تحقيق: سمر هشام
ونحن نودِّع شهر رمضان المعظم، شهدنا عددا من القضايا الفقهية التى أثارت جدلا بين المسلمين، خاصة فى بعض المساجد التى تشهد إقبال السيدات والأطفال لأداء صلاة التراويح.
ففي أحد المساجد قام الإمام بطرد النساء من المسجد أثناء صلاة التراويح بعد حدوث هرج ومرج بسبب الأطفال وما يحدثونه من ضوضاء وشوشرة والقضاء علي جو الخشوع في الصلاة! وتحول الجدل إلي مشاجرة نسائية فيها أصوات بذيئة!
وحتى لا تتكرر مثل هذه القضايا مستقبلا، فلابد من معرفة ضوابط التراويح، وكيفية علاج ما فيها من مخالفات.
حيث ينقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض، وما بين مجيز ومانع، ويظل الناس في حيرة من أمرهم نحو خشوعهم في صلاتهم لهذا الضجيج الذي يعكر صفو عبادته.
يوضح د. محمد الصفتي- باحث أول بالإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة- أن خروج النساء إلى المساجد لحضور الصلوات وسماع دروس العلم النافع لا حرج فيه مطلقا، إذا كانت المرأة تلتزم آداب الإسلام وأخلاقياته في ذهابها إلى المسجد وإيابها منه، والأدلة على ذلك كثيرة منها عموم قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}.
شهود الصحابيات
وأشار إلى أن النساء كانت في عهد النبوة يحضرن الصلوات الخمس بالمسجد النبوي الشريف، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: «كُنَّ نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ، لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ».
بل جاء النهي صراحة عن منع النساء من الحضور إلى المساجد طالما كانت الحدود مرعية والآداب محمية، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ).
ومعنى تفلات أي غير متعطرات، وفي معناه ألا يكنَّ مرتديات ملابس تلفت الأنظار وتثير الشهوات والنظرات الآثمة، وعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْنَبَ، امْرَأَةِ عَبْدِاللهِ، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا”.
يوضح د. الصفتى، أنه قد وجد اتجاها لدى بعض الناس إلى منع النساء من ارتياد المساجد وحضور الصلوات وسماع دروس العلم بها، منذ عصر مبكر من تاريخ الإسلام، ففي صحيح الإمام مسلم أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا».
فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِاللهِ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُاللهِ: فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ: “أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ”.
ومن ذلك أيضا ما قالته السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: «لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ» قَالَ: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَتْ: «نَعَمْ”.
وعلى ذلك نستطيع أن نقرر أن منع النساء من الذهاب إلى المسجد إنما هو لعلة وجود فتنة وليس على سبيل الإطلاق.
ومن ثم فقد جاء في عنوان الباب في صحيح الإمام مسلم: “بَابُ خُروجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنةٌ، وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجْ مُطَيَّبَةً”.
يضيف د. الصفتي: لابد أن تحرص المرأة المسلمة غاية الحرص أن تراعي الحشمة في الملبس والوقار في المشي والحركة والحياء في التعامل وأن تتمثل أخلاقيات الإسلام في ذهابها إلى المسجد والرجوع منه، وليس بخاف أن ذهاب النساء إلى المساجد لأداء الصلوات والاستماع لدروس العلم الشرعي والاستزادة من الفقه في الدين والتزام أخلاقيات الإسلام وسلوكيات الدين وآداب التعامل ومعرفة حقوق الزوجية وطرق تربية الأولاد وسائر أحكام الدين مما يعود على المرأة المسلمة بالخير وعلى أسرتها وعلى المجتمع كله، كما أن وجود المرأة بالمسجد أفضل من المكوث بالساعات لمتابعة البرامج والمسلسلات وكثير منها للأسف غير برئ، ويهز القيم وكيان الأخلاق في المجتمع، وكما قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: “ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل”.
كما ينبغي الاهتمام بنظافة المساجد ومراعاة حرمتها وعدم تعريضها لسلوكيات خاطئة تنافي جلال المسجد وقدسيته، كاصطحاب الكثير من أصناف الطعام والحلوى والعصائر والمشروبات، وما يترتب على ذلك من انتشار الروائح وترك مخلفات كل هذه الأشياء داخل المسجد أو المصلى وكأنه أمسى صالة مخصصة لتناول الأطعمة والمشروبات وليس مكانا للعبادة والتضرع إلى الله تعالى والرجاء فيما عنده من الثواب العظيم والأجر الكريم!
وأكد أن الأوقاف تبذل جهودا مضنية لعمارة بيوت الله عز وجل من حيث المبنى ومن حيث المعنى، وهي جهود متوالية ومتلاحقة كي تكون المساجد في أبهى صورة وأطيبها لاستقبال عباد الله تعالى الحريصين على إقامة الشعائر في المساجد وإحياء ليالي هذا الشهر الفضيل بألوان الطاعات والعبادات.
