وزير الأوقاف: الإسلام ينهى عن الإسراف والتبذير رئيس دينية الشيوخ يدعو لإصدار فتاوى تتعلق بالترشيد وقضايا الواقع
كتبت- إسراء طلعت:
دعوة جديدة أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، لترشيد الاستهلاك وعدم الإسراف في المنزل، خاصة وأننا مقبلين على شهر رمضان، وفي ظل أزمات اقتصادية طاحنة يمر بها العالم أجمع، قائلا: «إن مائدة الشعب المصري في رمضان تتسم بوفرة الأكل على السُفرة، لافتًا إلى أن تحقيق مستقبل أفضل وأحسن للأبناء والأجيال، مرتبط بمراجعة تلك العادات، داعيا لترشيد الاستهلاك في المنزل، معقّبًا: «والله أنا ما رئيس، الناس متخيّلة إن السُفرة مختلفة جدًا والرئيس بياكل من الجنة، لا لا، بأسأل: الأسعار كام؟ وأقول يشتروا إيه، أنا مسؤول أمام الله، مش مهم الوفرة في جيبي وإنما الإنفاق المتوازن المناسب».
وتتفق تلك الدعوة مع صحيح الإسلام وتعد واجبا شرعيا، بحسب ما أكده علماء الأزهر والأوقاف، حيث أكد الإمام الاكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن إحياء مسلك الاعتدال وعدم الإسراف وترشيد استهلاك السلع في الأزمات، مثل أزمة فيروس كورونا التي تجتاح العالم والأزمات الإقتصاية، واجب شرعي.
وذكر شيخ الأزهر في فيديو له، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- جاءوا له الناس وقالوا: غلا اللحم، فقال: أرخِصوه أنتم، فقالوا: كيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ قال: اتركوه لهم.
مشددًا على أن الترك كفيل بأن يجعل من الذهب سلعة رخيصة، مؤكدا أن الإسلام دعا للترشيد والاعتدال في الاستهلاك تحقيقًا للتعاون بين الناس، منوّهًا بأن فزع المستهلكين وهلعهم في تكديس المواد الغذائية، وطلب ما لا حاجة لهم فيه من السلع من أكبر عوامل الاحتكار وتشجيع المحتكرين على رفع الأسعار مما يعرّض الآخرين للظلم والحرمان من الحصول على حقوقهم.
وشدد الإمام الأكبر على أن الاحتكار مجموعة من الرذائل الخُلقية والمخالفات الشرعية، ففيه رذيلة الظلم وأكل أموال الناس بالباطل، والسحت، والباطل بكل شُعبه، موضحًا أن من أنواع الاحتكار المنهي عنه ان يقتصر بيع سلعة على تجّار بعينهم دون آخرين، وهذا الأسلوب الملتوي يدفع لرفع أسعارها، وفي هذه الحالة يعطي الشرع الدولة الحق الكامل في التدخل المباشر لتحديد الأسعار؛ حماية لحقوق العامة من المستهلكين.
من جانبه أكد وزير الأوقاف د. مختار جمعة، أن الإسلام ينهي عن الإسراف والتبذير في كل شئ، سواء في الانفاق أو الاستهلاك فيما يتعلق بالطعام والشراب واللباس والزينة، مشددًا على أهمية العمل الدءوب وإتقانه، مؤكدا أن الإسلام ينهي عن التبذير والإسراف بقول الحق: “وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً” ويقول: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”، ويقول “وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً” ويقول: “وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا“،
كما استشهد وزير الأوقاف بما جاء على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام): “تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ”، موضحا أنها دعوة إلى زيادة الإنتاج من خلال العمل الجاد الدءوب وإلى ترشيد الاستهلاك إلى أقصى درجة ممكنة، حيث قال الحق سبحانه : “إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ” ولم يقل إلا ما تأكلون.
وأشار إلى قول الرسول: “كلوا واشربوا، والبسوا وتصدّقوا، في غير إسرافٍ ولا مخيلةٍ”، موضحا أن النهي عن الإسراف والتبذير جاء عامًّا ليشمل الإسراف والتبذير في الإنفاق، وفي سائر وجوه الاستهلاك في الطعام والشراب واللباس، واستهلاك الكهرباء والغاز، وكذلك الإسراف في الماء، فعَنْ سيدنا عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو (رضي الله عنهما) أَنَّ “مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ: (مَا هَذَا السَّرَفُ؟) فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ؟ قَالَ: “نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ“.
