د. أسماء فتحي: التباعد بين الحملين جائز شرعا.. النبى نهانا عن غثاء السيل
تحقيق – مروة غانم:
فتاوى كثيرة تصدر بين الحين والآخر فيما يتعلق بموضوع تحديد أو تنظيم النسل، نجد بعضها يقر التنظيم ويجيزه مشترطا فى ذلك سببا أو مصلحة، كأن يكون التنظيم لمرض الزوجة أو رغبتها فى رعاية أبنائها أو الإهتمام بتربيتهم وقضاء شئونهم، حيث يرى أصحاب هذا الرأى أنه لا مانع شرعى من تعاطى الأدوية لتباعد الفترة الزمنية بعد الولادة والحمل فى مولود جديد, فى حين تحرم فتاوى أخرى تحديد النسل مطلقا وترى أن قيام المرأة بتعاطي أدوية تمنع حملها بعد ولد أو ولدين أو ثلاثة أو أربعة حرام شرعا لأنه فى هذه الحالة ليس تنظيما إنما هو قطع للنسل وحرمان للزوجين من النسل.
من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي يوضح أولا الفرق بين تنظيم النسل وتحديده وحكم الشريعة الإسلامية فى هذين الأمرين.
أكدت د. نجلاء صهوان- أستاذ مساعد الفقه بجامعة الأزهر بالمنصورة- أن طلب النسل من الأمور التى حبَّبها الله تعالى إلى خلقه وطبعهم على ابتغائه, كما أن طلب الولد من سنن الأنبياء والمرسلين لذا تضافرت النصوص الشرعية للحث على النسل والترغيب فيه .
ولا يجوز استعمال موانع الحمل بغرض قطع النسل قطعا كليا فقد نهى النبى عن الإختصاء والتبتل، كما أن تحديد النسل يعنى الإكتفاء بعدد معين من الأولاد والباعث على ذلك هو تقليل عدد النسل أو الخوف من الفقر، وهذا غير جائز شرعا لأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، أما تنظيم النسل والذي يعنى قيام الزوجين بالتراضى فيما بينهما باستعمال وسائل معينة لتأخير المدة الزمنية بين الأحمال بحيث يكون الهدف من ذلك مراعاة حال الأسرة وشئونها الصحية أو القدرة على تربية الأبناء تربية سليمة فلا مانع هنا من تعاطى الأدوية لتأخير الحمل وتباعده.
أوضحت د. نجلاء أنه يجوز منع الحمل أو تأخيره إذا قرر الأطباء الثقة أنه قد يتسبب فى وفاة المرأة أو تعبها تعبا شديدا أو يضعف من بنيتها، ففى هذه الحالة لا مانع من منع الحمل أو تأخيره حسب ما يراه الطبيب عملا بما جاء عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل حيث قال جابر- رضى الله عنه-: “كنا نعزل على عهد النبى والقرآن ينزل” أما ما روى أن النبى نهى عن العزل فى قوله: “ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهى كائنة”، ففى الحديث الشريف دليل على عدم استحباب العزل لكن بعض الفقهاء أجازوه وإن كان فى الأمر كراهة والأولى عدم فعله إن لم تكن هناك ضرورة، فإن كانت هناك ضرورة أو حاجة ماسة يجوز تنظيم النسل بأى وسيلة مشروعة.
غثاء السيل
أكدت د. أسماء فتحى- أستاذ الفقه بجامعة الأزهر بالقاهرة- أن الانجاب هبة من الله تعالى حيث قال فى كتابه الكريم: “لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ”. كما أنه حق للزوجين لبقاء النوع الانسانى وتعمير الأرض فضلا عن كونه يحقق الإستقرار النفسى والإجتماعى للأسرة, كما أن الإنسان فى حد ذاته يعد ثروة طبيعية للمجتمع لا يمكن الإستغناء عنها أو التقليل من قيمتها، لذا يجب الحفاظ على النسل وحسن رعايته وألا نكون كثرة بلا قيمة فقد نهانا النبى صلى الله عليه وسلم أن نكون كثرة كغثاء السيل فقال رسول الله: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت”.
أوضحت د. أسماء فتحي إلى أنه ينبغي على الزوجين أن يكون لديهما رؤية لرعاية النشء وحسن تربيتهما وفق منهج الشريعة الإسلامية، وهذا يستلزم أن يكون هناك تنظيما للنسل بين الأولاد ليأخذ كل طفل حقه فى الرعاية والتربية السليمة بدلا من الإنجاب العشوائي الذي يحول الثروة البشرية من “نعمة” تزدهر بها البلاد وتتقدم، إلى “نقمة” تتخلف بها البلاد ويشقى فيها العباد.
وأشارت د. أسماء إلى جواز إستخدام وسائل تنظيم النسل شرعا، فلكل امرأة أن تستخدم الوسيلة التي تناسبها حسب رأي ورؤية الطبيبة المعالجة لها، أما وسائل منع الحمل بالكلية فهى محرمة شرعا ولا يجوز للمرأة اللجوء إليها إلا إذا كانت لديها ضرورة تمنعها من إستعمال وسائل التنظيم.