جدل فقهي
ويؤكد الشيخ كرم بهنسي- من علماء الأزهر- أن الشرع الحنيف حول صلاة المرأة ومعها أطفالها في مساجدنا، فإن من المُسَلَّمات في شرعنا الحنيف أن النساء لا تُمنع من بيوت الله وأن الصغار لا تمنع من بيوت الله، ولكن الذي قد يختلف فيه بعض الفقهاء هو الحالة التي قد يخرج فيها الأطفال المصلي عن صلاته وخشوعه بين يدي ربه، فصلاة التراويح سُنة مؤكدة وكان الأصل فيها علي عهد رسول الله أن تُصلَّي في البيوت، ونظرا لفتور بعض الناس عنها ولأسباب أخري جمعهم عليها سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ولكننا نقول أن الأفضل في حق النساء قيام الليل في بيوتهن لقوله عليه الصلاة والسلام (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن) ولكن هذه الأفضلية لا تمنع من الإذن لهن من الذهاب إلي المساجد كما في حديث عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها) قال: فقال بلال بن عبدالله: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبدالله فسبَّه سبًّا سيّئا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول والله لنمنعهن؟!
غير أن النساء حينما يأتون إلي المساجد يصطحبون معهن الأطفال فيحدث ضجيج في المسجد مما يؤثر علي المصلِّين.
أوضح الشيخ البهنسى، أن الحكم الشرعي لصلاة الأطفال في المسجد يختلف حسب درجة وعيه، فالطفل المميز وهو الناضج الذي يفهم معني الصلاة ويدرك حرمة المسجد وآدابه، وقيل هو ابن سبع سنين، وقيل لا يحدد بسن محدد حسب نضجه، وهذا لا خلاف في صحة صلاته واصطفافه مع المصلين ولا يجوز إبعاده عن الصفوف وعن المسجد وإمامة المصلين، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أم عمرو بن سلمة وعمره سبع سنين الطفل غير المميز وهو لا يخلو من حالين، طفل غير مميز لا يعقل معني الصلاة ولا يدرك حرمة المسجد ولكنه هادئ الطبع ومطيع إذا قيل له كف انتهي، وإذا وضع في مكان لا يتحرك منه إلا قليلا، وهذا أيضا يجوز إدخاله المسجد سواء كان مع أبيه أو أمه فقد كان الصبية يشهدون الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان يصلي بالناس إماما والحسن والحسين يلعبان حوله ولكن كل منهما لا يقام في الصف بين المصلين لأنه لا تصح صلاته فلا تصح مصافته، والأولي أن يقف في أطراف الصفوف أو يجلس أمام أمه في الصف، ويقاس عليه الطفل الرضيع قليل البكاء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع بكاء الطفل في الصلاة خففها رحمة بأمه، ولم يرد عنه أن نهاها عن حضور الصلاة أو أمرها بالخروج لأن النبي صلي بالناس إماما وهو يحمل حفيدته أمامة ابنة ابنته زينب علي عاتقه فكان إذا ركع وإذا سجد وضعها وإذا قام حملها، فيجوز للأم أن تحمل هذا الرضيع أو الطفل وهي تصلي إذ بكي حتى لا يشوش علي من يصلي، أما الطفل غير المميز الخارج عن السيطرة وهو الطفل الذي لا يستطيع أن يتحكم في تصرفاته، وإذا قيل له انتهي لا ينتهي ولا يسمع ولا يلتزم بمكانه، وهذا هو الذي خاصه الشرع بالمنع، فنهي النبي من يأكل ثوما أو بصلا أن يعتزل مصلانا حتي لا يؤذي الآخرين وكذلك ينسحب هذا الحكم علي الطفل غير المميز الذي يؤذي غيره حتى لا يشوش علي المصلين، فصلاة المرأة في هذه الحالة هي وطفلها أو رضيعها أولي في بيتها حتى يعقل.
وينهي الشيخ البهنسي كلامه قائلا: خلاصة القول أن المرأة لا تُمنع من الصلاة في المسجد فريضة وسنة، وأن هناك طفل مميز وآخر غير مميز، فالمميز هو الذي يقبل التعليم ويستقيم ويعقل معني الصلاة فوجوده في المسجد محبب، وأما غير المميز إذا قيل له انتهي كف والتزم بمكانه وهذا أيضا لا بأس من وجوده، إنما يمنع من يحدث ضجيجا ويشوش على المصلين في صلاتهم ويخرجهم من خشوعهم لربهم وهذا لا يرضاه الله ولا رسوله.