البشر بصفة عامة يحتاجون إلي مثالٍ يقلدونه؛ لذلك أرسل الله الرسل من البشر ليكونوا قدوة صالحة للناس، وهذا الاحتياج للقدوة لا يحتاج إلي إثبات أو دليل فكل مشاهد الواقع الذي نعيشه تخبرنا بهذا، فنجد الشباب يسارعون في الإقتداء بمشاهير ولو لم يكونوا صالحين رغبة منهم أن يسيروا على طريقهم ودربهم؛ من هنا تبرز أهمية أن يكون الإنسان قدوة لمن حوله.
ومن هنا تقع مسؤولية كل مسئول عن مجموعة من البشر عن قدوته الذي يقتدي به حتى يكون هو قدوة لمن بعده. والقدوة التي أمرنا الله باتباعها والتمثل بها، لها أصول شرعية، يجب أن تكون هذه الأصول متمثلة ومجسدة فيما يفعل، وإلا فلا يقتدى به أبدا.
ومن أصول القدوة الحسنة الصلاح حيث أمر الله تعالى الخلق جميعا بالاقتداء بالنبي؛ لأنه جمع كل الخصال الحميدة، فقال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).
فالقدوة في الإسلام هي شخص يتابعه الناس في أقواله وأفعاله، ولا يكون المقتدَى به من أهل الصلاح إلا إذا تحقق به عدة أمور منها: الإيمان فلا يقتدى بمن فسدت عقيدته، ولا يصح أن يتقدم الناس؛ لأنه سيضلهم، وكذلك العبادة فمن صلحت عبادته، اتخذه الناس قدوة لهم، وإن كانت عبادته فيها تشدد أو تساهل وفق هواه فلا يصح أن يكون قدوة.
ومنها الإخلاص الذي هو شرط لقبول العمل، حيث أن الغاية من متابعة القدوة هي أن يصل الخلق إلى الله، فإن كان غير مخلص لله أضلَّ الخلق. ومنها أيضا حسن الخُلُق فالخُلُق الحسن يعد هو التطبيق العملي لما في قلب المسلم، والخلق الحسن هو الذي يؤثر في الناس، ويسعى الناس إلى تقليده، فمن حسن خلقه، صح أن يكون قدوة للناس، ومن فقد هذا الأصل فلا يصح أن يتخذه الناس لهم قدوة ومثالا يحتذى به.
ومن أمثلة الخُلق الحسن الحكمة في القول والفعل، الصبر، الحلم، التأني في سائر سلوكياته، الصدق، العفو والصفح والتجاوز وأيضا موافقة القول للعمل.
ونظرا لأن الناس يتأثرون بالعمل أسرع من تأثرهم بالأقوال، لذا يجب على من كان قدوة للناس، أن يطابق قولُه عملَه، وإلا كانت عنده صفة من صفات المنافقين؛ لقوله تعالى: “يَقُولُونَ بِأَفْوَٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ۗ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ” (آل عمران: 167)
والقدوة الحسنة لها أثر في كثير من أعمالنا، وإن التزم كل منا باتباعها، حقق فوائد كثيرة منها أنه يكون متبعا للسنة؛ لأن النبي هو القدوة الأولى والمطلقة للمسلمين، فرب العزة سبحانه اختار لعباده الحبيب المصطفى ليتأسوا به،كما أن القدوة الحسنة ترشد المسلم إلى الوسطية، فلا يتشدد ولا يتراخى في عباداته، بل يصبح المسلم قدوة لغيره؛ بحسن سلوكه، وينال الأجر والثواب كلما اقتدى به الناس، فضلا عن أن الاقتداء بالصالحين سببا لحشر المسلم معهم يوم القيامة، فعن صفوان بن عسال قال: ((جاء أعرابيّ جهُوريّ الصوتِ قال: يا محمدُ، الرجلُ يُحبّ القومَ ولما يَلْحَق بهم فقال رسولُ اللهِ ﷺ المرءُ مع من أحبّ)) (أخرجه الترمذي).
ولقد كان أحد أهم الأركان التي قامت عليها شخصية المسلم الأسوة الحسنة التي أمر الله نبيه قبل أي أحد أن يقتدي بإخوانه من الأنبياء، فقَالَ لَهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90] ولما اشتد به البلاء أمره الله بالصبر كإخوانه من الأنبياء فقالَ: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35]، ولقد تحقق هذا في خُلُقه؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: ((لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ ﷺ أُنَاسًا فِي القِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي القِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ القِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَتَيْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ((فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)) (البخاري ومسلم).
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا من المقتدين برسولك المقتفين لأثره المتمسكين بسُنَّتِه واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا ربَّ العالمين.