أوضح أن الإسراف لا علاقة له بالقلة أو الكثرة، وإلا لطلبنا من الفقير أن يرشد وتركنا الغني يفعل ما يشاء، غير أن الأمر بالترشيد والنهي عن الإسراف جاء عامًّا للفقير والغني على حد سواء، في الندرة والوفرة بلا تفصيل ولا استثناء، متابعا: وإذا كان ترشيد الاستهلاك مطلوبًا كنمط حياة، فإن الأمر يكون ألزم وأولى في أوقات الشدائد والأزمات، بل إن الأمر لا يقف عند حدود ترشيد الاستهلاك فحسب، إنما يتطلب أمرين آخرين أولهما البعد عن الأثرة والأنانية والشره في شراء السلع وتخزينها فوق الحاجة الضرورية؛ مما يتسبب بالطبع في شحها ورفع أسعارها وضرر الآخرين، بل ضرر الجميع، والقاعدة الفقهية الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار، وقد قالوا: أنت حرٌّ ما لم تضر.
واختتم: أوقات الشدائد والأزمات تتطلب الإيثار لا الأثرة، حيث يقول الحق: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (الحشر: 9)، ويقول نبينا: “إن الأشعريين إذا أَرْمَلُوا في الغزو، أو قلَّ طعام عِيَالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويّة، فهم مني وأنا منهم
من جانبه قال د. يوسف عامر- رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ-: إننا في حاجة ملحة لتعظيم دور الفتوى الإلكترونية في التنمية المستدامة، والنزول لأرض الواقع ودعوة الناس لترشيد الاستهلاك وحفظ النفس، قائلا: الحرب الدائرة الآن بين الأقوياء “روسيا وأوكرانيا”، أصابت العالم بأضرار في الأمن الغذائي والاقتصادي، لذلك يجب إصدار فتاوى تحث الناس على زراعة المحاصيل والقيام ببعض الصناعات التي تحقق الاكتفاء الذاتي لنا وغيرنا بما يحفظ بقاء الإنسان.
ودعا إلى ضرورة إصدار فتاوى تتعلق بترشيد الاستهلاك وقضايا الواقع، لافتًا إلى أنه يجب أن يكون لمجمع البحوث الإسلامية دور واضح ضمن الاستراتيجية القومية لتنمية الأسرة المسلمة.
وفي سياق متصل قال د. محمد نصار- من علماء وزارة الأوقاف-: إن الإسلام أمر بالترشيد في الاستهلاك، والاقتصاد والاعتدال فيه في سائر الأمور، حتى في العبادات من صلاة وصيام؛ رفعا للحرج، وتحقيقًا للتيسير، وبُعدًا عن التعسير، مؤكدا أن ذلك يعد تحقيقًا لنهضة ورفعة الأمة.
وأكد أنه لابد من المسلم أن يربي نفسه على الترشيد في استهلاكه دون حرمانٍ، وبذلك يمكنه أداء مهمته الاستخلافية في الأرض على الوجه المطلوب، فترشيد الاستهلاك من مظاهر حُسن العبادة وحماية البيئة والأرض، فالعبادة لا تقتصر على الشعائر الدينية؛ وإنما تشمل المحافظة على البيئة ورعاية ما فيها وصيانته من أشكال العبادة، كما أنَّ إماطة الأذى عن الطريق والمحافظة على الماء والهواء وحُسن استخدام المرافق والممتلكات العامة من صور العبادة.
أوضح أن ترشيد الاستهلاك في الاقتصاد الإسلامي، محل اعتبارٍ عقدي ابتداءً، تَفرضه على المستهلك مقتضيات الإيمان بقواعد الشريعة الإسلامية التي نَهتْه عن الإسراف والتبذير في استخدام الموارد التي هو مستخلَف فيها وأمين عليها؛ حفاظًا عليها من الضياع والنفاد، وبما يضمن ديمومتها في الحياة، لضمان حق الأجيال القادمة، إضافة إلى مقتضيات إشباع حاجاته الدنيوية المحضة، هذا ولا يمانع الإسلام من أن يظهر المسلم أثر نعمة الله عليه لكن دون سرف لقوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)، ولقوله- صلوات ربي وسلامه عليه-: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدّقوا من غير مخيلةُ ولا سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده).
واستشهد بما جاء عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: “كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأك خصلتان: سرف ومخيلة”، هذه هي القاعدة الأساسية العامة المثلى في المحافظة على نعمة الله وترشيد الاستهلاك، وقد أكد المولى على هذه القاعدة (قاعدة التوازن والاعتدال) في جمع المال وتحصيله وإنفاقه ومدح المعتدلين في إنفاقهم والمحافظين على نعمه الذين يرشدون استهلاكهم فقال: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).
واختتم: قد كان النبي أكثر الناس تقديرا وحفظا لنعم الله وأبعدهم عن الإسراف والتفاخر بها وإهدارها رغم انفتاح الدنيا له وإقبالها عليه إلا أنه لم يصرف هذه النعم إلا في طاعة الله دون إسراف ولا تبذير أو تقتير، كما حذرنا من الإساءة في استعمال الماء والإسراف فيه حتى في الوضوء فكيف بغيره، وقد أكد رسول الهدى والرحمة على هذا فقال مخاطباٍ رجلاٍ يتوضأ: «لا تسرف لا تسرف». ونهى عن الإسراف والتبذير في شراء الملابس فقال: “كلوا واشربوا وتصدّقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة”.