس تقوم باختيار الكتاب، هل بناء على اسم صاحبه أم على مدى إسهامه الأدبى والعلمى؟
** أنا لا أختار الكاتب على أساس مذهبه العقدى أو الفكرى أو السياسى أو الدينى بل ليس لى من شرط لمن أقرأ سيرته سوى جمال الاسلوب وحلاوة العرض.
محفِّزات القراءة
• ما الذى يشجعك على القراءة؟
** للقراءة منشطات ومحفزات عدة أولها: أن ديننا هو دين العلم والقراءة حث عليه ورغب فيه وكانت “اقرأ” هى أول آية نزلت من الذكر الحكيم، فلم يطلب الله من نبيّه سوى الاستزادة من العلم حيث قال: “وقل ربّ زدنى علما” كما خص الذكر الحكيم أولى العلم بخشيته والخوف منه لانهم أهل معرفته “إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ” كما يعد التأليف والمشاركة فى الندوات واللقاءات العلمية من أكثر الاشياء التى تشجع على القراءة وتحفز عليها، ومن المفيد أن أذكر رأى العقاد فى هذا المجال اذا يقول: لا أحب الكتب لأننى زاهد فى الحياة ولكن أحب الكتب لان حياة واحدة لا تكفينى ومهما يأكل الانسان فلن يأكل بأكثر من معدة واحدة لكنه بزاد الفكر والشعور والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات كلها فى عمر واحد.
• هل قمت بحصر الكتب فى مكتبتك الخاصة لتطلعنا على عددها؟
** لا أعرف عدد الكتب فى مكتبتى، لكننى كنت أنتقيها بعناية شديدة وأصطفيها كما يصطفى الانسان ثوبه الجديد الذى يتزين به فى محفل عام، كما كنت أحرص أن أنتقى من أمهات كتب التفسير والحديث والتاريخ والتصوف ما لا غنى عنه ثم أنطلق فى اقتناء كتب الأدب واللغة والسير الذاتية بلا قيد.
أهم الكتب
• ما أهم الكتب التى تحويها مكتبتك؟
** تحوى مكتبتى أمهات كتب التفسير والحديث والتاريخ والتصوف، فضلا عن مئات الكتب فى مجال العربية وآدابها, لكن ثمة عالِمَين كنت حريصا على اقتناء كل انتاجهم العلمى هما الشيخ صالح الجعفرى- امام الجامع الازهر وصاحب درس الجمعة الاشهر بالازهر الشريف- والدكتور محمد أبو موسى، شيخ البلاغيين وعضو هيئة كبار العلماء وصاحب الدرس العامر برواق المغاربة بالازهر.
• وماذا عن مؤلفاتك؟
** صدر أول كتاب لى عام 2009 بعنوان “الطائيان بين عبدالقاهر والنقد الحديث رأى ورؤية” ذاك أن النقاد قد درسوا كل القضايا النقدية من خلال شعر هذين الشاعرين الذين شغلا الناس قبل ظهور المتنبى لان لكل منهما مذهبا فنيا يناقض الآخر، وكان آخر كتاب بعنوان “شرح البردة الحسنية الحسينية” فى مستهل هذا العام وهو شرح لغوى نحوى بلاغى مع العناية بالاحداث التاريخية والمعانى السلوكية التى زخرت بها البردة، وقد عنيت بين هذين العامين بتحقيق مجموعة من مؤلفات أعلام الازهر وأقطابه فى سلسلة تحت عنوان “سلسلة تراث الأزهريين”، هذا بالاضافة الى بحوثى فى مجال التخصص والتى بلغت خمسة عشر بحثا علميا، نُشرت جميعها فى مجلات علمية محكمة وأُلقى بعضها فى مؤتمرات علمية داخل مصر وخارجها.
باحثو اليوم
• بما تنصح الباحثين اليوم؟
** أنصحهم بالقراءة فى مجال تخصصهم أولا والقراءة فى شتى المجالات، لأن الباحث الذى لا يقرأ مثل المقاتل الذى لا يملك سلاحا ومثل المسافر بلا زاد، لان الانسان قد يتجمل ويبدو فى غير زيّه فى مواقف الحياة، أما فى ميدان البحث ومجال الثقافة، فإن الباحث الذى لا يقرأ سرعان ما ينكشف أمره عند أول سجال فكرى وأول معترك ثقافى وقد يُفضح أمام طلابه.